من مخيم النيرب إلى الجِشّ .. حكاية مِصياف القُرى
"هـويـة" في ضيافة الحاج نمر حسين عيسى
أ. .زياد غضبان
#هويـــة - #حلب - مخيم النيرب
الأربعاء 2025/9/24
من داخل زواريب مخيّم النيرب بجانب رسومات العودة لفلسطين انتظرنا الحاج نمر ترافقه ابنته التي رحّبت بنا منتظرةً حضورنا بشوقٍ رافعةً رأسها بأبيها
و استقبلونا استقبالاً يليقُ بأهل الكَرَم أشبَهَ بكرم حاتم الطَّائِيّ
فبعد أن جَلَس بين الشّتلات التي زرعها بيده و روائح الريحان و النّعنع تفوح من حولنا ... شرعنا بالتّعريف عن منصة ""هـويـة"" وبرنامجنا الوثائقي و الهدف منه فرحَّب بهذه الفِكرة و اعتبرها خطوة فريدة لحِفظ الذاكرة الفلسطينية للأجيال القادمة
كانَ قصير القامة مرتدياً وشاحه الفلسطيني و حاملاً عكّازته الدالّة على وقاره ذو رعشةٍ أثناء الكلام رَسَمت سنوات الهجرة على وجهه أملاً بالعودة
فهَبَّت ابنته بتحضير الضِيافة بطبقٍ من العِنَب الأحمر الذي جَلَبه الحاج نمر من قريته متمسّكاً به أثناء الهجرة
فبدأ " أنا الحاج نمر حسين عيسى مواليد عام 1934 قرية الجِشّ كانت تسمّى قديماً (( جسكالا )) قريبة من جبل الجرمق و قريبة من حيفا ٢٠ متر تقريباً "
حيث وصفها بأنها بلد نموذجي مرتفع عمّن حولها و بها ينابيع و أنهار تأخذ منها المدن الأخرى و كانت مصايفاً لِمَن حولها
حيث كان يقيم مع والديه وإخوته الخَمسة ، فكان والده قصّاب عِجل ولديه أرض يزرع بها الجوز و التّين و كان يأتي للقرية السُّوّاح من القرى المجاورة أيام الانتداب البريطاني
لديهم ماعز و أبقار و غيرها ،كما استرسل بالحديث عن منازل القرية بأنَّ بها مسجد و ٣ كنائس و أنّ المسيحيين هم سكّان القرية الأصليين
و تكلّم عن مدرسة الجِشّ بأنها المركزية للقرى الأخرى مثل (( أديثا و الأبّاعة والرّأس الأحمر و سعسع ))
و ذكر اسم مدير القرية (( لطيف العبدوش )) و هو من مسيحي القرى هذه المدرسة التي خرّجت القضاة و المحامين و ذكر اسماء الأساتذة الذين درّسوه و منهم(( محمد طالب )) من قرية الصفصاف ، و (( حسن حميدة )) من صفد و (( غطّاس يوسف غطّاس )) من الرّامعي - قضاء حيفا
تَلا حديثه عن مسجد القرية بذكر معالمها الذي كان خطيب الجمعة فيه (( أحمد علي الخطيب )) و أكثر ما تكلّم عن مضافة القرية بمختارها جدّه (( الحاج أحمد حسيت عيسى )) و كَرَم الضيافة للوافدين و عابري السبيل
وعندما تناول بعض حبّات العِنَب ارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة
فسألته ما سبب تلك الابتسامة فروى لي حكايات الأعراس التي تظلّ ٧ أيام بلياليها و الدبكات و الذبائح و فزعة أهل القرى للعريس و فجأةً انعكست ملامحه و قال : ( و تتمّ الأفراح و ليالي المِلاح و يا ريتها ما دامت و لا وصّلنا هالبلاد و لا صرنا شحّادين على أبواب الأغنياء )
و بعد استراحة قصيرة بتناول العِنب و شُرب الشَّاي
استعادَ ذكرياته بابتسامةٍ من وراءها قصص من ماضيه الأصيل بذكر أيام رمضان و فرحته و إخوته بالعيد وطريقة توزيع السكاكر على أبواب المنازل
و بحرقةِ قلب تكلّم عن مسيرة الهجرة الأليمة عندما جاءَ الطيران و قصف قريته هاجر إلى البساتين ثمّ المغارات فحين توجّه على قرية " بنت جبيل " مشياً على الأقدام حتى أتت سيّارات فرنسية إلى منطقة صور في لبنان و تلاه قطاراً الساعة ١١ ليلاً في البرد القارص نقلهم من منطقة صور إلى حلب في سورية و لاقوا من الأهالي استقبالاً يليق بإنسانيّة الشعب السوري
في نهاية اللِّقَاء أنهى الحاج نِمر كلامه المبطَّن بحرقةٍ عن أمله بالعودة : (( إذا تمّيت طيّب أنا ما بعيش بضللي شجرة أتفيّا فيها تحتها و أنا بعرف إنّ أرضي تدمّرت و ما عاد إلي شي بفلسطين ، بس إذا رجعت و اندفنت لفلسطين و لا أندفن النيرب بَقبل الرّجعة ))
