القيسية أو القيسيون - شعب عظيم من مضر،
ينتسب إلى قيس بن عيلان واسمه قيس بن إيناس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
وينحدر القيسيون من نفس الشجرة التي ينتسب إليها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر (قريش) بن مالك بن النظر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان أول من سن الحداء للإبل في العرب وكان من أحسن الناس صوتا. والمعنى اللغوي لكلمة قيس: تبختر، شدة، قوة، من عشاق العرب. وقد أجمع النسبيون أن بني ربيعة وبني مضر صفوة العدنانية من صريحي ولد إسماعيل ابن الخليل إبراهيم عليه وعلى أبينا إسماعيل السلام، وقد انقسمت مضر إلى جذمين قبل الإسلام بعدة قرون وهما: أ - خندف: وسموا أبناء خندف (بأمهم) وهي ليلى بنت حلوان بن عمران بن الحافي بن قضاعة وكانت تتخندف في مشيتها فسميت كذلك، ومعنى تخندف الرجل أي يقلب رجليه كأنه يغرف الرمل. ب- قـيس: وكان مشهورا بقيس عيلان، وقيل أن عيلان فرسه. وحسب ما ورد في موسوعة القبائل العربية للباحث محمد سلمان الطيب فإن ديار قيس عيلان كانت حيز الحرم إلى ما دون السراوات وما والاها من البلاد، ثم امتدت ديارهم بقرب شرق الفرات نحو حران والرقة وسروج، وكانت ديارهم بالجزيرة بين دجلة والفرات مجاورة للشام، وأشهر مدنهم في شرقي الفرات الرافقة. وكانت لهم رياسة الحرم بمكة المكرمة. قيس عيلان فيه العدد في مضر بل وسائر العدنانية في صدر الإسلام. يطلق العرب على العدنانيين قيس، أي قيسي: بفتح القاف وسكون الياء وكسر السين، وعلى القحطانيين يماني أي من اليمن، وهكذا غلب اسم القيسية على سائر العدنانية في فترة زمنية من الدهر حتى قيل العرب قيسية. ويذكر أنه دخل صعصعة بن ناجية المجاشعي من بني تميم على النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهو جد الفرزدق الشاعر فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم): ما علمك بمضر؟ قال صعصعة: أنا أعلم الناس بها. تميم هامتها وكاهلها السديد الذي يوثق به ويحمل عليه؛ كنانة وجهها الذي فيه السمع والبصر؛ قيس: فرسانها ونجومها؛ أسد: لسانها.
ومن أشهر القبائل القيسية: - سليم، هوازن،
مازن، غطفان، عدوان، أعصر،محارب، وفهم. وقد تفرقت معظم بطون هذه القبائل في الأمصار والأقطار العربية. وقال صاحب ذات الفروع مفتخرا بالقيسية : لعمري لقد أبقـى لقيس شمـائل يقوم بهـا بيت الفخـار المطنب هم القـوم نبعة الـجـود مـنهم
وغيرهـمـو فيـنـا سلام وخلب وقـد ملأت ما بين برقـة عـنوة إلى الشحر من قيس ألوف مكتب وهم ماهمو في كل يوم كريـهة إذا جـن نـبع بـالمنـايا تـغلب وفيهم رباط الأعوجيات القنــا وأسيـافهم فيها القضـاء المجرب وقال فيهم الشاعر المتنبي شعرا أعطى فيه وجه الشجاعة والبطش قائلا في عجز ذلك البيت: "كسيف القيسي على اليمني" وقد سئل الحارث عما يحمد من أخلاقهم فأجاب: أنفس سخية، وقلوب جرية، لغة فصيحة وأنساب صحيحة، وأحساب شريفة لا يرام عزمهم ولا يذل كرمهم، يمرق من أفواههم الكلام أعذب من الربيع.
