عدنان الحاج موسى - الرشيدية
أسعد محمود يعقوب من سحماتا، من مواليد 17/6/1951 في بعلبك ثكنة غورو. يروي ما عرف عن فلسطين وقرية سحماتا من خلال مجالسته لوالده ولكبار السن الذي خرجوا الى لبنان.
«سحماتا حسب ما وصفها لي الوالد، تقسم إلى حارتين، حارة شرقية وحارة غربية، بلدنا حالياً مدمرة كلياً وفيها حائط للكنيسة واقف. فيها مسيحيين ومسلمين، وفيها عائلات كثيرة، مثل بيت يعقوب، بيت قدورة، بيت حمادة، حمودي، بلشة، خشان، موسى، محمد، حسين، سمعان (مسيحيين)».
«والدي كان فلاح، وجدي أسعد مسافر الى أمريكا، حيث عمل هناك وصار معه نقود، وعاد وبدأ بشراء أراضي في سحماتا، إشترى حوالي 600 دونم أرض، أذكر أسماءها، عين برزة، خل قوصان، أرض بوادي الحبيس، الزعترة، الدبشة».
«كان في مسجد بالقرية وكان فيها كنيسة وقلعة تاريخية. اشتهرت سحماتا بالزيتون وزراعة الدخان، وزراعة الخضار كالبندورة والخيار، وقمح وشعير، بيادر أبو يعقوب (جدي) كانت كل الناس تأتي إليها من أجل القمح.
كان في أخر فترة مدرسة وكان الأستاذ إسمه صالح النحوي يعلم الناس».
«بالنسبة للتعلم، من كان يريد أن يتعلم كان يذهب إلى عكا، أبي كان يكتب بخط جميل جداً. تعلم بالصف الرابع كانوا يدرسوهم قرآن».
«كانوا يقولون أن البيوت قديمة من حجار الطين، ولكن لأن جدي سافر الى أمريكا عمّر حجر صف وقناطر، كان البيوت من تبن وحجار. كانت بلدنا تعتبر بيت واحد يجتمعوا فيها الشباب على العتابا والميجنا. أبي خرج شاباً من فلسطين، كانت عيشتهم كلها أغناي وحفلات».
«كان في أكثر من معصرة بالقرية، وفي طاحونة لطحن القمح. وبالقرية كلها كان لحام واحد فقط. كان عنا مطّهر وداية إسمها فاطمة، وكان عبد الرحمن الشيخ مطّهر وكان في مجّبر عربي».
وبحسب رواية أهل البلد الكبار، قالوا أن «وسيلة المواصلات كانت عبر الدواب، لم يكن يوجد سيارات بكثرة مثل اليوم، كانت سيارة واحدة تمّر ببلدنا كل كم يوم مرة، فكان الذي يريد، الطبابة والعلاج يذهب في عكا كان يذهب عالدواب».
في ثورة 1936 والدي لم يكن واعي فهو كان من مواليد العام نفسه. أما بالنسبة للنكبة، كانت بالأول الحياة أمنة، ولكن عندما جاء اليهود فرض على الشعب الفلسطيني مقاومة اليهود، لم يكن هناك سلاح فمنهم من باع فدان أو بقرة لشراء بارودة يحارب بها اليهود. فصار هناك مجموعتين أو ثلاثة لحمل السلاح.
«وأكبر حادثة أذكرها ذكرها لي أبي، إنّهم ذهبوا في إحدى المرات إلى جدين وقتلوا ضابط يهودي، وحملوه من جدين لسحماتا، وحرقوه ورموه ببئر، وعندما جاء اليهود الى بلدنا، بعد ما وصل الخبر اليه من خلال الفسادين أن هناك ضابط محروق ومرمي بالبئر، فنادوا للشاب أحمد طالب مُرة أعطوه 10 قروش فلسطيني وربطوه بحبل وأنزلوه ليحضر الجثة، وبعد ذلك نقم اليهود على أهل سحماتا، فما إن يجدوا شخص من سحماتا الا وعرضوه اما للقتل او التعذيب.
ويحكي والدي أيضاً أنه في إحدى المرّات جاء تاجر فحم الى سحماتا وفسد عليه (والدي) أنه من سحماتا فأخذوا والدي إلى بعلبك، واستمروا يحققون معه، أنت من أين؟ يقول من البقاع فظل ينكر أنه من سحماتا حتى أفرجوا عنه.
وعندما أراد أن يترك سحماتا، أحضر دابة ليحمّل الفراش عليها، وعندما مشى سائرا الى لبنان كان هو يشّد بالدابة لتحت، وهي تريد الرجوع إلى سحماتا.
عندما خرج من فلسطين جاء على بعلبك مباشرة لأن أمي ذهبت على بنت جبيل، وبعدها نقلوهم على بعلبك.
الحياة ببعلبك كانت صعبة، الرجل يستيقظ من الصباح حتى المغرب وهو بالشغل، ويعطوه ليرة وربع فقط، والمرأة تستيقظ من الصباح حتى أذان المغرب حتى تحصل على 75 قرش..
كنا نعيش في بيوت (قاووش كبير) ومقسم بحرامات، كل عائلة لها 3 متر مربع. الثلج كان يكسو الارض ويصل علوه الى 60-70 سم بالشتاء.
والدي كان يبيع خرضوات وزيت في بعلبك بصندوق صغير.سنة 1964 نُقلنا إلى مخيم الرشيدية، والمخيم كان مقسم لعدة خطوط، وبين كل بيت وبيت 12 متر مساحة كان في حمامات ماء وسبيل ماء مشتركة. والبيوت كلها متشابهة، كان من يريد الذهاب إلى الحمام ليلاً يتيه في العودة إلى بيته من كثرة تشابه البيوت، مثل مستعمرات اليهود حالياً.
كان في بعلبك مدرستين (غورو) و(جدّين)، كان مدير مدرسة (غورو) نايف معروف، ومدير مدرسة جدّين الأستاذ يوسف الشعبي. وفي الرشيدية أيضاً كان هناك مدرستان.
وكان في بعلبك عيادة، والمؤن التي كانت تعطى للعائلات تزيد عن حاجاتهم أحياناً، مثل الطحين والعدس والحمص والفول والتمر، سردين مجفف ولحمة مجففة.
أنا أقول أخيراً بعد كل ما جار علينا، «لو يملكوني العالم كلّه يطوبوه لي، لا بديل عن سحماتا نهائياً، لأنها بلدي، أشعر فيها بكرامتي وشرفي هناك، لن أخذ تعويض، عن ماذا يعوضوني عن بهدلتنا من 48 لليوم؟؟!!
وبلدنا هي كرامتنا».