هي واحدة من 32 قرية تابعه لأراضي الروحة شمال فلسطين، والتي هجّرت ودمّرت عام 1948. اسمها مشتق من اسم نبات بري اشتهر كثيرا في قرى فلسطين وفي المطبخ القروي. عن قريته خُبّيزة وحكايتها حدثنا فيصل مسعود سليط (مواليد 1940) الذي هجّر قسراً هو وعائلته ويسكن اليوم في مدينة أم الفحم.
“انا من مواليد قرية خُبّيزة سنه 1940. يعني لما تهجرنا منها كان عمري 7 سنوات. عشنا بخبيزة أنا وأبوي وأمي وثلاث أخوه وثلاث أخوات. بلدنا كانت بمنطقة اسمها بلاد الروحه وفيها كان كتير قرى، قسم منها تهجّر وقسم بقي. ببلدنا سكنت عدّة عائلات منهم أبناء سليط واللي همّ عباس وخليل وصالح ومصطفى ومنصور. سكنوا فيها كمان أبناء البكاوي، ابراهيم، خليل وعلي البكاوي، سكنوا فيها كمان ناس من يعبد، منهم فارس النجار وسكن فيها عائلة خليل الحبيطي من ام الفحم وحسين البطيخ من باقة الشرقية. عمّي، عبد القادر الحاج حسن كان هو آخر مختار للبلد قبل ما تهجرنا”.
“مساحه بيوت القرية كانت حوالي 11 ل 12 دونم. أما مساحة أراضيها فكانت ما يقارب ال 5 ألاف دونم. عدد البيوت فيها كان بين 40-45 بيت. معظمها مبني من حجر وطين. أما عدد سكان القرية فكان حوالي 300-350 نفر. كان فيها من العيون، بير محمد هذا كنا نستعمله للطرش، المي تبعته كانت تنزل على النزّازات (اسم منطقة قريبه من أم الشوف) وعلى العين الغربية، هاي العين كانوا يزرعوا عليها بساتين. كان عنا كمان بير ابو حجوات قريب من الكيبوتس، هذا كان للشرب. كان بالبلد كتير ينابيع، يعني عنا عين العسل، والوادي الشمالي وعين العرايس وعنا عين الفحرور. كان في ما يقارب 10 او 11 عين. منطقة الروحه كانت غنيّه بالمي”.
“البلد كانت مليانه شجر زيتون وكان عنا شجر رمان وتين ولوز. مساحه كبيرة من أراضي بلدنا كانت مخصصه للحبوب مثل الحمص، الشعير، القمح والذرة. النسوان كانت تروح تغمّر القمح لما يحصدوه، ويحلبوا البقر ويعملوا أجبان ويعملوا كل شغل الدار والرجال عليهم الحراث والدراس والحصيده وكل شي تاني. يعني أهل البلد كانت عايشه من الزراعة والمواشي وما كان في بيع وشراء، الناس كانت لبعضها اللي معتاز يوخد من جاره. أبوي وأعمامي كان عندهم حوالي 100 راس غنم و 7 أو 8 روس خيل. كان عنا حوالي 20 - 30 راس بقر وكانوا يملكوا أربع بيوت وغرفة بنيناها جديد من باطون. يعني وضعنا، وضع مسعود ابراهيم وإخوته كان فوق الريح. هاي المواشي ضلت عنا لحد ما تهجرنا وقعدنا بكفيرت (قرية فلسطينية تقع غربي جنين بالقرب من يعبد، ما زالت قائمه حتى يومنا هذا). لما طلعنا لهناك ما كان في محل للبقر والغنم، ساعتها أخذ أبوي وأخوته الطرش وباعوه بطول كرم”.
“قبل النكبة أشترى أبوي وأعمامي تراكتور جنزير لحراثة الأرض وماطور ميّ. بهاي الفترة كانت الناس عم تتقدم. وكان يعطيه للناس بالإيجار وبغير الإيجار. كان جنبنا كيبوتس لليهود اسمه جلعاد، هذا الكيبوتس موجود من سنه ال-45 وبسنوات ال 70 تغيّر اسمه لإبن يتسحاك. كانت علاقتنا معهم كتير قريبه ونحكي معهم بس عربي. وكانوا كثير مرات يطلبوا التراكتور والماطور من أبوي وبعد ما ينهوا عملهم يرجعوه. لما طلعنا من البلد قالوا لنا أعطونا الماطور وبس ترجعوا بتوخدوه. أعطيناهم الماطور وقلنا لهم التراكتور موجود بكفر قرع بتقدروا تجيبوه وتخلّوه عندكم. كانت علاقتنا معهم كتير قوية ولما طلعنا قالو لنا خليكم، إحنا منحميكم. بس احنا طلعنا من خوفنا على النساء والبنات والعرض وخصوصاً بعد اللي صار بدير ياسين”.