انتقلت أحد بطون القيسية الرئيسية إلى أرض الشام حيث تغلغل نفوذها وكبر مقامها حتى صار الخليفة معاوية ابن أبي سفيان لا ينظر في أمر جلل إلا بعد أخذ رأي كبير القيسية. وعندما وقع تجهيز الجيش الإسلامي لغزو بلاد المغرب والأندلس على يد القائد العظيم موسى ابن نصير ومولاه القائد المظفر طارق ابن زياد الذي حقق انتصارات عديدة، تولى عدد من القيسية قيادة كتائب الجيش الإسلامي إبتداءا من الفتح الأول إلى عهد الدولة الأموية بالمغرب العربي التي أنشأها القائد المغوار عبد الرحمن الداخل الملقب بصقر قريش. عند الفتح الأول سار موسى ابن نصير باتجاه الغرب الأندلسي وطارق ابن زياد باتجاه الشمال وطوقا العدو بما يشبه الكماشة وفق خطط حربية محكمة التنفيذ، حتى كلل هذا الزحف المقدس للقائدين الكبيرين بالتقائهما عند نهر "التاجو" قرب "طليطلة"، ومنها انطلقا ليواصلا فتوحاتهما حتى بلغا حدود فرنسا الجنوبية.
وبعد رضوخ بلاد الأندلس وصل القيسيون إلى الحكم فأصبحوا من أمراء البلاد نذكر منهم في عهد الولاة الوالي التاسع حذيفة بن الأحوص القيسي الذي تولى الحكم في عام 110 هجري الموافق ل728 ميلادي ولكن لم يدم حكمه إلا ستة أشهر ومنهم الوالي الخامس عشر وهو عقبة بن الحجاج السلولي القيسي الذي تولى بلاد الأندلس في شهر شوال 116 هجري الموافق ل734 ميلادي ودامت ولايته 5 سنوات ويذكر أنه لما خيره والي مصر وإفريقية بين ولاية إفريقية وبين الأندلس إختار عقبة الأندلس. وقال إني أحب الجهاد وهي موضع جهاد، فولاه ودخل الأندلس وافتتح حتى بلغ "أربونة" ودخل "جيليقية" "بنبلونة" وكان محمود السيرة مثابرا على الجهاد وما ترك جيبا إلا فتحه ما عدى "الصخرة" وذكر عن درجة حبه للدعوة الإسلامية أنه كان إذا أسر الأسير لم يقتله حتى يعرض عليه الإسلام، فأسلم على يده ألفا رجل، وفي الحديث النبوي الشريف:" لأن يهدي بك الله رجلا واحدا خير من أن يكون لك حمر النعم"( رواه البخاري) فكيف بثواب الألفين عند الله سبحانه وتعالى.
ولد موسى ابن نصير في الشام في عام 19 للهجرة في خلافة عمر ابن الخطاب رضي الله عنه وعاش مع أولاد الخلفاء، شارك بعد أن تعلم فنون القتال واستخدم السلاح في فتح" قبرص" وكان أحد قادة الأسطول الإسلامي، وعندما حصل الصراع بين الأمويين أنفسهم، وبينهم وبين ابن الزبير بعد موت معاوية رضي الله عنه بايع الناس في أقطار الإسلام ابن الزبير، وكذلك الشام، فلم يرى حرج في مبايعة ابن الزبير مع الضحاك بن قيس الفهري، وزفر بن الحارث القيسي، وكذلك النعمان بن بشير الأنصاري، وكلهم كانوا من أمراء الأمويين سابقا. وقد بدأ عهد الولاة بالوالي الأول عبد العزيز بن موسى بن نصير وانتهى بالوالي الأخير يوسف بن عبد الرحمن بن عقبة بن نافع الفهري وجده فاتح شمال إفريقيا وباني مدينة القيروان.
سقط القيسيون بسقوط غرناطة آخر معقل من معاقل الأندلس فمات منهم عدد كبير وهاجر منهم عدد آخر إلى بلاد المغرب العربي بمراكش وتونس وبلاد المشرق بمصر والعراق والأردن ولبنان وفلسطين ومنهم من رجع إلى بلاد الشام. وقد هال الشاعر الفحل أبو البقاء الرندي الأندلسي ما أصاب الأندلس من نهاية مؤلمة، فانسكب شعره على ضفاف الأسى ليجري في نهر الأحزان العظيم، بعد أن أضحت ديار المسلمين عامرة بالكفر، وقد تحولت المساجد إلى كنائس، وإذا ولاة الأمس عبيد اليوم، حيارى يتسربلون في ألوان الذل.
