جديدنا: وثيقة - مركز الوثائق الفلسطيني
الحاجة لبيبة حسن خضر نتذكر فلسطيناليهود بطحوا ابني " محمد جميل " على الأرض ولا ندري ما حدث معه بعد ذلك خرجنا من القرية قبل وصول اليهود إليها من كثرة الإشاعات. ستة وخمسون عاما مرت على ضياع فلسطين وتحول قضية أهلها والمشردين إلى ملف غارق في غبار النسيان. وتحول حق العودة والتعويض إلى أحجية وحلم بعيد المنال. ومن كان عند نزوح أهله عن الأرض والدار والعتبات طفلا صار الآن كهلا، لم يعد لديه سوى القليل من الوقت والأماني وذاكرة مسننة يستند إليها، ويتحسس من خلالها فلسطينه التاريخية، فيما يده الراجفة تربت مطمئنة مفتاحا عتيقا، مخبئا في أعماق فؤاده الجريح. وتقول له فيما يشبه الهذيان المكابر"إحنا لا بد يوم نعود". هنا لقاء مع الحاجة لبيبه حسن خضر من قرية " بير ماعين " المحتلة العام 1948.- "بير ماعين" كيف تصفين لنا هذه القرية والتي ينسبها أبناؤها لنبي يدعى "معين" كما يقولون ؟ - مساحة البلد حوالي500 دونم، واغلب الأراضي بها مشاعا أما المفروز فقد كانت الأراضي التي فرزت بسيطة، وقد كان البيك وهو "إسماعيل بك الحسيني" يضع يده على جميع القرية، ولما أراد أن يسجل الأراضي قامت البلدة الصغيرة ضده احتجاجا، وقد تدخل الشيخ مصطفى الخيري رئيس بلدية الرملة، أما "حمايل" البلدة فهي أربع حمائل: خضر ومطير وحماد وشحادة، وقد كان هناك مختار واحد للقرية وهو علي عثمان من دار مطير لكن كل عائلة أو حمولة كان لها بالطبع كبيرها الذي يمثلها وأيضا لها مضافتها وقد كان يرفد هذه المضافة جميع أفراد الحمولة، وحينما يأتي ضيف أو عابر سبيل الى البلد فانه يدخل الى مضافة البلد أما إذا كان الضيف كبيرا ومهما فان أبناء القرية يلمون من جميع أهلها ليقوموا بالاشتراك في واجبات الضيافة له. ومسجد قريتنا هو بيت صغير له صومعة، وتكاثرت الأقاويل في قريتنا أن هذه الأرض للنبي"معين" ومن إحدى الأحاديث عن هذا الموضوع فقد كان البيك الحسيني يقال انه رأى أن النبي "معين" يخاطبه فاهتز وجدان الحسين، وأثرت الرؤيا به مما أدى إلى قيامه ببناء جامع كبير مع مئذنة وساحة كبيرة وقد بنى أيضا إلى جانب هذا المسجد مدرسة، وقد كان إمام المسجد شيخا من غزة لم اعد أتذكر اسمه، فهو شيخ متعصب حيث انه ينتقد أن يكون القبر داخل المسجد، أما المدرسة فكان بها أربعة صفوف يدرسهم أستاذ واحد، ودرست البنات في ذلك الوقت في المدارس حيث كان هناك بنتان تدرسان في هذه الصفوف ولم يكن المعلم من قريتنا بل أتى من بلدة تسمى " دير غسان " إضافة إلى الكتاتيب التي وجدت جنبا للمدرسة فقد درس العديد من الطلاب في الكتاب وذهبوا إلى بيوت شيوخهم لتلقي العلم آخذين البيض والأرغفة لهم وهذا هو العطاء الرمزي للشيخ في تلك الفترة، ونهاية الدرس في الكتاب فقد كان حفظ القران الكريم أي قراءته حاضرا، وتقام الاحتفالات في القرية لهذا الخريج، و إضافة للنبي معين هناك عدة مقامات في قريتنا أصلا وهذ المقامات هي مقام النبي معين وأخوته سارة ومناعة وصفيه وهذه مقامات بني عليها، أيضا هناك في القرية بئر اسمه بئر الطويل وبئرالسماق حيث لم يكن له غطاء رسمي فقد كان الشباب يذهبون إليه يسبحون به وهذه الآبار آبار كفرية إضافة لأن كل بيت له بئر، وكما ترى فإن هذه القرية صغيرة، ولا يوجد بها كباقي القرى الأخرى فقد كنا نتجه للعلاج إلى بيت نوبا حيث كان هناك مركز صحي وهذا المركز للأمراض البسيطة أما الأمراض الكبيرة فقد كانت وجهتهم إلى اللطرون عند باب الواد فقد كان هناك دير كبير ومكان عال وهو عبارة عن جبل بأكمله، للمعالجة، ولم يتقاضوا منا لقاء