“بالبلد ما كان مدرسة، بس بال 47 فتحوا مدرسة مشتركه بقرية أم الشوف واللي تعلم فيها أولاد من قريتنا ومن أم الشوف. بذكر جابوا معلم يمكن من اجزم أو عين غزال. بس بعد كام شهر صارت الحرب وسكرت المدرسة. بالمدرسة تعلمنا حوالي عشرين ولد. يعني مثلا أنا وأولاد عمي وأولاد خالي تعلمنا فيها. كنا بس أولاد لأنه البنات كان عيب تتعلم. كنا نكتب على تنكة الكاز، نقسمها أربع شقف ونعمل منها لوح ونكتب عليها القران. قبل ما فتحوا هاي المدرسة كان الأولاد يتعلموا عند المشايخ في البلد”.
“القرى اللي كانت حوالينا هم: من جهة القبل، قرى قنّير وعارة وعرعرة وكفر قرع، ومن الغرب، أم الشوف، صبّارين والسنديانه، من الشمال دالية الروحه، الريحانية، أم الزينات ودالية الكرمل وخربة الكلبة (يعود الاسم على الأرجح الى قبيلة بني كلب البدوية التي سكنت المنطقة). من الشرق كان البطيمات ومعاويه والكفرين. معظم القرى تهجّرت. بمنطقة الروحه تهجّرت 32 قرية و 20 قرية بقيت. يعني مثلاً أهل قرية خُبّيزة، قسم منهم بالضفة الغربية، بيعبد وبقفين وبالنزلة الشرقية، قسم بطولكرم ورام الله وقسم بمخيم جنين ومخيم الفارعة، قسم تهجّر على سوريا وعلى اربد وعمان والكرَيّمة والأغوار والرصَيفة والزرقاء. وقسم بالمانيا الغربية. يعني أهل خُبّيزة مشردين بكل البلاد. اليوم العلاقة بينهم قليله وأقوى اشي العلاقة مع الضفة لأنهم قراب علينا”.
إحتلال القرية:
“كانت القرية، على الأرجح، ضحية غارة مبكرة شنتها الهجاناه في الأسابيع القليلة الأولى من الحرب. غير أن القرية بقيت عدة اشهر من دون أن تُحتل. ففي اثر المعركة التي دارت بشأن كيبوتس مشمار هعيمك باشرت الهجاناه في أواسط نيسان بقصف القرى المجاورة وفي الأسابيع اللاحقة استغلت عصابة الأرغون هذه المكاسب وهاجمت القرى الأخرى في المنطقة ومن ضمنها قرية خُبّيزة التي سقطت بين 12 و 14 مايو”.
“قبل ما سقطت البلد طلعوا مندوبين من قرى الروحة حتى يجيبوا سلاح من سوريا”، حدثنا فيصل سليط. من خُبّيزة طلع أبوي مسعود إبراهيم، من الكفرين طلع شاكر الأسعد الغول، ومن أم الشوف كامل الحاج محمود صباح، وطلعوا من السنديانه وصبارين، وعاره وعرعره وكفرقرع وأم الزينات وطيرة حيفا وغيرهم. من كل بلد طلع واحد وقعدوا حوالي 3 اشهر راحوا فهيم على سوريا ولبنان والعراق ومصر. كان في واحد اسمه محمود الماضي من الهيئة العربية العليا من اجزم، كان ساكن بسوريا وعن طريقه جابوا سلاح من سوريا. السلاح اللي جابوه كان نوعه طلياني، وكان عبارة عن بارود وفشك. هذا محمود عزم الرجال عنده وعملهم عشاء وقالهم “وداعا يا فلسطين”. قالوا له ليش هيك بتحكي؟، قالهم لأنه في مؤامرة كبيرة واحسنلكم تقعدوا وتتفقوا مع اليهود وما تطلعوا من البلد. بعد ما رجعوا الرجال عملوا اجتماع بطيرة حيفا بس ما اتفقوا وقالوا كل بلد تقرر مصيرها لحالها. ببلدنا اجتمع أهل خُبّيزة بس ما اتفقوا، وساعتها أبوي وأعمامي أخذونا إحنا الأولاد والبنات والنسوان وأخذونا على قرية ظهر المالح، قرية تابعه ليعبد، قعدنا هناك حوالي شهر وكان كل ليله واحد يجي ينام عنا. بالبلد بقي الشباب والختيارية ونسوان كبار والمواشي”.
“ببلدنا كان إطلاق نار بس مره وحده ولمده قليله، وما حدا تصاوب. يومها أجوا اليهود وصاروا يطخوا علينا وحوالي عشرين شاب من عنا صاروا يطخوا عليهم من السلاح اللي جابوه من سوريا، جبنا حوالي 70 باروده. بس طبعاً الشباب ولا مدربين ولا اشي. يومها أنا كنت بعدني بالدار وكنت قاعد بالاوضه الجديدة اللي عمرناها وكنت أسمع الطخ. بعد ما طلعوا من عنا، صرنا نسمع صوت الرصاص كمان من قرى أم الشوف وصبارين والسنديانه.