وقد جادت قريحة الشاعر أبو البقاء الرندي الأندلسي بالقصيدة الشهيرة: لكل شيء إذا مـا تـم نقصـان فـلا يغر بطيـب العيش إنسـان هي الأمور كما شاهدتها دول من سـره زمن سـاءته أزمـان وهـذه الـدار لا تبقـي على أحـد ولا يدوم على حـال لها شــان أين الملوك ذوو التيجان من يمن وأين منهم أكـاليل وتيـجـان؟ وقد وفد على البلاد التونسية في عهد عثمان باي في ما بين سنة 1814 إلى 1821 ميلادي عدد كبير من المهاجرين القادمين من الأندلس، من علماء وتجار وفلاحين وحرفيين،منهم القيسية. استقر عدد منهم بالحاضرة في أحياء خاصة بهم اختاروا أن تكون حصينة في علو أرضها مثل القيسية الذين سكنوا في مكان يسمى الآن: "نهج الجبح" وهو يقع بهضبة عالية تشعرهم بالأمان بعد المعانات من أعداء الإسلام الأسبان. في ذلك المكان الآمن يمتلك القيسية إلى حد قريب سبعة بيوت من أكبر وأفخم ما يوجد في ذلك الوقت من بيوت عربية، بها ساحات كبيرة مفروشة بالرخام وعليها نقوش من الجبس تسمى: "بالنقش حديدة "وهي أحد الفنون المعمارية التي جلبها الأندلسيون إلى تونس علاوة على صناعة الحرير. ساهم الأندلسيون في إحياء الأراضي والنهوض بالزراعة والماشية والخيل.
وفي هذا المجال عرف القيسية بالثراء، إذ كانوا يسيطرون على سوق الخـيل التي كانت بمثابة سوق السيارات الآن. وفي باب الهندسة المعمـارية بنوا معـالم ما زالت قائمة الذات إلـى الآن مثل جامع يوسف داي ودار عثمان وجامع تستور وجامع سليمان. ويعد عثمان باي أكبر متحمس لوفود الأندلسيون، الذين دخلوا في عهده ورحب بهم وبذلك أحسن التصرف لما حصل للطرف التونسي من تقدم وازدهار. وسكن بعض القيسيون مدينة زغوان الغنية بالتراث الأندلسي حيث يوجد إلى الآن نهج " للا القيسية" ما يعني باللهجة العامة: "سيدتنا القيسية" وذلك إشادة بعلمها وورعها. وسكن بعضهم بمدينة تستور ذات المعالم الأندلسية ثم انتقلوا ليجمعوا الشمل بالحاضرة حيث غلب عليهم التحضر بحكم وصولهم إلى درجة الإمارة في أوج الحضارة الإسلامية.
عرف من القيسية رواة الحديث الشريف وعلماء الدين وأدباء عظماء من ضمنهم أبو الخصيب القيسي، وقد ذكر ابن حبان أنه كان يروي الحديث لأهل البصرة عن الصحابي الجليل ابن عمر. وكان أبو سعيد سليمان ابن المغيرة القيسي من الرواة الثقاة الذين نقلوا عن سيدنا الحسن ابن علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه. ويعد أبو محمد روح بن عبادة بن العلاء بن حسان بن عمرو بن مرشد القيسي من مصنفي الحديث، وقد سمع عبد الله بن عون، وعمران بن حدير، وابن جريج، والأوزاعي والإمام مالك بن أنس وروى عنه الإمام أحمد بن حنبل، وأبوخيثمة، وبندار بن بشار، وكان من أهل البصرة وقدم بغداد، وحدث بها مدة طويلة، ثم انصرف إلى البصرة، فمات بها، وكان كثير الحديث في السنن، والأحكام، وجمع التفسير، وقال فيه علي ابن المديني: نظرت لروح بن عبادة القيسي في أكثر من مائة ألف حديث كتبت منها عشرة آلاف. مات سنة خمس، وقيل سنة سبع ومائتين. ومن التابعين المعروفين رياح بن عمرو القيسي وأبو خالد هدبة بن خالد القيسي، من أهل البصرة، الذي روى عنه البخاري ومسلم، في جماعة آخرهم أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي.
