تم النشر بواسطة ابو بلال
·٥ س ·
من "ترشيحا" إلى مخيم حندرات كانت حكاية صمودٍ وصبرٍ لم تنتهِ بعد، حكاية الحاج الأستاذ أحمد حامد أبو حسان.
حلب – الثلاثاء 2025/10/21
#هوية – إعداد: أ. زياد غضبان
بعد صلاة العشاء من يوم الثلاثاء الحادي عشر من تشرين الأول، زار وفد "هوية" مصطحبًا العم أحمد أبو حسان، ابن أخ الحاج الأستاذ أحمد حامد أبو حسان المولود عام 1939، في منزله بحيّ التلفون الهوائي بمدينة حلب. استقبلنا الحاج وزوجته استقبالًا حارًّا يليق بمكانته كمربّي أجيال وكإحدى سنديانات ترشيحا. وبعد تقديم نبذة عن مشروع "هوية" وهدفه في توثيق الذاكرة الشفوية لكبار السن، بدأ الحاج أحمد حديثه بتعريفٍ بسيطٍ يحمل فخر فلسطين وكبرياءها، قائلًا:
"أنا أحمد حامد أبو حسان، مواليد ترشيحا 1939. كان والدي يعمل بالزراعة، يستيقظ صباحًا إلى الأرض ولا يعود إلى العشاء إلا وهو فرحٌ ومبسوط، لأنه يكدح لأجل عائلته."
وبعد تنهيدة واضحة وبصوت متأثر، استعاد ملامح القرية، بدءًا من ضريح القائد شيحا جمال الدين المدفون أعلى الجبل والذي أصبح مزارًا حتى اليوم، مرورًا بأزقتها وشوارعها المبلطة بالحجر، ومدارسها، والقرى المجاورة لها: من الجنوب ينوح وكسرى وجفّ وكفر سميع، ومن الشرق سحماتا والدير، ومن الغرب معليا، ومن الشمال الكابري والنهر وأم الفرج والزيب. وتحدّث بإعجاب عن بيوت القرية القديمة والحديثة، ومنها ما كان يشبه بيوت حلب، ومنها ما كان يقترب من الفيلات. كما وصف البركة المحاطة بأشجار السرو وينابيعها: نبع وادي القُرن ونبع وادي جعثون. واشتهرت ترشيحا بزراعة التبغ والزيت الصافي وصناعة الأحذية، وكان أهلها أصحاب ملكية منذ القدم.
عند سؤاله عن البنية التحتية في القرية، ذكر مدرسة ترشيحا بمحتوياتها ومستوياتها والتي أصبحت اليوم معلمًا ثقافيًا. وأكثر ما لفتَ انتباهه كان أستاذ الرياضة الصباحي عبد الله عودة، كما ذكر عددًا من الأساتذة الذين تركوا أثرًا كبيرًا في نفوس أهل القرية، مثل مصطفى عبد الباقي، محمد رضا، أديب حوراني، حنّا، ورشيد أبو حسان. وابتسم عندما تذكر أناشيد المدرسة التي طالما حفظها ورددها، ومنها نشيد "عليّا وعصام". كما تطرّق لذكر المساجد والكنائس في القرية، والتعايش الأصيل الذي جمعهم منذ القدم.
ثم تحدّث بفخر عن عائلات ترشيحا التي تعود أصولها إلى أربع حمائل: القبلاوية، الخيرات، الحمولة، والفلاحين، والتي تزاوجت فيما بينها حتى أصبحت شبكة ترشحوّاوية متماسكة محافظة على وحدة الدم. واسترسل في الحديث عن عادات القرية الجميلة، خاصة في الأعراس، من الدبكات الشعبية، إلى فزعة الأهالي لخدمة أهل العريس، والمساعدة والذبائح، ووصف صعود الخيل الأصيل حتى الوصول إلى منزل العريس. كما تحدّث عن الكبة التي بقيت جزءًا من ذاكرة عائلات ترشيحا، وتميزها بنكهتها الخاصة نتيجة مرعى الأغنام على أعشاب سفح تلة ترشيحا.
وخلال المقابلة، ظل الحاج أحمد يتقلّب بين الابتسام عند ذكر الماضي الجميل والتأثر العميق عند استعادة أيام الخروج القسري من منزله مع والديه وإخوته، ورحلة اللجوء التي حملت لهم الشقاء والعذاب. تحدّث عن قصف الطائرات، وهجرة القرى المجاورة، والسير ليلًا، وبكاء الكلب الذي رافقهم في هجرتهم، حتى وصلوا إلى الرميش في لبنان، ثم استقروا في مخيم حندرات بحلب.
ورغم مرارة اللجوء، لم يتوقف الحاج أحمد عن التعليم والدراسة. أتمّ الثانوية العامة والتحق بقسم العلوم في جامعة حلب، ثم تخرج وعمل في مدارس الأونروا لمدة 32 سنة، وكان من مؤسسي مدرسة ناصر الدين في مخيم حندرات، وقد خرّج أجيالًا ما زالت تكنّ له المحبة والاحترام.
وفي نهاية اللقاء، عندما سُئل عن وطنٍ بديل لترشيحا، تنهد قائلًا:
"نحن نرفض كل أساليب التوطين، ونرفض الناس المغرضين والوصوليين والانتهازيين. نحن إلنا وطن، ومنعلّم أولادنا وأولاد أولادنا وأحفادنا إن هاي الأرض يجب أن لا ننساها."
ورغم مرور ثمانية عقود على هجرة الأستاذ أحمد، ما زالت ترشيحا حاضرة في ذاكرته، تشكّل رمزًا ووصية خالدة من والدٍ لأبنائه، كي تبقى العودة حيّة في النفوس، وفاءً لدماء الشهداء وتضحيات الأجداد.
