جديدنا: وثيقة - مركز الوثائق الفلسطيني
أحمد فرح عقيلان ... عاش لفلسطين في خطبه وأشعاره خليل الصمادي /الرياض كنت في الرياض عام 1983 مدرساً في إحدى مدارسها، وبالتحديد في شرقها في حيّ النسيم. وخلال مشواري في التعليم، درّست قصائد كثيرة للأطفال ضمن المنهج السعودي، مذيَّلة باسم الشاعر أحمد فرح عقيلان، وقد لفتت انتباهي لغتها وموضوعاتها وأسلوبها، فعرفت أنني أمام شاعر مطبوع يحمل هماً قومياً ووطنياً ودينياً. سألت عن الشاعر، فقيل لي إنه الشيخ الفلسطيني الفلوجي خطيب جامع الخيال في حي النسيم. كان ذلك في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، وكانت الانتفاضة الفلسطينية الأولى على أشدها، فأصبح مسجد الشيخ الشاعر أحمد فرح عقيلان من المساجد التي تُشَدّ إليها الهمم والرحال والرجال؛ فالخطبة جلّها عن فلسطين والأقصى وعن أهل فلسطين وجهادهم وثباتهم، حتى غدا ذلك المسجد مكان تجمّع الفلسطينيين وأحبائهم من السوريين والسعوديين وغيرهم. ومن شدة الزحام لم يتسع المسجد للمصلين، فزحفت صفوفهم إلى الشوارع المحيطة بالمسجد، وأضحت الساحة القريبة منه أسواقاً تجارية على صلة بالخطبة والإمام والمأمومين؛ فهناك من يبيع أشرطة خطب جمعة للشيخ الكويتي أحمد القطان، وهناك من يبيع الزعتر والزيت الفلسطيني، وهناك من يبيع الكتب الدينية، وهناك من يبيع الجبنة النابلسية وووو، وأهم من ذلك أن المسجد غدا مكان اجتماع للجالية الفلسطينية في تلك المنطقة للعامة منهم، أما الخواص فيجتمعون في منزل الشيخ أحمد بعد كل صلاة جمعة، حيث يتبادلون أطراف الحديث مع القهوة السعودية والتمر النجدي عن الانتفاضة وحماس وفتح وعرفات والمخيمات وتجديد الإقامة والكفيل و... واظبت على صلاة الجمعة عند الشيخ سنوات عديدة، وكنت بعد الصلاة أتجاذب أطراف الحديث مع زملائنا المدرسين وغيرهم، وتمكنت أخيراً من زيارة الشيخ في منزله مع ثلة من الزملاء، وحملت له مرة بعد الإجازة الصيفية مجلة لبنانية نشرت له قصيدة عن فلسطين، ففرح بها، وصرت أستمع إلى برنامجه الإذاعي الشهير"من لطائف التفاسير"، وحرصت على حضور المحاضرات والأمسيات التي كان يشترك فيها، وعرفت عنه الكثير الكثير. فقد ولد الشيخ والداعية في الفالوجة عام 1924م، ونشأ في بيت علم ودين؛ فوالده الجليل الشيخ فرح عيد عقيلان كان من علماء الأزهر الشريف حمل علمه إلى الفالوجة وعلمه للناس وكان منهم أهل بيته، ولا سيما الطالب النجيب أحمد. دراسة بدأ تعليمه الثانوي في مدينة غزة، وأكمله في المدرسة الرشيدية بالقدس، وتخرج فيها بشهادة الاجتياز إلى التعليم العالي سنة 1942م. ونال الشهادة العليا لمدرسي الثانوية عام 1946م، ثم عمل مدرساً للغة العربية في بعض مدن فلسطـين كرام الله وغزة. انتقل إلى خان يونس بعد نكبة 1948م، ودرّس فيها ونشط مع الشيخين الفالوجيين الجليلين محمد حسين أبوسردانة وناجي السعافين في توعية شباب خان يونس على أمور دينهم ودنياهم، وأسهموا في تأسيس بعض الجمعيات والهيئات الدينية والسياسية. وفي عام 1957 هاجر إلى المملكة العربية السعودية ودرّس فـي معهد العاصمة النموذجي الذي كان من أهم مدارس الرياض، وجلّ طلابه من أبناء الأسرة الحاكمة، حتى سمي معهد أنجال الملك، وذلك من عام 1957 وحتى عام 1976، وهناك تعرف إلى الأمير فيصل بن فهد الذي غدا بعد تخرجه رئيساً للرئاسة العامة لرعاية الشباب، فانتدبه مديراً للأندية الأدبية بالرئاسة، ثم مستشاراً فيها للشؤون الثقافية. ولما طورت وزارة التربية مناهجها التعليمية، استعانت بخبرة الشيخ في مواد اللغة العربية، فخرجت