شهادة الحاج محمد رضوان نجم عاشور:
*من يافا إلى اللاذقية – حكاية تهجير وتمسّك بالعودة*
مخيم الرمل - اللاذقية/ سوريا
ضمن سلسلة التوثيق التي يُجريها مشروع “هوية” لتسجيل شهادات الجيل الأول من اللاجئين الفلسطينيين، أجرى الأستاذ غسان الحاج خليل مقابلة في مدينة اللاذقية السورية مع الحاج محمد رضوان نجم عاشور، المولود عام 1943 في حي المنشية بمدينة يافا، والذي هُجّر منها وهو في سن الخامسة.
يقول الحاج محمد إن ذاكرته لا تحتفظ بكثير من التفاصيل لصغر سنه أثناء النكبة، غير أن مشهد دارهم في يافا لا يفارقه حتى اليوم. يروي قائلاً: “كانت الدار مكونة من طابقين، تقع وسط حديقة مزروعة بالياسمين والورود. أذكر باب الدار جيدًا… كانت حياتنا حلوة، وعندنا مراكب ولانشات بحرية”.
ويُضيف: “كان والدي ريّساً في ميناء يافا ويشرف على أملاكه هو وإخوته. كنا نعمل في البحر، وكان لنا شراكة مع حبيب غرغور الذي كان يملك أسطول بواخر بين لبنان وفلسطين. لما وقعت النكبة، غادرنا بالمراكب البحرية، نسميها ‘المواعين’، وكانت طلعة موت فعلاً… ورافقنا كثير من أهالي يافا في الهجرة إلى صيدا في لبنان”.
لكن ضيق الحال في صيدا دفع العائلة إلى الترحال مجددًا. “لم يجد والدي فرصة عمل هناك، فانتقلنا إلى سوريا بالتنسيق مع أبو هاني قدسي، واستقرينا في اللاذقية. جلبنا المراكب معنا، وصرنا نعمل في البحر. وقتها لم يكن لدى الجيش والجمارك زوارق بحرية، فتعاونّا معهم وقدمنا لهم بعض المراكب، وكان هناك شكر وتسهيل لنا في العمل”.
وفي اللاذقية، أبدى أحد الأشخاص، واسمه عبد القادر شريتح، كرماً كبيراً تجاه والد محمد، وقدم له أرضاً في منطقة الطابية ليقيم فيها، لكن الوالد رفض قائلاً: “راجعين إلى فلسطين”. ويعلّق الحاج محمد: “كنا نعيش على هذا الأمل”.
يتابع قائلاً: “دخلنا المدارس، التحقت أنا بمدرسة طارق بن زياد حتى الصف الثاني الابتدائي. كنا نظن أن غيابنا لن يتجاوز 15 يوماً، لكن السنوات طالت. سكنا بدايةً في أماكن مستأجرة، ثم انتقلنا إلى وسط مخيم الرمل، وبعدها انتقل الأهل إلى قلب البلد. اشتغلنا أنا وإخوتي في البحر، في صيد السمك. كانت مهنة ممتازة وممتعة، وكنا نستعين ببعض البحرية في عملنا”.
في اللاذقية، تزوّج الحاج محمد من سيدة سورية، وأنجب منها ست بنات وصبيين. جميع الأبناء تلقّوا التعليم، منهم من أنهى الجامعة، ومنهم من توقف عند الصف التاسع أو البكالوريا. وتوزع أبناؤه في الشتات بين سوريا، والرياض، والسويد، وألمانيا، وقبرص، والنرويج. ويقول بفخر: “عائلتي تمثل نموذج العائلة الفلسطينية التي عانت من التهجير والشتات، لكنها صمدت وتعلمت”.
وحين سُئل إن كان ما زال يتمسك بالعودة، أجاب دون تردد:
“طبعًا أحب العودة… أقول لزوجتي ممازحًا: إذا ما بدك ترجعي معي، خليكي هون. أنا لو بنص الليل بدي أرجع… بدي أرجع إلى مجد أبي وأجدادي. أخذوها بالقوة، وسنستردها بالقوة. لن تموت القضية… طالما البطن يولد، لا تموت القضية. وإذا مات البطن، لن تموت القضية. وسنعود إلى فلسطين”
