أجرى اللقاء رفيق بكري
وعرة السرّيس، بلد الشيخ، حوّاسة، الحدثة وقرى فلسطينية أخرى في منطقة حيفا وتحديداً في منطقة تسمى اليوم (الكريوت) جرى عام 1948 هدمها وتهجير أهلها.
في هذه الحلقة نعرِّج إلى قرية (جِدرو) المهجّرة التي اختفت معالمها عن وجه البسيطة ولم يبق منها سوى بضعة قبور مندثِرة ولها قصة يرويها لنا الحاج أبو سليمان.
تْهجّرنا من جدرو من سِنة الـ25
في بيته في مدينة شفاعمرو التقيت بإبن قرية جِدرو المُهجّرة الحاج حسن سليمان صُبِحْ (أبو سليمان) 88 عاماً وبادرني بالحديث قائلاً: قصّة تهجير بلدنا جِدرو بدأت في العشرينات، طْلِعنا يا سيدْنا العزيز من جِدرو سِنة الـ25، كان عُمري ثلاث سنين، حياة أبويْ وأخويْ لِكبير كانو يِخرّْفوني عاللي صار. أبويْ سليمان صُبِحْ كان في وقتها مُختار البلد، وطْلِعنا على طمرَة.... قلت: ليشْ طْلِعتوا على طمرة؟... أبو سليمان: في جِدرو كان في ثلاث عائلات، دار صبِحْ، دارْ أبو العَرْداتْ ودار صَبّاحْ، لما طْلِعنا على طمرَة، كان معانا يا سيدْنا العزيز 150 راسْ مِعْزَة... قلت: ليشْ تَرَكتوا البلد؟.... أبو سليمان: الاقطاعي سرسق كان مالِكْ الأرض، أجا طلب من السكان اللي بِحِبْ يِشْتري الأرض ويِبقى في البلد يِتْفَضَّل يِشْتري واللي ما بِقْدَر يِطلَع منها. أجوا أمثال الأفندي والحَجّْ خليل صاروا يِشْتروا الأرض ويِبيعوها لليهود، والفلاحين اصحاب الأرض فُقراء فِشْ معهِن مصاري. في سِنة 1927 باع أبويْ العنزات وطْلِعنا على حيفا.
خلّينا بْعاد عن مشاكل الأرض وضريبِتها
قلت: إحكيلي شو اللي صار بالضبط وكيف سَقْطت جِدرو؟... أبو سليمان: زَيّْ ما قُلْتِلك كانت الآراضي بإسم الإقطاعي اللبناني سِرسق وهذا الاقطاعي قرر يرجع على بلادُه ويِبيع الأرض. الناس في جِدْرو كانت فقيرِة وعلى قدّْ حالْها ويِقولوا: شو بَدّْنا بالأرض عشان نِدفع الضريبِة؟ بلا هالشغلِة وخلّينا بْعاد عن مشاكل الأرض وضريبِتها، كان بالأوّل المجال مفتوح عالآخر، قَدّيش بِدّك توخُذْ أرض تِشتغِل فيها وتعيش منها وتْعمِّر فيها الأراضي خصبِة ولِفلاحة فيها ممتازِة، كنت تُحْفُر بالأرض شِبِرْ يِطلَع نبع مَيّْ. لكن من ناحيِة ثانيِة الناس معهاش مصاري تِشتري، وِتْشَعْتلوا أهالي البلد في طمرة، في شفاعمِر، في وعرِة السريس، في هوشِة، في الرويسْ في الكسايِرْ وغيرها، عملياً بسنة الـ1925 كل أهل جِدرو طِلْعوا من البلد وانباعَت الأرض للكيرن كييمت ولليهود وعمّروا عليها وصارت اليوم (كِرياتْ بيالِكْ).
حَمّلونا من حواسة بترَكّات الجيشْ الانجليزي
وتابع أبو سليمان: الإقطاعيين والإنجليز واليهود تآمروا كلهن على فلسطين من سنوات العشرينات حتى قيام دولِة إسرائيل.. إمي الله يرحمها حكتلي إنُّه في الـ48 حَمّلونا من حواسة بترَكّات الجيشْ الانجليزي، قالت لأبويْ بَلكي منوخُذ شوية فَرْشات وِِحرامات؟... قلها: يا هَنا.. كُلّها جمعتين ومنرجع تَتِهدى الحالِة، حتى كَلبنا ظلُّه يُركُضْ وراء التْرَكّْ تَبَطَّلْ يِبَيِّنْ.... صفن أبو سليمان وقال: آآآآه راحَت هذيك الأيامات يا حرام، أبويْ كان يقول دائماً: اليوم اللي بِروحْ إبكي عليه، بِرْجَعشْ زَيُّه.
