الحسيني، طاهر أفندي: (توفي سنة 1282ه/1865-1866م)
(مفتي الحنفية في القدس لثلاثة عقود في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وأحد علمائها ومدرسيها البارزين في ذلك العهد. وكان بعد ثورة سنة 1834 ضمن من عوقبوا، فنُفي إلى مصر وفُرضت عليه الإقامة الإجبارية، ثم أعيد إلى موطنه ووظيفته في الإفتاء بعد نحو عامين.)
هو طاهر بن عبد الصمد بن عبد اللطيف الحسيني. برز اسمه بعد وفاة عمه المفتي حسن أفندي سنة 1224ه/ 1809م. وفي 27 شعبان من السنة ذاتها، الموافق 5 تشرين الأول (أكتوبر) 1809م، جاء مرسوم إلى القدس من والي الشام يقول فيه: «وصل عرض محضركم وأحاط علمنا ما أعرضتم بخصوص انتقال المرحوم السيد حسن أفندي إلى رحمة الله تعالى وأنكم استخرتم السيد محمد طاهر أفندي، بحسب وفور علمه ولياقته واستحقاقه إلى خدامة الفتوى الشريفة وأن الشرع الشريف [القاضي] نصبه قيمقام مفتي بطرفكم.» وبعد فترة قصيرة من السنة نفسها وافق شيخ الإسلام في الآستانة، وجاء التعيين الرسمي إلى طاهر أفندي مفتياً للحنفية في القدس. ومنذ ذلك التاريخ لم يقم منافس لطاهر أفندي على وظيفة الإفتاء حتى بداية الثلاثينات، فشغل المنصب أكثر من عقدين من دون توقف. وكان طاهر أفندي عالماً وقوراً، درس الأزهر، كما يبدو، وتعرف هناك إلى كبار العلماء، أمثال: عبد الله الشرقاوي، وحسن العطار، وعبد الرحمن الجبرتي. وحافظ على تلك العلاقة بالمراسلة بعد عودته إلى بيت المقدس. كما زاره العلامة حسن العطار في بيته. ومما يدل على سعة علمه اهتمامه بالكتب وطلبه النادر منها من القاهرة. وقد درس في الأقصى وفي مدارس الحرم. وفي سنة 1227ه/1812م عُين مدرساً لـ «صحيح البخاري» في قبة الصخرة. وهكذا حافظ طاهر أفندي لأكثر من عقدين على الزعامة الروحية في القدس بينما اهتم ابن عمه عمر أفندي النقيب بالقضايا المادية واليومية.
وبعد الإحتلال المصري سنة 1832 تزعزعت مكانة العلماء والأعيان، وتقلص النفوذ الواسع الذي كان لأصحاب المناصب الكبيرة، أمثال طاهر. لذا دعم المفتي والنقيب ثورة سنة 1834، على ما يبدو، فكان جزاؤها النفي إلى مصر بعد إخماد الثورة. وبعد عام من إبعاده عن موطنه، قُدمت عريضة من حرم المفتي إلى السلطات المصرية بوساطة إبراهيم باشا يستعطفن فيها ترتيب معاش لهن: «حال مفتي أفندي مشهور وفقره معلوم والآن مقيم في مصر بحسب الأمر الكريم المعظم ونحن ضاع حالنا ولا أحد يطلع عليها بإدارة معاشنا. ونحن سبعة عشر نفساً الموجودة في رقبته معاشنا عليه.» وقد أورد أسد رستم هذه العريضة في الوثائق التي جمعها في كتابه «المحفوظات»، وهي مؤرخة في 22 ربيع الثاني 1251ه/ 17 آب (أغسطس) 1835م. وبعد أن تأكد المصريون من عودة الهدوء إلى المنطقة سمحوا للمفتي وآخرين من المبعدين بالعودة إلى موطنهم، وكان ذلك، كما يبدو، في أواخر سنة 1252ه/ أوائل سنة 1837م. ففي ذلك التاريخ تتكرر الحجج والوثائق المسجلة في سجلات المحكمة الشرعية في القدس والتي تؤكد وجود طاهر أفندي في القدس وشغله منصب إفتاء الحنفية ثانية. وحتى خلال غيابه الإضطراري في مصر، لم تخرج وظيفة الإفتاء من العائلة، بل شغلها بالوكالة ابنه مصطفى. ولم تطل مدة مكوث طاهر طويلاً في بيت المقدس، وسافر إلى الآستانة بعيد عودة العثمانيين إلى البلد سنة 1841م، وعين للإفتاء مصطفى أفندي بالوكالة. وفي الآستانة أصبح طاهر أفندي من مقربي شيخ الإسلام عارف حكمت، الذي رفض السماح له بالعودة إلى القدس كي تستفيد العاصمة العثمانية من علمه ومعرفته. وحتى بعد وفاة شيخ الإسلام المذكور، أبقاه رجال السلطة في العاصمة، فكانت مكانته عظيمة بين العلماء والوزراء. وهكذا أمضى طاهر آخر عقدين ونيف من حياته في العاصمة العثمانية، حتى وفاته سنة 1282ه/ 1865-1866م. أما وظيفة الإفتاء فانتقلت رسمياً في تلك المدة إلى ابنه مصطفى، الذي نقلها إلى ابنه طاهر ومنه إلى ولديه كامل والحاج أمين الحسيني.
أعلام فلسطين في أواخر العهد العثماني
عادل مناع