الكتب على وجهها الأمثل. الحياة الثقافية كذلك كان عضواً في رابطة الأدب الإسلامي العالمية بالرياض وفي عدة نوادٍ أدبية. ومن نتاجه الفكري والأدبي كتبه: (أبطال ومواقف) عن دار بن حزم، وله دراسات في النقد الأدبي كـ(جناية الشعر الحر): نادي أبها الأدبي - السعودية 1982، و(الأصالة والحداثة): نادي الطائف الأدبي - السعودية 1986. طبع للشيخ ديوان شعر: (جرح الإباء) نادي المدينة المنورة الأدبي - السعودية 1980، و(رسالة إلى ليلى) نادي المدينة المنورة الأدبي - السعودية 1981، و«لا يأس»: دار المعراج - الرياض، السعودية 1998(نشر بعد وفاته)، وكذلك ديوان شعر تحت عنوان (أحمد فرح عقيلان - الأعمال الكاملة)، وقد قدم لها الأستاذ يوسف العظم قائلاً: "… الرجل ـ لا شك ـ شاعر مطبوع، وقد قال كثيراً من شعره في مناسبات وردده في مدائح، وهو يطيل فيبدع، ويشدو فيمتع". أما التقديم فكان لابن الشاعر الأكبر محمد، فقال: "بعد وفاة الشاعر رحمه الله في نيسان 1997، جمعت ما بقي من شعره الذي لم ينشر في ديوانه الثالث والأخير "لا يأس"، وقد اتصل بي الكثيرون من أصدقاء الشاعر وتلاميذه ومحبي شعره يطلبون مني ديوانيه الأولين اللذين نفدا من الأسواق منذ زمن بعيد، فوجدت أن الحل الأمثل هو جمع شعره كله في كتاب واحد يمثل الأعمال الشعرية الكاملة لأديبنا رحمه الله". قدم زميلنا الأستاذ علي اليعقوبي رسالة الماجستير من جامعة النيلين في السودان بعنوان "الاتجاه الإسلامي في شعر الشيخ أحمد فرح عقيلان"، والأستاذ علي كان من محبي الشيخ ومريديه، يحرص على حضور خطبه ودروسه وأمسياته. خلف الشيخ تسعة من الأولاد عملوا في السعودية في القطاعين العام والخاص، وكانوا على هدي أبيهم في حب فلسطين والشعر والأدب، وهم: الدكتور محمد، المهندس سعد، عبد الله، المرحوم خالد، حسن، أيمن، بشير، حاتم والدكتور زهير. وقد جمعتني بابنه بشير علاقة قربى، فقد اقترن بابنة أخي محمد المقيم في الرياض، وبالرغم من اختصاص بشير في مجال الأجهزة الطبية، إلا أنه متأثر بسيرة والده؛ ففي حرب الفرقان على غزة، حرص على الاهتمام بأخبار الانتفاضة وأهلها في فلسطين، وكان عالي الهمة في مساعدة الجرحى الذين قدموا إلى الرياض للعلاج، يزورهم بين الفينة والأخرى. كذلك كان محباً للشعر والأدب، يروي الكثير من شعر والده. انتقل الشيخ الجليل إلى رحمته تعالى عز وجل وإلى جواره الكريم، في مسجده حيث كان الشيخ يؤم الناس في صلاة العشاء، في شهر نيسان/ أبريل 1997م بعد حياة مليئة بالعطاء والدعوة رحمه الله وأسكنه فسيح جناته. ♦ نماذج من شعره
أحقاً أن إسرائيل جاره وأن لها ذماماً أو طهارة؟ وهل شارون ذباح اليتامى له غير الجريمة من تجاره؟ وأمريكا هل انعطفت إلينا فتصبح للعروبة مستشاره؟ وقد رضخت لصهيون جهاراً فلم تأذن لياسر بالزيارة؟ وأية قسمة ضيزى رضينا يمين الله صفقتنا خسارة! وهل ذهبت مذابحنا هباء وهل ينسى الكريم الحر ثاره؟ - ومن قصيدته (صرخة الأقصى) يقول: صوت من المسجد الأقصى يناديني إلى فدائية الإيمان يدعوني يصيح والصخرة الغراء خاوية أين البطولات في الغر الميامين أَبعْد أن زفني عمرو إلى عمر في هالة المجد والقرآن والدين يعربد الكفر مخموراً بمئذنتي ويستهين بقدسي كل ملعون؟ - ومن ديوانه الأول "جرح الإباء" قصيدة بعنوان "قذائف الكلام" يقول فيها: يا بني العرب يا حماة البيد أين عشق العلا وعزم الأسود إن ألفي قذيفة من كلامٍ لا تساوي قذيفة من حديد لا ترد الحقوق في مجلس الأمن ولكن في مكتب التجنيد الشكاوى إلى المجالس لغوٌ وأزيز الرصاص بيت القصيد.
المصدر: مجلة العودة