هذول أهل طَمرَة قَفاهِنْ ثْقيلْ
ابتسم أبو سليمان وقللي بروح مًرحَة: هذول أهل طَمرَة قَفاهِنْ ثْقيلْ وانتِ كمان بِلْحَقَكْ عَشاء الليلِة... ضْحِكنا وضِحكوا بناتُه وأولادُه وأحفادُه اللي موجودين وتابع: مش مهم بِزْعَلوشْ أهل طمرة عَلَيّْ، حياة إمي كانت من طمرة وخوالي طَمْراوِيِّة، فَيا سيدنا العزيز، حياة أبويْ كان عِندُه فَرَسْ أصيلِة، يِدُقّْ الجُرُنْ وتيجي هالناسْ لَعِندُه واللي يْطوِّل بالقَعْدِة تْحُطّْ إمي الأكل الموجود أو تِِقْلي بيضْتين ويوكُل، الناسْ بهذاك الوقت كانت فقيرِة، اللي كان عِندُه خَمِسْ سِتْ جيجات بِنْحَسَبْ مَلِكْ. بَعِدْ ما راحوا العنزات قال أبويْ لإمّي: يا هَنا ما عاد إلنا عيشِة بِطَمرَة ولازِم نِنْزل على حيفا نْشوف شَغْلِة عِند زيدْ وِعْبيدْ من الناس. أبويْ بْزَمانُه ما اشتَغَلْ ولا شَغْلِة... قالَتلُه إمي: بَدّيشْ أطْلَع يا سليمان أنا بَدّي أظَلّْني بِطمرَة، خَلي البنات مَعايْ وخُذْ لِولاد وروح على حيفا.
اشتغلنا شَيّالين نْزُقّْ غْراض لِبيوت للأفندِيِّة رَبعْ الطَرابيشْ الحُمُرْ مُقابِلْ تَعْريفِة
وتابع أبو سليمان: رُحتْ أنا وحياة أخوي محمد لِكبير وأخويْ الوَسطاني أحمد على حيفا، وبعدين إمي لِحقَتْ.. استَأجر أبويْ غُرْفِة جنب فبريكِة قَرَمانْ. اشتغلت أنا وأخوتي بالفُرنْ عِند جارْنا أبو ابراهيم، كانت شَغْلِتنا نِجيبْ طْباقْ العَجين من بيوت الناس، وصُرنا نِِشْتَغل شَيّالين نْوَصِّل على لِبيوت غْراض للأفندِيِّة رَبعْ الطَرابيشْ الحُمُرْ مُقابِلْ تَعْريفِة، بَعدين صُرنا نْبيع ثلاثْ جرايِدْ (الدِفاع، فلسطين والجامعة الإسلاميِة)، لما صار عُمري 15 سِنة اشتغلت في فبريكِة الدُخان بَذكُر أسماء الدخان (صَبحْ وفِكْتوريا) كان حَقّْ العِلْبِة قِرشْ ونُصْ. بعدين اشتغلت بالرفينري لغايِة سِنة 1947 وكُنت آخُذ 15 قرشْ يومِيِّة، بعدين طَلبوا وَنّيشِة من الـ (IPC) وصرت أشتغل على الوِنْشْ وصارْ مَعاشي عِشرين قرش وهَرَبنا من الحوادث مرَة ثانيِة على قرية حواسَة كانت بلد كلّها من بَراكِيّات فيها يعيشوا عمال الرفينري وسكة الحديد والآي بي سي.