يعني كانوا يدخلوا على كل قرية يطخوا عليها ويطلعوا. إحنا ضلينا صامدين بالبلد لحتى صارت واقعه كفر قرع (تم احتلال كفرقرع في أيار عام 1948 على يد قوات الهاجانا، واعتبرت قوات الاحتلال معركة كفر قرع من المعارك الكبيرة والفاصلة في المنطقة). بعد سقوط كفر قرع، تركنا ظهر المالح لأنه ما كان في مي هناك للطرش، ورحنا على قرية كفيرت. هناك أبوي كان يعرف شخص اسمه ناجي المصطفى اللي أعطانا غرف نسكن فيهم. لما أهل بلدنا طلعوا ما راحوا كلهم باتجاه واحد. يعني مثلا عمي عبد القادر طلع من البلد على أم الفحم لأنه مرته من أم الفحم، عمي عيسى مرته من الصوالحه من جبارين فطلع لهناك. خالي طلع على باقة لأنه بنته كانت متزوجة بباقة. الناس تقسمت وتوزعت بالبلاد”.
“بعد بأشهر أجا ابوي على أم الفحم عند جماعة أصحابه، وسمع انه بدهم يسلموا منطقة المثلث. اصحابه حكوله: شو رأيك تيجي على أم الفحم وممكن بعد بفترة ترجع على خُبّيزة؟. رجع أبوي عند أعمامي على كفيرت وقالهم الفكرة. عمي خليل كان عصبي شوي، قال له يا: مسعود، كل الوقت إحنا ما خالفناك، أما انه نرجع على ام الفحم وأشوف جبال الروحه قدامي، هذا مستحيل. رجعنا لحالنا أنا أمي وأبوي على أم الفحم وثاني يوم احتلت اليهود أم الفحم. كان هذا بأيار ال 49. وصار الحكم العسكري وقالوا لنا انتو لاجئين وما الكو مكان هون بأم الفحم. يومها إحنا كنا ساكنين بحارة اغبارية وسجلنا بهويتنا انه تابعين لعائلة اغبارية، دار عمي عبد القادر كانوا بحارة المحاميد وسجلوا اسمهم محاميد، عيسى الحاج حسن كان بجبارين وسجل بجبارين. واللي كان بالمحاجنة سجل محاجنه واللي كان بمعاوية سجل بمعاوية. ولأجل هيك ضلينا وما رحّلونا من أم الفحم”.
“بفترة الحكم العسكري صرنا نطالب بلم الشمل مع أخوتي اللي بجنين بس الدولة رفضت. يعني انا عيلتي كل واحد ساكن ببلد. واحد بالأردن، وواحد توفى بجنين، وأثنين منهم بالغور وعندي أخت ما تزوجت وعاشت معي بام الفحم. يعني من كل اخوتي انا الوحيد اللي بقيت بأم الفحم. أنا عشت وحيد (باكيا). يعني انا مش بس تهجّرت، أنا كمان عشت كل حياتي وحيد. كنت لما اسمع واحد يقول خالي أو عمي أو اخوي كنت ابكي. ما خلينا اسم غير اخدنا، سمّونا لاجئين، ونازحين ومشردين ولليوم منسمعها من الجاهلين. أنا عشت بام الفحم بين أهلي. الكل بحترمني. ومع ذلك بسمع كلمه لاجيء. بحرب ال 67 كانت اول مره تواصلت مع أهلي، فرحنا انه النكسة صارت عشان نلتقي فيهم”.
القرية اليوم
لا مستعمرات إسرائيلية على أراضي القرية وكل ما تبقى منها هو حطام الحجارة المبعثرة في كل مكان وعليها نبتت الأشواك والأعشاب ونبات الصبّار. أما الأراضي المحيطة بموقع القرية فيُزرع جزء منها، بينما يُستعمل الباقي مرعى لمواشي كيبوتس ابن يتسحاق المجاور. “الشيء الوحيد اللي بقي من القرية هي المقبرة”، حدثنا فيصل سليط: “والمقبرة اليوم تقريبا مهمله، بس أنا بقدر أتعرف على قبر سيدي الحاج عباس اللي هو أبو أمي، لأنه على زمن خُبّيزة طلعت على قبره شجرة الغار ومن يومها وإحنا منعرف قبره من شجرة الغار”.
“أنا زرت خُبّيزة بعد سنين من التهجير. ما بعرف ليش، يمكن إهمال او جهل. اما انا كل مرّة باجي بروّح فاقد عيوني من البكاء. بتذكر أهلي وأخوتي. اليوم انا بجيب أولادي وأحفادي. بس احنا الكبار منحن أكثر. اللي ربي بهاي الأرض بعشقها. من يومين اتصلت بابن عمي بجنين عمره 85 سنه. سألته سؤال أو سؤالين ع البلد، وصار يبكي، ويقول لي من شان الله خدني ع البلد. جبته لهون مره أو مرتين وكل مره بصير يبكي. ابن عمي كان هو أبو المنطقة. كان يلف كل منطقة الروحه وحافظها كلها”.
____________
*رنين جريس: باحثة فلسطينية، مركزة مشروع التاريخ الشفوي في جمعية ذاكرات، حيفا.
**عمر اغبارية
المرسل: مسعود سليط
ib_salit@yahoo.com