الأستاذ خالد الخطيب مدرس اجتماعيات في مدرسة الصّخرة، فلسطيني المنشأ وبالتحديد من قرية الزيب المجاهدة التي أبت الاستسلام والضيم أمام الصهاينة الغاصبين الذين هجروا اهلها منها كباقي قرى ومدن فلسطين عام 1948م. من كثرة حبه لقريته ألف عنها كتيباً صغيرٌ في حجمه كبير في معلوماته. يحدثنا عبر موقع الرابطة عن هذه القرية وأصولها، فيقول .
القرية قبل الاغتصاب
كانت القرية تنهض على تل مقبب الشكل على ساحل البحر الأبيض المتوسط وإلى الشرق من الطريق العام الساحلي ومن خط سكة الحديد. وقد أنشئت في موقع القرية بلدة كنعانية اسمها أكثيب(المحتال) سقطت في يد الآشوريين سنة 701 ق.م. وتدل الحفريات الأثرية على أن البلدة كانت موجودة قبل ذلك التاريخ بزمن طويل أي في القرن الثامن عشر قبل الميلاد وأنها أصبحت بحلول القرن العشرين قبل الميلاد بلدة مسورة وكان الرومان يسمونها وأنها أصبحت بحلول القرن العشرين قبل الميلاد بلدة مسورة وكان الرومان يسمونها إكدبا، أما الصليبيون فكانوا يسمونها كاسال ( أي القلعة الصغيرة) أو أمبرت.
وأما الرحالة ابن جبير الذي زار المنطقة في 1182 - 1184 فيكتفي بالقول أنها قرية تقع بين عكا وصور وفيما بعد يصف الجغرافي ياقوت الحموي ( توفي سنة 1229 ) الزيب بأنها قرية كبيرة على الساحل قرب عكا. في سنة 1596 ، كانت القرية في ناحية عكا ( لواء صفد)، وكان عدد سكانها 875 نسمة. وكانت تدفع الضرائب على عدد من الغلال كالقمح والشعير والمحاصيل الصيفية والفاكهة والقطن، بالإضافة إلى عناصر أخرى من المستغلات كالماعز وخلايا النحل و الجواميس وكان القاضي والعلامة المسلم، أبو علي الزيبي من مواليدها في القرن الثامن عشر بعد الميلاد. وفي بداية القرين التاسع عشر، أشار الرحالة الإنكليزي بكنغهام إلى أنها بلدة صغيرة بنيت على تل قرب البحر، وفيها بضع شجرات نخيل ترتفع أكثر من منازلها .
وفي أواخر القرن التاسع عشر كانت قرية الزيب مبنية بالحجارة على شاطئ البحر. أما سكانها وعددهم نحو 400 نسمة من المسلمين، فكانوا يزرعون الزيتون والتين والتوت. وكان في القرية أيضاً مسجد صغير وفي منازلها متقاربة بعضها من بعض ومبنية بالحجارة والطين أو بالحجارة والأسمنت المسلح. وكان في القرية مدرسة ابتدائية أسسها العثمانية في سنة 1882 ومسجد ومستوصف. وكان السكان يحترفون صيدا الأسماك والزراعة ولاسيما زراعة أشجار الفاكهة. في 1944 1945, كان ما مجموعه 2972 دونماً مخصصاً للحمضيات والموز , 4425 دونماً للحبوب و 1989 دونماً مروياً أو مستخدماً للبساتين.وبين سنة 1927 وسنة 1945, كان المعدل السنوي لصيد الأسماك ينوف على 16 طناً. وكانت في القرية معصرتان تجرهما الحيوانات, ومعصرتان ميكانيكيتان. كما كان فيها موقع اثري يضم أسس أبنية, وأرضيات غرف وبركة وقبوراً منحوتة بالصخر. وكان حول الزيب فضلاً عن ذلك, ست خرب تقع ضمن دائرة شعاعها 4كلم تحيط بالقرية.