هاي الملاتيت بعد ما يوكلها الوحد بَطنُه بِحَجِّرْ
قلت: كانت هاي الفترة بداية الحوادث عشية النكبِة؟... أبو سليمان: بالضبط بهذيك الفترة بديت الحوادث أجوا من الـ(IPC) طَلبو اللي معاه باسبورت من الوَنّيشِة يروح يشتغل في بيروت. والله وأنا الوحيد اللي قِبْلوني.. الصُبْحيات رُحنا اركِبنا السيارات، ومِِشْيَتْ دَبّابِة قُدّامنا ودَبّابِة ورانا وعلى بيروت وكان معانا الشيخ محمد زعرورة هذا استشهد في عكا فيما بعد. هناك كنت أنا أنَزِّل لِِبْضاعَة عن السفينِة على الوِنشْ. هناك كانت الليرة الفلسطينية بْتِسِعْ ليرات لبناني. كان الفورمَن المسؤول عنّا واحد أرمني، هذا تْعرَّفت عليه في حيفا كنت أعبّي بَطّاريِّة الراديو عِندُه وأجا على بيروت وصار معلِّم علينا ... قلت: وشو صار مع أهلك؟... أبو سليمان: في الـ48 في عِزّْ دين الأحداثْ، أنا كنت متجوز جديد وعندي ولد وبنت صغيرِة بْتِرضع، رحت عند الفورمَنْ وطلبت الباسبورت عشان أرجع أجيب زوجتي وولادي، دفعت خمس ليرات فلسطيني لواحد عشان يودّيني على بنت جبيل وللحدود ورجعت عالبيت لاقيتهن في طمرة. أجا محمد أبو رومي حمّل عالبَغلِة شويِة اغراض، وأجت إمي حضرتْلي لبنِة وزعتر وشوية مَلاتيت… هاي الملاتيت بعد ما يوكلها الوحد بَطنُه بِحَجِّرْ… والله ِوصَّلنا محمد أبو رومي الله يرحمُه للدامون، الدامون كانت بعدها دامون قبل ما تْهدّمت، هناك حدّْ النَبعة كان بيجي كل يوم أُتُنبيل ويصير السائق ينادي: لبِنتْ جْبييييل لَبِنتْ جْبيلْ .رْكِبنا بِالأُتُنْبيلْ أنا ومَرْتي وولادي وِالسيعَة وَحَدِة كنا ببنت جبيلْ ومن هناك رْكِبنا باصْ إكسْ بْرِسّْ لَبيروت. أنا كنت صُرت مِسْتَاجر غُرفِة في حارة الدروز في منطقة إسمها وطن لِمْصيدْبِة قرب المطار... الصراحة الدروز بِتْعاشروا وبِحافْظوا عالجار.
اللي كان يشتري الموز كان زعيم أكثر من الحجّْ طه ومن عزيز الخياط
وتابع أبو سليمان: حَطّيتْ لِولاد بِالغُرفِة وِنزِلت على السوق بِساحِة الشهداء عشان أجيب أكل أطَعْميهِنْ، رُحت اشْتريت كباب وموز وتفاح، بهذاك الوقت اللي كان يشتري الموز كان زعيم أكثر من الحجّْ طه ومن عزيز الخياط اللي نُصّْ حيفا إلُه وصُرت أدوِّر على تاكسي فاسمِعت الشوفير بِنادي: عَوطن لِمْصيدْبِة مينْ يا خَيّا عَوطن لِمْصيدْبِة، ركِبتْ ومِشي فينا، ويا حَبيبي... هُناك كانت لِبريكات مِشْ مثل عِنّا ولا مثل موديلات اليوم، كانت سَحِبْ بْسيخْ، يُضرُبْ الشوفير بْريكْ تْطُبُّ السيارَة بْثاني حارة..في الأخير وصلت عالبيت لاقيت لِولاد صاروا نايْمينْ.
أوووووه والله فْلان بِشتغل بالرفينري وبوخُذ يومِيِّة 15 قِرشْ
قلت طيِّب وبعدين؟... أبو سليمان: ارْجِعت أشتغل بالـ(IPC)، وصارَت في وِقتها حادثِة الرفينري.. خْواتي محمد وأحمد بِشْتِغلوا بالرفينري... قلت: إحكيلي عن هايْ الحادْثِة؟.... أبو سليمان: كان الرفينري يكبر ويِتّْسع فطلبت الإدارة عمال يكونوا صْغار للشُغُل. صاروا يدوروا يِسَجْلوا الشباب. المرأة اللي إبنها يِتْسَجَّل تِنِبسطْ وتصير تزَغْرِدْ..... شووووو والله فْلانِة إبنها بِشْتغل بالرفينري...كان الشَغّيلْ يلبس أفَرولْ عليه نُمرََة وإذا نَوى يِتْجَوَّز يعطوه بنات ثِنْتين، يِقولوا مثلاً: أوووووه والله فْلان بِشتغل بالرفينري وبوخُذ يومِيِّة 15 قِرشْ.
اليهود حَطّوا لُغُمْ في ابْريقْ الحليب بين العمال العرب في الرفينري
قلت: وشو مع حادثة الرفينري؟... أبوسليمان: والله واشتغَلت يا سيدنا العزيز في بيروت والدنيا بفلسطين قايْمِة قاعْدِة. كل يوم كنت أنزل أتفرَّج على البواخر والسُفن، مْحَمْلِة فلسطينية، إشي بالبيجاما، إشي بْقميص النوم، يعني مناظر بِتْقَشعر الأبْدان.
