المختار يونس كُلاَّب من قرية بشيت، فيقول في شهادته التي وثقها مركز التاريخ الشفوي بالجامعة الإسلامية بغزة، والتي حصل "المركز الفلسطيني للإعلام" على نسخة منها: "قريتنا قرية ساحلية قضاء الرملة؛ يحدها من الشمال قرية يبنا، ومن الشرق قرية قطرة، ومن الجنوب قرية المسمية، ولها سور، ومن الغرب قرية سكرير، وكان يبلغ عدد سكانها حوالي 2000 مواطن، ومن أشهر عائلات القرية عائلات كُلاَّب، والحاج، وأبو هلال، إلى جانب عائلات صغيرة عديدة؛ حيث اعتمد اقتصاد القرية على زراعة الذرة والشعير والسمسم وأشجار الزيتون والكروم".
وأضاف: "لقد هاجم اليهود القرية ولكنهم لم يتمكنوا من إخراج الناس من الكروم التي استطاعوا دخولها، وكان هذا في شهر أيار (مايو)؛ حيث استشهد فيها عدد من أهل القرية وقتل آخرون من اليهود، ولم يستطيعوا إخراج الجثث، واستعانوا بالإنجليز؛ حيث إن الانتداب البريطاني كان لا يزال في فلسطين، ولم يستطيعوا إخراجهم إلا بواسطة المختار في سيارة الإنجليز وسلموهم لليهود، ومات من شبابنا 16 من خيرة الشباب، ومن بين من استشهد في المعركة الأولى محمد خالد كُلاَّب، وجابر النجار، وعبد الله عواد كُلاَّب، ومحمود حسين كُلاَّب، ومحمد المصري".
الإنجليز متآمرون
وأردف: "وبعد مدة كثف اليهود من محاولات السيطرة على القرية على الرغم من أنه لم يخرج من القرية أحد، وفي الفترة الأخيرة ألقى الاحتلال على القرية قنابل "هاون" و"مورتر"، وهي من الإنجليز، وبقي المقاتلون من منتصف الليل حتى اليوم الثاني عصرًا إلى أن انتهت الذخيرة وبلغونا وخرجنا إلى يبنا ونسفوا ما استطاعوا وأحرقوا دونمات الأراضي والبيوت".
وأكد الحاج كُلاَّب أن الاحتلال مثَّل بجثث شهداء القرية، وقال: "أما عن المعركة الثانية فسقط بها الكثير من الشهداء؛ منهم إسماعيل كُلاَّب، وعلي شاهين، ومحمد نمر حمدان، وعبد القادر أبو عبد، وأخوه ذُبح من قبلهم، وعلي أبو هلال، والحاج يوسف حماد، ثم مثلوا بجثث من قتلوهم".
تهجير إلى الجنوب
وأشار إلى أنه "عندما هاجر أهل بشيت خرج معهم -نتيجة الذعر الشديد- العديد من المواطنين"، وقال: "فذهبوا إلى يبنا ومكثوا فترة؛ حيث جند اليهود قوات كبيرة وهجموا على أسدود ودخلوا بين الناس، وكان القصد ليس قتل الناس، بل القضاء على الجيش المصري الذي وصل قبل مدة بسيطة وخرج الناس بوصوله، إلا أن الجيش المصري دافع دفاع الأبطال وضربوه بجميع أنواع الأسلحة، وفشلت خطة اليهود، وسمحوا للمناضلين بالخروج من بين الكروم ومزارع العنب، ولكن الناس خافوا من الموقف فخرجوا إلى المجدل وإلى غزة وإلى خان يونس، وعندما خرجنا إلى المجدل كانت الطائرات تهاجم المواقع بقصد تهجير الناس إلى الجنوب، وخرجنا من المجدل إلى غزة، وحضَّرنا المعركة البحرية، وأرسل اليهود التوربيدات ونسفوا الباخرة المقاتلة المصرية "فوزية" التي قسمت نصفين، وذهبنا إلى خان يونس وما زال اليهود يتابعون الضرب في خان يونس".
ويوثق الحاج كُلاَّب بالقول: "كنا لا نملك غطاءً لنا، إلى جانب هيئة "الكويكرز" (جمعية الأصدقاء البريطانية)؛ حيث وزعوا خيمًا في معسكرات، وكل قرية تسكن خيمة واحدة ويوزعون عليهم الطحين والبطاطين والأرز والزيت، ولكنها كانت ليست للعيش، بل مجرد إغاثة سريعة ليحافظوا على حياتهم، ثم جاءت هيئة الأمم".
وتابع: "في بداية الهجرة لم يكن لنا أي عمل نعمله، ولكن هيئة الأمم عملت على توزيع المواد التموينية بانتظام، وأوجدوا مرافق صحية، واستأجروا منازل في خان يونس لبناء المستوصفات للعلاج، أما عن مدارس الأطفال فكانت عبارة عن خيم كبيرة يجلس الأطفال فيها على الأرض والأساتذة على كرسي وطاولة ويعلمونهم".
شبكة عيون العرب