زريق، المعلم نخلة: (1861-1921)
(الأديب والمعلم، ومدرس اللغة العربية وآدابها في مدارس القدس، وعضو جمعية الإخاء العربي، وأحد أعضاء هيئتها العاملة في القدس.)
ولد نخلة جريس زريق في حي المزرعة في بيروت، ونشأ فيها وتخرج على أساتذتها شيوخ النهضة العربية الحديثة في مدرسة بطرس البستاني، التي درس فيها ناصيف اليازجي والشيخ يوسف الأسير، وأتقن علوم اللغة العربية، وحفظ القرآن الكريم وأتقن تجويده، واعتنى بما احتوى عليه من المبادئ. وجاء إلى القدس سنة 1889 يطلب من المبشرين الإنجيليين فتسلّم إدارة مخزن لبيع الكتب الدينية تابع للإرسالية الإنكليزية. ثم انتقل في سنة 1892 إلى إدارة المدرسة حينذاك، «مدرسة الشبان الإعدادية». وبقي في مركزه هذا إلى أن توفي سنة 1921. وكانت تلك المدرسة قائمة في أول أمرها على جبل صهيون في القدس، في البناية نفسها التي حوت مدرسة المطران غوبات الداخلية للأولاد. ثم انتقلت إلى بناية خاصة بها في حي «سعد وسعيد» وسميت «كلية الشباب» أولاً فـ «الكلية الإنكليزية»، ومدرسة المطران، فيما بعد. وكانت لغة التدريس في هذه المدرسة العربية، على عكس معظم مدارس الإرساليات التبشيرية.
وكان مسكن المعلم نخلة في بيت المقدس ندوة أدبية يجتمع فيها أدباء القدس، أمثال سليم الحسيني، رئيس بلدية القدس الأسبق، وموسى عقل، وفيضي العلمي، وغيرهم. وإليه يعزى الفضل في بعث اللغة العربية وآدابها في مدارس القدس. وقد وصفه عجاج نويهض في كتابه «رجال من فلسطين» بأنه «كعبد الله البستاني وجبر ضومط في بيروت ومن أترابهما في العمر.» ومن أبرز سمات المعلم نخلة الصراحة البالغة وكبر النفس والأمانة والإخلاص في عمله. ولم يتزوج في حياته، ونذر نفسه للعلم والأدب. وكان يملك مكتبة عامرة بأمهات كتب اللغة والأدب والتاريخ. والكتاب المفضل لديه في تدريس الصرف والإعراب هو كتاب «فصل الخطاب»، للشيخ ناصيف اليازجي.
وكان المعلم نخلة زريق من المعتزين باللغة العربية والمعجبين بأسرار الفصاحة والبلاغة في القرآن. ومن مشاهير طلابه الفلسطينيين خليل السكاكيني، وبولس شحادة صاحب «مرآة الشرق»، وخليل طوطح، وجريس خوري، وحبيب خوري، وجورج متى، وإبراهيم طوقان، ووصفي العنبتاوي، وغيرهم. وعرف عن المعلم نخلة تعصبه لشرقيته وحماسته للأدب العربي والتراث الشرقي. فكان يكره التقليد السطحي للأوروبيين، ويرى في ذلك خطراً على العقائد الوطنية وروح الإستقلال والأصالة. وكان يحذر دائماً من أولئك الذين ما أن اتخذوا الزي الغربي حتى أخذوا يحتقرون لغتهم وتقاليدهم وعوائدهم وآدابهم وسائر خصائصهم ومقوماتهم الوطنية. وإجمالاً، كان المعلم نخلة متحمساً للغة الغرب وتراثهم، ويرى في إحيائهما وتشذيبهما رسالة مهمة في سبيل تقدم العرب وتطورهم.
ويقول العودات إنه لم يقف على آثار قلمية مطبوعة للمعلم نخلة، «غير أننا عثرنا على مجموعة بقلمه وقلم المعلم عيد سالم تحمل اسم مجموعة أشعار» وقد طبعت في بيت المقدس سنة 1903.
وبعد وفاته، سنة 1921، نشر تلميذه خليل السكاكيني لمحة عن حياته في مجلة «المقتطف»، عدد تشرين الثاني (نوفمبر) 1921، ذكر فيها أبرز ملامح شخصية أستاذه. وقد كان نخلة زريق شرقياً قحاً، متعصباً لشرقيته. وكان يكره التقليد الأعمى والسطحي حتى في اللباس. ولذا ظل يلبس زيه الشرقي «بعباءته وطربوشه، رمز الوطنية والحرية والإستقلال والإباء.» وكان دائما يسخر من المقلدين على أنواعهم، ويرى في التقليد استصغاراً للنفوس «والإلتحاق بالغير التحاق المولى بسيده.» ولذا كان شعاره دائماً: كن ما شئت على أن تكون صريحاً خالصاً لا بين بين، لا أكذوبة شرقية ولا أكذوبة غربية، لا نسخة مزورة عن هذا أو ذاك.
ويقول البدوي الملثم إن من المفارقات الساخرة أن تنقش على بلاطة ضريح الأستاذ نخلة زريق هذه العبارة: «توفي عن ستون عاماً».
أعلام فلسطين في أواخر العهد العثماني
عادل مناع