حصل على وثيقة ميلاده بعد 38 عاماً من النكبة
لاجئ فلسطيني جعل العدو الإسرائيلي يدين نفسه بنفسه عام 1986
عمر وهبه - بيروت
لطالما تمنى عبد الله عطوات أن يحصل على شهادة ميلاد حقيقة غير الإفادة التي كان يحملها من مختار لبناني بعد خروجه من فلسطين عام 1948. كانت والدته تقول له أنت أكبر بسنة من التاريخ المسجل في إفادة المختار وهو 1947.
صادف وجود السيد عبد الله (أبو هشام) في دولة الإمارات العربيةحيث كان يعمل في ثمانينات قرن الماضي مع قدوم ضيف من الضفة الغربية، وحين تعرف عليه أخبر صديقه أنه من قرية لوبية قضاء طبريا ومن مواليد كذا (1946).
فسأله الزميل: "هل عندك شهادة ميلاد"؟
قال: لا، عند خروجنا لم يكن معنا شهادة ميلاد.
رد عليه الزميل: "أنت تستطيع أن تحصل على شهادة ميلاد من الخارجية البريطانية، لأن عندها سجلات عن الميلاد والطابو وكل شيء في قسم المستعمرات - شؤون فلسطين، وهم يأتون بها من الكيان الاسرائيلي".
تعجب عطوات كثيراً وقرر أن يجرب ذلك، فذهب إلى القنصلية البريطانية في مدينة أبو ظبي وطلب من القنصل الحصول على شهادة ميلاد.
فسأله القنصل من أين؟
أجابه: من بريطانيا، لما ولدت كانت هي مستعمرة أرض فلسطين.
قال القنصل: هل عندك ما يثبت أنك كنت في فلسطين في هذه الفترة؟
أجاب أبو هشام :"عندي وصل ضريبة دفعه والدي للحكومة آنذاك عام "1945.
طلب القنصل منه أن يقدم طلباً رسمياً مرفقاً بصورة عن وصل الضريبة كي يرسلوه إلى الخارجية البريطانية في لندن، على أن تعاود القنصلية الاتصال به حالما يأتيهم الجواب.
كان ذلك في 23 تموز عام 1986، وفي 28 ديسمبر من تلك السنة اتصلت القنصلية بعطوات وقالوا له مرّرنا طلبك إلى "إسرائيل"، وعندما تأتينا شهادتك سنسلمك إياها، وما عليك سوى دفع الرسوم الاعتيادية للسفارة لأن طلبك أصبح ساري المفعول.
مرّت ثلاثة أشهرعلى ذلك التاريخ، وفي غمرة انشغال الحاج عبد الله في عمله، فجأة رن هاتفه، واذا بالمتصل يقول له "نحن السفارة البريطانية في الإمارات، احضرنا لك شهادة الميلاد وتعال لتستلمها".
لم يكد أبو هشام يصدق ما حدث، الحلم أصبح حقيقة، أخذ الشهادة المكتوبة بثلاث لغات (العربية، الإنكليزية، والعبرية) وحملها إلى بيته كأنها ثروة اقتلعها من عيون الأعداء.فهي ليست شهادة ميلاد فقط، بل هي شهادة حق بانتمائه لفلسطين وباعتراف العدّو الإسرائيلي نفسه. لكن عبارة "دولة إسرائيل" المختومة في صدر الصفحة نغّصت الفرحة على ابن قرية لوبية الذي لا يعترف بأي شرعية لـ"إسرائيل" في وجودها، فكيف إذا كان على حساب أرضه وممتلكاته ومقدّساته.
وحين قدم إلى لبنان في إجازة صيفية، أخبر اخوته بما حدث، فقالوا له نحن نريد أن نعرف تواريخ ميلادنا أيضاً، "لعلك تقوم بذلك بالنيابة عنّا وتقدم طلباً للقنصلية البريطانية عندما تعود إلى أبو ظبي". بالفعل، قدم أبو هشام طلباً رسمياً بذات الطريقة، وبعد مرور ثلاثة أشهر اتصلوا به من القنصلية معتذرين له عن عدم حصولهم على شهادات ميلاد لإخوته، قائلين إنّ "إسرائيل" توقفت عن إصدار شهادات ميلاد.
يشير عطوات إلى أن ذلك كان متوقعاً، لأن اصدار مثل هكذا وثائق إدانة إسرائيلية لكيانها.
عبد الله عطوات من قرية لوبية مواليد 1946، متزوج وله تسعة أبناء: (ثلاثة شباب وست صبايا)، وعنده 19 حفيداً وحفيدة. عمل في الهندسة الصحية، لكنه متقاعد حالياً بحكم السن. خرج مع والده من فلسطين في تموز منالعام 1948 ولجأ إلى بلدة الرميش في جنوب لبنان ومن ثم انتقل إلى بنت جبيل ومنها إلى عنجر إلى أن استقر في مخيم برج الشمالي في مدينة صور.
هذه الحادثة وإن مرّ عليها 25 عاماً، فإن زيارة وفد المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية (هوية) للحاج عبد الله عطوات أعادت نبش القضية، خاصة أنها لا تزال تثير تساؤلات عديدة، فهل كانت "إسرائيل" تحاول أن تجد امتداداً لشرعيتها المزعومة إلى ما قبل عام 1948، أي قبل قيام الكيان الصهيوني؟ وهل باستطاعة من حصل على شهادة ميلاد من "إسرائيل" تقديم طلب قانوني للمطالبة بالجنسية "الإسرائيلية" على غرار ما فعله الفلسطينيون في المناطق المحتلة عام 48؟ وبالتالي هل يعترف له الكيان الصهيوني بالعودة إلى موطنه الأصلي الذي اقتلع منه عام النكبة؟ تساؤلات نترك الإجابات عنها لذوي الاختصاص.