الحسيني، حسن بن عبد اللطيف: (1156-1224ه/ 1743-1809م)
(القاضي والنقيب في بيت المقدس لفترات قصيرة، ومفتي الحنفية فيها لأكثر من ثلاثين عاماً، في الربع الأخير من القرن الثامن عشر حتى وفاته. جُمع بعض فتاويه في مخطوط، كما ترك مخطوطا بتراجم علماء القدس في القرن الثاني عشر الهجري. وقد حُقق فيها مؤخراً في رسالة ماجستير.)
هو حسن بن عبد اللطيف بن عبد الله بن عبد اللطيف، الشهير نسبهم بابن غضية. وهذه العائلة من الأسر المقدسية القديمة والعريقة. اشتهر منها كثيرون من القضاة والعلماء منذ القرن الخامس عشر. لكن دور العائلة في تاريخ فلسطين يعود بجذوره إلى بداية القرن الثامن عشر، بعد أن عُين أحد أفرادها نقيباً للأشراف عقب ثورة النقيب من آل الوفائي الحسيني. واستمرت وثائق المحكمة الشرعية خلال ذلك القرن تعيد نسبتهم إلى ابن غضية. لكن، وبعد أن عززت العائلة مكانتها ونفوذها وأضحت أبرز عائلات بيت المقدس، سقطت هذه النسبة إلى آل غضية واستعيض عنها بالحسيني. وهكذا ورثت هذه العائلة اسم الحسيني، إضافة إلى النقابة والإفتاء في القدس عن آل الوفائي الحسيني، الذين انقرضوا من المدينة.
ولد حسن بن عبد اللطيف في القدس سنة 1156ه/ 1743م، وتربى مع إخوته في حِجر والده نقيب الأشراف وشيخ الحرم القدسي. وذكر أساتذته في كتابه، وعلى رأسهم السيد مرتضى الزبيدي اليماني، شارح القاموس، وقرأ عليه علم النحو، وأخذ عنه الحديث سنة 1169ه/ 1755-1756م، حين جاء لزيارة القدس. ومن أساتذته أيضاً الشيخ التافلاني، مفتي الحنفية في القدس، والعلامة محمد باعلوي، والشيخ أحمد المؤقت، والسيد علي القدسي بن موسى النقيب، ساكن مصر «لما شرف القدس لصلة الرحم». كما درس على الشيخ محمد البديري وعلى آخرين من علماء مصر وغيرها.
توفي والده السيد عبد اللطيف في ذي القعدة 1188ه/1775م عن عمر ناهز التسعين سنة. ولم يكن للسيد عبد اللطيف إخوة فانتقلت نقابة الأشراف إلى ابنه عبد الله، أكبر أولاده. وتولى حسن، الولد الثاني، إفتاء الحنفية منذ سنة 1189ه/ 1775م. وهكذا اجتمعت الوظائف الثلاث: شيخ الحرم، والنقابة، والإفتاء في أولاد السيد عبد اللطيف. لكن العائلات المقدسية الأخرى، مثل جار الله والجماعي والخطيب، نافستهم في منصبي الإفتاء والنقابة، وحصلت عليهما أحياناً. ثم تولى الشيخ محمد التافلاتي منصب الإفتاء لكنه توفي سنة 1192ه/1778م. وتولى حسن بعده منصب الإفتاء، وبقيت فتوى الحنفية في يديه بعد ذلك حتى وفاته سنة 1224ه/1809م، ما عدا فترات قصيرة. وقد صاهر حسن أفندي كبار علماء عصره في القدس، مثل الشيخ أحمد أفندي المؤقت، ونجم الدين الجماعي، والشيخ محمد البديري. تلك المصاهرة ساعدت في تعزيز مكانته في القدس، فتولى بعد وفاة أخيه عبد الله نقابة الأشراف مدة قصيرة ومشيخة الحرم مدة أطول. وقد قام بدور قيادي مهم في الأحداث التي مرت على فلسطين وبيت المقدس، وخصوصاً في أثناء الحملة الفرنسية وما بعدها، فلا فرمان أو مرسوم في تلك المدة من ذكر حسن أفندي المفتي كواحد من أبرز الأعلام المساهمين في الحياة السياسية والإجتماعية في المنطقة. كما كان له دور مهم في توطيد مكانة عائلته في بيت المقدس وفلسطين عامة. فقد حافظ في حياته على ألا تخرج وظائف الإفتاء ونقابة الأشراف ومشيخة الحرم من أبناء العائلة، الأمر الذي عزز مكانة العائلة في الزعامة الدينية والإجتماعية، ثم السياسية في فلسطين في العهد الحديث.
وجمع حسن أفندي في حياته ثروة طائلة جعل معظمها أوقافاً أهلية وخيرية، ومنها مكتبة كبيرة جعلها لخدمة العلماء والطلبة في بيت المقدس. وطلب منه خليل المرادي، مفتي دمشق وصاحب «سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر»، كتابة ترجمة علماء القدس ففعل ذلك. وكان مخطوطه مصدراً رئيسياً للمرادي في تراجمه لعلماء بيت المقدس الذين شملهم في كتابه المذكور. كما ترك مجموعة كبيرة من الفتاوى التي سوّدها خلال فترة توليه لإفتاء الحنفية. وقد خلف ثمانية أولاد ذكوراً لكنهم كانوا قاصرين حين وفاته، فانتقلت وظيفة الإفتاء إلى طاهر أفندي، ابن أخيه عبد الصمد، وبقيت في أولاده وأحفاده. وأما نقابة الأشراف فانتقلت إلى عمر أفندي، الذي ستأتي ترجمته فيما بعد.وقد توفي حسن أفندي سنة 1224ه/ 1809م.
أعلام فلسطين في أواخر العهد العثماني
عادل مناع