(شيخ ناحية جبل الخليل في الربع الأول من القرن التاسع عشر. وكان آل العمرو قد تسلطوا على قرية دورة وجعلوها مركز مشيختهم، ومنها امتد نفوذهم حتى أصبحـوا الحكام الفعليين لجبل الخليل في أيام عيسى العمرو وابنه عبد الرحمن من بعده.)
آل العمرو من أقدم عشائر الكرك، وينسبون أنفسهم إلى بني عقبة بن جذام. حكموا الكرك مدة طويلة ثم استوطن قسم منهم جبال الخليل قبل ثلاثة قرون تقريباً، واتخذ قرية دورة مركزاً له. ورث الشيخ عيسى زعامة العائلة ومشيخة دورة ومنطقتها في أواخر القرن الثامن عشر. واستغل ضعف الحكم العثماني في المنطقة فوسع نفوذه على حساب مشايخ المناطق المجاورة. ووقعت بسبب ذلك عدة مناوشات ومعارك عشائرية في المنطقة حتى سادت الفوضى وانعدم الأمن والإستقرار. وكان جبل الخليل جزءاً من لواء القدس التابع لولاة الشام الذي فشلوا في إقرار الهدوء والأمن في المنطقة. وحاول أحمد باشا الجزار أحياناً أن يقمع التمرد والإقتتال العشائري لكم من دون جدوى. وتغلب عيسى العمرو على منافسيه في المنطقة حتى أصبح الحاكم الفعلي لناحية جبل الخليل كلها، بما فيها المدينة ذاتها، في بداية القرن التاسع عشر. وهكذا أصبح لآل العمرو في الخليل مركز مماثل لمركز أبو غوش في جبل القدس. وكان آل العمرو زعماء صف القيس في منطقتهم، فلما اشتدت الحروب بين صف القيس وصف اليمن في جبل القدس التقوا أحياناً آل أبو غوش، زعماء صف اليمن، في ساحة القتال. ولما فشلت الدولة العثمانية في فرض سيطرتها على المنطقة مباشرة اعترفت بحكم الشيخ عيسى العمرو، واستعانت به لجمع الضرائب وحفظ الأمن في المنطقة.
وفي العقدين الأولين من القرن التاسع عشر يُذكر اسم عيسى العمرو مرات عديدة في الوثائق المتعلقة بأحوال ناحية جبل الخليل. وكانت حالة الإضطراب وفقدان الأمن والنزاعات العشائرية المتكررة هي موضوع معظم تلك الوثائق. كما يرد ذكر عيسى العمرو مرات عديدة في تاريخ سليمان باشا العادل، بصفته شيخ ناحية جبل الخليل. فحين زار سليمان باشا العادل مدينة يافا سنة 1819 مثلاً، كان الشيخ عيسى من جملة مستقبليه والمسلّمين عليه. وورد اسمه مقروناً بلقب شيخ مشايخ جبل الخليل. هذه الوظيفة خولته صلاحيات جباية الضرائب (التزام)، والمحافظة على الأمن. والمساهمة في تجهيز المنطقة.
وفي بداية سنة 1238ه/أواخر سنة 1822م نهب العربان قافلة تجارية مصرية كانت في طريقها من السويس إلى القاهرة. فرفعت تلك الحادثة حدة التوتر بين محمد علي باشا، حاكم مصر، وعبد الله باشا، والي صيدا والمسؤول إدارياً عن لواء غزة وصحارى جنوب فلسطين. فاتصل واليا الشام وصيدا بمتسلم لواء غزة والشيخ عيسى العمرو، وطلبا منهما أن يعملا بسرعة لإيجاد البضاعة المسروقة كي تُرد إلى أصحابها. وفعلاً أجري البحث فوجد أن معظم البضاعة المنهوبة وصل إلى أسواق الخليل ليباع فيها. ولم يمض أسبوعان حتى قام الشيخ عيسى العمرو بجمع البضائع التي نهبها عربان الطورة، وجهزها لإعادتها إلى مصر. وأثبت الشيخ عيسى مرة أخرى أنه الحاكم الفعلي في جبل الخليل ومدينته، وأنه من دون تعاونه لا يستتب الأمن والنظام في المنطقة. وهكذا، وخلال أكثر من ربع قرن في ظل ضعف الدولة العثمانية وإدارتها المحلية، كان الشيخ عيسى سيد ناحية جبل الخليل من دون منازع. وبعد وفاته في أواسط العشرينات، انتقلت المشيخة والزعامة إلى نجله عبد الرحمن.
أعلام فلسطين في أواخر العهد العثماني
عادل مناع