إحتلال القرية وتطهيرها عرقيا
في 13- 14 أيار مايو 1948 بدأ لواء كرملي التابع للهاغاناه اجتياحا للقسم الشمالي الغربي من فلسطين. وكانت الزيب إحدى القرى التي الرئيسية التي كانت مستهدفة في الهجوم المعروف بعملية بن عمي( أنظر الغابسية، فضاء عكا). وجاء في الرواية الواردة في كتاب ( تاريخ الهاغاناه) مايلي عن احتلالها: (وفر السكان....لدى ظهور القوات الإسرائيلية وقررت قيادة الهاغاناه الاحتفاظ بها. غير أن المؤرخ الإسرائيلي بني موريس يناقض هذه الرواية، إذا يقول إن الهاغاناه كان لها (حساب طويل مع القرية) ويبدوا أن هذا بسبب كونها مركزاً للمجاهدين. إن سكانها فروا في معظمهم خلال قصف مدفعي كان جزءا من الهجوم على القرية. ويؤكد سكان القرية هذه الرواية ويستعيدون الى الذاكرة معركة تميزت بعنصر المباغتة .
ولما قابل المؤرخ الفلسطيني نافذ نزال سكانها قالوا أنهم ظنوا خطأ في البدء أن القوات الصهيونية هي قوات عربية جاءت لنجدتهم، إذ كان أفرادها يعتمرون الكوفيات العربية البيض الملونة بالحمرة وإن هذه القوات تغلبت على مجاهدي القرية وعددهم نحو 35 أو 40 رجلاً. أما من لم ينجح من السكان في الفرار خلال المعركة، فقد نقلوا لاحقاً إلى قرية المزرعة التي أصبحت نقطة تجمع (لمن تبقى) من العرب في الجليل الغربي. وقد أمر قائد الحملة موشيه كرمل بتدمير القرية تدميراً كلياً، وذلك لـ(معاقبة) السكان، وللتأكد من أنهم (لن يتمكنوا أبدا من العودة إليها)
في كانون الأول ديسمبر 1948 زار دائرة الأراضي في الصندوق القومي اليهودي يوسف فايتس الزيب وأشار إلى أنها (قد سويت بالأرض), مضيفاً اشك الآن في أنه كان من المستحسن تدميرها، ولعلنا كنا ثأرنا ثاراً أعظم لو أننا أسكنا اليهود في منازل القرية.اليهود في منازل القرية.
القرية اليوم
لم يبق من القرية سوى مسجدها الذي رمم لأغراض سياحية، ومنزل مختارها حسين عطايا الذي أصبح الآن متحفاً. والمنزل كبير نسبياً ومبني بالحجارة. أما المسجد الحجري فله قبة وقنطرة مزخرفة كبيرة على واجهته الأمامية. وثمة ملحق جانبي يتكون من قنطرتين كبيرتين. وفي المتحف بعض شواهد القبور، على أحدها آية قرآنية وإسم المتوفى أحمد الموسى وتاريخ الوفاة 14 أيلول سبتمبر 1938 وقد يشاهد بعض المخلفات الأثرية بما في ذلك بقايا قناطر حجرية قرب المسجد. أما الموقع والأرض المجاورة فيستخدمان منتزهاً وموقعاً سياحياً.
المغتصبات الصهيونية على أرض القرية
أنشئ كيبوتس باسم بيت هعرفاه على أنقاض القرية في 27 كانون الثاني يناير 1949، ثم أعيدت تسميته لاحقاً كيبوتس غيشر هزيف . وقد تم توطين مهاجرين يهود من إنكلترا والولايات المتحدة وجنوب إفريقيا في غيشر هزيف ( 160271), الذي يقع على أراضي القرية قريباً من موقعها . كما أنشئت مستعمرة ساعر( 16026) إلى الجنوب من القرية في سنة 1948. وثمة مستعمرة أخرى قريبة،هي ليمان (161274)، تقع على أراض كانت تابعة لقرية البصة.