ذلك أما نساء القرية فلم يكن يذهبن للمشافي، فقد كانت تتولى عمليات ولادة النساء الداية "عزيه حسن" وهي جدتي وواجباتها في تلك الفترة، بعد الولادة تذهب أربعين يوما الى المرأة النفساء تدهن الطفل بالزيت وتكحله، وتدلك لوزتيه ويعطوها الناس ما قدرهم الله عليه، وإذا كان مرض الطفل شديدا وطبعا هذا بشكل عام ويبتعد عن اختصاص الداية واقصد هنا الكبار والصغار فإنهم يلجأون إلى الدواء بالكي أو يضعون لمريضهم علقة لتسحب له الدم، لم اعرف من هو الذي يعالج بهذه الطريقة في البلدة لأنني لم اذهب إليه، أما الحاج محمود عيسى فهو الحلاق في القرية وقد كان اختصاصه فقط أن يحلق للناس لان الحلاق في ذلك الوقت "يحجم" ويأخذ كاسات الهواء ويخلع الضرس فهو لم يكن إلا حلاقا فقط، أيضا هناك حلاقون يأتون من البرج إلينا فقد كان خالي الشيخ حسن الخطيب يأتي إلى بلدتنا ويحلق للناس وحينما ينضج البيدر يتقاضى أجره قمحا أو شعيرا. - القرية التي تركت ذكرياتها وغلالها خرجت دون قتال، ما الذي دعاكم لهذا الخروج ؟ - نحن لم ننتظر وصول اليهود إلينا، فقد كثرت الإشاعات في وقتها عن قدوم اليهود، فقد اجتيحت قبلنا عدة قرى منها عنابا والقباب وأبو شوشة كل هذه البلدات رحلت إلى بلدنا، واخذوا يروون لنا حكايات احتلالهم وكيف قتلهم اليهود وألقوا الجثث في البئر غير الانتهاكات التي تعرض البعض منهم لها، وهذا ما أسهم كثيرا بأن نخرج قبل وصولهم، خرجنا إلى احد الجبال التي قبالتنا وقد اتجهنا شرقا حيث لا يوجد احتلال للقرى , ومكثنا على الجبل وفي الليلة نفسها و كان احتلال البلد إذ بدأوا يطلقون النار ولم يكن هناك أية مقاومة لأنه لا يوجد سلاح في القرية، أليس كذلك" مشيرة لأخيها " الذي " قال- نصحتنا القوات العربية أن نخرج من القرية وقالوا إننا لا نستطيع أن نطلق أية رصاصة والأفضل أن تخرجوا من القرية كان لدينا أسلحة فردية كنا مسلحين في البلد مثل فهمي حسن إبراهيم فقد ذهب للبلدان المجاورة واشترى بندقية شريفية من عنابا وأيضا علي خريبة أيضا لديه بندقية ومجموع الأسلحة التي كانت لدينا عشرة بنادق وكنا أيضا نشتري العتاد على نفقتنا ومرات أخرى كنا نأخذ من عبد القادر الحسيني عتادا ترى عليه الصدأ من سيناء من بقايا معركة العلمين " أكملت الحاجة لبيبة : لأن بريطانيا التي كانت تحتلنا قبل الاحتلال الصهيوني، ساهمت في أن لا يكون السلاح بأيدينا ولو حتى طلقة فارغة، ولو وجدت لديك هذه الطلقة الفارغة، فانك سوف تحاكم وتسجن في السجون الإنجليزية والتي هي على أراضينا بعد أن رأينا الاحتلال نزلنا إلى " بيت سيرا " والذي يعرف أحدا هناك استضافه ومكث عنده أما البقية فإنهم قضوا الليل تحت أشجار الزيتون، لكننا كنا نسمع أن هناك من يتسلل إلى البلدة ليلا احدهم من دار خضر تسلل واستشهد هناك، فقد كان المتسللون يذهبون لإحضار حاجياتهم وبعض أرزاقهم التي خرجوا دونها، مكثنا أسبوعا في بيت سيرا لكن سرعان ما أردنا المغادرة إلى " بيت عور التحتا " ومن ثم إلى "بيت دقه" بجانب القبيبه حيث كنا نعالج مكثنا قرابة السنتين ثم عدنا إلى بيت عور التحتا .- ما هي الطريق الذي أوصلك هنا وكيف تنظرين للعودة الآن؟ - أنا التي أصرت الخروج إلى شرق الأردن لأنني كنت أود تعليم أولادي ويجب أن تكمل البنات تعليمها أيضا أتيت إلى النزهة، وبقينا هنا أنا لم اخرج كلاجئة من فلسطين، ولم اقطع الأمل من العودة إلى الوطن، كان المرحوم زوجي لا يريد شراء قطعة ارض ولو مثل هذه الطاولة التي أمامك لأنه بكل بساطة يريد أن يعود إلى بلده، لكن حينما سقطت أراضي 67 أدركت أننا لن نعود.
المصدر: الغد، الاردن