مْنِرجَع للرفينري، يوم أجا واحد لِبناني بِناديني: ياااا حسن بَيْكْ... طْلِعْتْ وإلا حياة إمي راكْبِة على طُنْبُرْ (كارَّة على عَجلينْ بِجُرّْها حْصان، يا بَغِلْ) وجايْ لَعِندي على بيروت؟، حَضَنّا بعض وقلْتِلها: خير يما شو السيرِة؟..قالت: خْواتَكْ محمد وإحمد صارت طوشِة عِندْهِن بالرفينري وأخوك محمد مَطْلوبْ.
قلت: شو هايْ الطوشِة اللي صارت؟...أبو سليمان: لما بديت الأحداث في الـ48 كل يوم كان المدير الإنجليزي يوقِّف ويختار أكم واحد للفصل من الشغل، لأنهن قرروا يِخلّوا في الشُغُل بس بضعة عمال... بَذكُر كيف حَكالي أخويْ محمد قللي أجا واحد من ولاد عَمّْنا اليهود، حَطّْ لُغُمْ في ابْريقْ الحليب بين العمال وفَقَعْ وإنجَرَحْ أكم واحد من العمال، فَزعَت الناس من حوّاسة ومن بلد الشيخ حتى يطمنّوا على وْلادْهِن، صاروا الشَغّيلِة العرب يِنتِقموا من اليهود، مثلاً في مهندس يهودي كان يشتغل مع أخويْ محمد، لِحقوه وهو رايح عالشغُل وقَطعوا راسُه، وواحد يهودي ثاني دَبّوه بقلب بَرْميلْ الزِفْتة الحامْيِة... صاروا اليهود يِطلعوا عالقرى يسألوا على اللي بشتغلوا بالرفينيري ويُقُتلوه... إخوتي محمد وأحمد هربوا من المصنع واتْخَبّوا، حياة أبويْ كان يِخاف، لما أجو يِسألوا عن محمد من الخوف تْخبّى بِبرميلْ الطحين.
بْعيني شُفت زَعامِة حيفا الأفَنديِّة رَبعْ الطَرابيش الحُمر منهِن أبو علي دَلّولْ، قاعدين في قَهاوي بيروت
وتابع أبو سليمان: يوم وأنا بالشغُل أجوا بِقولولي في ناس بَرَّة عاوْزينَك، طْلِعت والاّ إخِوتي مع نِسْوانهِن وولادْهِن جايين لعندي على بيروت، تشوف قِسِم منهن مْغَلّْقَة عينيه وِمْطَمْسِة، وتلاقيه رافِعْ رْموشْ عينيه بأصابْعُه.. طيب شو بَدّي أساوي وعِندي بَسْ غُرفِة وحَدِة!!. دَبّرنا حالنا بهالغُرفِة فش حل ثاني.
يوم أجوني من إدارة الشغل بقولولي إنُّه كل فلسطيني بشتغِل هون لازم يعمل جنسية لبنانيِة، وتشتت أفكاري بين الشغل واللي بصير في لِبلاد وإمي وإخوتي ونسوانْهِن وولادهن وزوجتي وولادي، الكل بغُرفِة وَحَدِة. كنت أتْقاضى زيّ ما قلتلك 20 ليرة لبناني، كُنا نِعمل الأكل، اللي بوكل أكل واللي ما بِكون حاضِر راحت عليه.
كان مَعاش اللبناني أقلّْ من معاش المُغْترِبْ، بَذكُر كان يِشتغِل معاي إبن أُختُه للوزير اللبناني جورج بيك حيمَري كان يوخُذ في الشهر ثَمَنْ وَرقات (ليرات)، بِقُللي: إنتي شو تعلّمت حتى توخُذ أكثر مني؟.. جاوبتُه: أنا تْعلّمت بِرْغيف خُبِز عالحصيرِة، بس أنا اليوم مُغْترِبْ. وبعدين هذا الشخص صار صاحبي ويِطَفِّشني في بيروت. قالولي إذا بْتِعمل الجنسية بِصير معاشك ثمن ليرات. وصار قسم من الناس تسافر عالعراق وعلى سوريا يِدوّْروا كيف يشتِغلوا ويِعيشوا... بْعيني شُفت زَعامِة حيفا الأفَنديِّة رَبعْ الطَرابيش الحُمر منهِن أبو علي دَلّولْ، قاعدين في قَهاوي بيروت.