وقد قام العلامة القيسي الشريشي بشرح مقامات الحريري. ومن أعظم شعراء العصر الأندلسي يذكر: الحداد القيسي الذي ساهم في النهضة الأدبية الأندلسية مع نظرائه أبو إسحاق الألبيري وأبو البقاء الرندي وابن زيدون والحصري القيرواني وابن دراج القسطلي الذي هاجر عدد من ذويه إلى تونس في نفس الحقبة التاريخية التي هاجر خلالها القيسيون، وغيرهم ...عرف القيسية عن بكرة أبيهم بطلاقة اللسان ورباطة الجأش وحدة السنان، وفي هذا المقام أجبر القائد المغوار زهير القيسي قوات الفرس على التقهقر إلى ما وراء الحدود الحالية بين العراق وإيران. من القيسية فرقة من بنـي خـالد تقطن إلى حد الآن في أحد أقضية محافظة حلب بسوريا. ومن القيسية فرع من عشيرة الرفاعيين وهم من أبناء محمد بن شاهين بن سلامة بن علي بن محمد بن عطية الشهير بالقناص الذي يرجع نسبه للأشراف الأدارسة الحسينيين من بني هاشم، من قريش من مضر العدنانية وقد أقاموا بمصر. ومن القيسية عشائر أردنية تقيم في منطقة وادي السير والكرك منها عشيرة البراهمه - بني خطار وبني السالم و بلوطه - المنتمين لقبيلة بني حسن من النسب الشريف بالحجاز وعشيرة صندوقة وابوالسندس وابوالعسل وابوداري والعقيلي الذين يرجعوا إلى أجدادهم الذين سكنوا في الخليل بفلسطين وقطن أحد فروع القيسية العلوية الحضارم باليمن التي كانوا في زمن من الأزمان أعتى المنافسين لأهلها. قاوم الحاج محمد القيسي الأسبان بتونس، وكان يعرف بقوته وحذقه لرياضة المصارعة الحرة التي كانت تعرف آنذاك "بالقراش". وكان الباي في ذلك الزمان ينتصب وحاشيته في بطحاء تسمى برحبة الغنم ليشاهد مقابلات المصارعة وقد سميت تلك البطحاء فيما بعد بساحة معقل الزعيم نسبة إلى الزعيم التونسي ومؤسس الجمهورية التونسية الرئيس
الحبيب بورقيبة الذي وقع اعتقاله من قبل الاستعمار الفرنسي ببيته الذي كان يطل على تلك الساحة.
يحكى أنه في أحد الأيام استقدم البـاي مصارع عظيم الجثة من تركيـا ليقهر الحـاج محمد القيسي الذي لم يقدر عليه مصارعو ذلك الزمان، وكان الحاج محمد القيسي قصير القامة عريض الكتفين شديد الساعد، يتميز بالشجاعة والقوة. وعندما تقابل مع المصارع الملقب ببابا تركي تغلب عليه بعد صراع عنيف فانزعج الباي وخاطب المصارع التركي بعصبية وتهكم قائلا: "أنت لا تستحق استقدامنا لك ليفوز عليك هذا القيسي" ونطقها بلهجة البدو مضيفا نقطة فوق نقطتي القاف ومن وقتها دلج لقب العائلة بتونس على ذلك النحو.
وبالجملة فقد حصل للقطر التونسي من هجرة الأندلسيين إليه ثروة واسعة وعمران دافق حسب كتاب خلاصة تاريخ تونس لحسن حسني عبد الوهاب وكتاب فصول في التاريخ والحضارة لحمادي الساحلي. ومن أشهر العائلات الأندلسية المستقرة في مدينة تونس عائلات بن عاشور والوزير والقسطلي والقيسي والعروسي والأخوة والمالقي. وقد ترجم ابن أبي ضياف لعدد كبير من أفراد هذه العائلات وغفل عن البعض منهم.