كان عِنّا 150 راس مِعزة من المِعزة الحَلاّبِة وخَمِس حمير وثلاث كلاب كُلُّو راح
وتابع أبو سليمان: طْلِعت من الشُغُل ووَقَّف المعاشْ عنّي، كنت أبو سليمان بيك صرت أبو سليمان حاف. حتى التوفير اللي كان في صندوق الشركة صرفتُه. كنت عايش بالأول على مَهلي. حتى أبويْ لما هرب ورِجِع على طمرة لا ظِلّْ عِنْدُه عنزِة ولا سَخِلْ.. لما رُحنا على طمرة أوّل مرّة كان عِنّا 151 راس مِعزة من المِعزة الحَلاّبِة وخَمِس حمير وثلاث كلاب و150 ليرة فلسطيني كُلّ هذا راح.
رُحت أخذت إخوتي ورُحت عند جمال الحُسيني إبن عم الحج أمين الحسيني، قمت حَمَلت الكل ورُحنا على بْعَلبَكْ بالليل والدنيا كانت ثلج وعِشنا بهذا العذاب ثلاث سنين لسِنة الـ51.
كانت حافْيِة والكلسات ممَّزَعة ولحم إجريها مِهْتْري
قلت: وكيف رْجِعتوا على طمرة؟... أبو سليمان: قررنا نِرجع على الوطن رُحنا على قهوة في الرميش كانت مقرّ للفلسطينيين الِمْعثَّربين. بدّك تروحْ على بيروت، بدّك ترجع على فلسطين بْتِدفع عشر قروش فلسطيني وبِتْدبِّر حالك. طْلِعنا من الرميش مشي تحت الشتاء وظَلّت الدنيا تِشْتي علينا حتى وْصِلنا كِسرَى.... سَكت أبو سليمان وقال: آآآخ أخْ والله الشعب الفلسطيني حرام يِنْهانْ وما هو أهِلْ للإهانِة، قَبَضايْْ، كريمْ وجَبّار، أما هيك ألله كاتب علينا... بالطريق بين الرميش وسعسع مرقَت دوريِّة جيشْ، قَطَعنا النَفَسْ وقلنا للكل: هُسسْ عالسكت ما حدى يِحكي. وْصِلنا كسرى، لِولاد كانوا مِسْتْوِيين، كنت حامِلْ مُصطفى إبني على ظَهري بْقَلبْ بَطّانِيِّة، قام عِمِلْها تَحْتُه وخَلليتُه دَفْيان تَوْصِلنا كسرَى والدنيا كَبّْ من الربّْ.. سليمان كان عُمرُه خمسْ سنين مِشي كل الطريق على رِجْليه .. إم سليمان كانت مْسَتَّتِة في بيروت، كانت لابْسِة هالصَندل وهالكَلْساتْ لِفْرَنساوِيِّة النايْلون.. إطَّلَعْتْ وإلا هي حافْيِة، الصندل رايِحْ والكلسات ممَّزَعة ولحم إجريها مِهْتْري.. إنْجَنيتْ وقُلتِلها: وِلِكْ ليش ما بْتِحكي كنت بعمل إشي!.
في كسرى رُحنا عند ناس وكانت عِندهُم وَحَدِة لاجْئَة وولادها بْصور، والله هالمرَة ساعَدتنا، سَخّنت هالمَيّْ وغَسَّلنا مصطفى واترَيَّحنا وِمشينا لنحف وقضينا عند ناس محترمين ليلِة وطلِعنا على طمرة.
وتابع أبو سليمان: عاوَدنا طْلِعنا أنا وإمي نفس الطريق عشان نْجيب إخوتي من لبنان، وكيف جابَتهن على بيروت رَجّعتهِن على طمرة... قلت: عملياً إنتو تهجهجتو كثير من جدرو على طمرة، على حيفا وكمان مرّة على طمرة، بعدين علبنان وعودة لَحواسَة ومرّة أخرى لطمرة واستقرّيتوا اليوم في شفاعمرو.. اليوم أدعو لك بطول العمر بس ما بدّي أتمنالك تتزوج مرّة ثالثِة.... أبو سليمان قال بطريقة المزح: الصراحة االحجِّة لحدّْ إسّا ماشيِة مَعايْ مّضبوط، أما أنا مْعَيِّنْ على وَحَدِة... ضحِكْ كل الموجودين.
جِدرو كانت تِشرب من كيلِة
شو بِتوصّي يابو سليمان بعد كل اللي حكيتُه وبعد 88 سنة؟... أبو سليمان: جِدرو كانت تِشرب من كيلِة وَحَدِة اليوم إبنك بشربش من نفس الكُباي.. بقول للكل حِبّوا بعضكو وما تْغُرّْكو المصاري، قدّي ما حدا طَلَّع مصاري، كلُّه كِذِب بِكِذب.. وبقول إذا بموت إقِبروني بِجِدرو
عن موقع: الحقيقة