طويل القامة، جميل الوجه والمحيّا، جسمٌ رياضيٌ متناسقٌ. لم يعرف الوهن أو الضعف يوما ما.. ولعمري لو أن المرحوم أبا صالح جاء إلى السويد لحسبوه سويدياً: أشقر الوجه يميل إلى حمرة جميلة تضيف إلى شخصيته المهيبة جمالاً وكمالاً..
هو ابن عائلة كريمة من بلدة صفورية، وهو الثاني في الأبناء بعد أخيه الحاج فياض الموعد، رحمه الله، أما الثالث فهو المرحوم الحاج مفلح الموعد والذي كان (وهذا ليس مجاله الآن) من أوائل الرجال في لبنان من الذين عملوا من أجل فلسطين وركبوا المخاطر وفي ظروف صعبة للغاية..
الحاج مصطفى الموعد، جارنا.. "الحيط على الحيط" لم يفصل بيننا حائط بل كان ووالدي أكثر من أصدقاء.. وأكثر من إخوة. وكان الشيء الذي يحيرني أن الموقف الذي كان يتخذه أحدهما وفي غياب الآخر، كان يعبر عن موقف الإثنين معاً. (لم تحدث حادثة في مخيم عين الحلوة تعكر صفو العلاقات بين قرينين أو بين شخصين أو عائلتين، إلا وكانت باكورة الحاج مصطفى الموعد تسبق الآخرين من أجل الصلح والخير والمحبة)..
كانت كلمة أبو صالح مثل السيف على الآخرين، رغم أنه لم تكن لديه ميليشيا وإنما كان سلاحه الحق يشهره في وجه العالم. وحسبما أذكر فإن نشاطه الطيب وحبه لعمل الخير، قد تعدى نطاق مخيم عين الحلوة، إلى مخيمات أخرى وبلدات أخرى. وكان مع مجموعة من رجالات المخيم، يرتبطون بشبكة علاقات إنسانية صافية مع شخصيات فلسطينية ولبنانية، عرفت قدر هؤلاء الرجال الذين نذروا أنفسهم من أجل الصالح العام ومن أجل الحفاظ على نظافة مخيم عين الحلوة من الشوائب.
وإذا أردت الدخول إلى الجانب الشخصي من حياة هذا الرجل الكبير، فإني أذكر أنه أنجب ثلاثة أبناء وثلاث بنات.. ربّاهم جميعاً على التقوى والطاعة والإحترام، ورزع فيهم روح التوجه إلى الدين دون تزمّت، وروح الإبتعاد عن كل ما يمكن أن يسيء إليهم.
وكان المرحوم الحاج مصطفى، رؤوفاً، متسامحاً، لا يغضب بسرعة وكان يستمع إلى وجهة النظر الأخرى. فيسكت ويبتسم، ولكنه في تلك اللحظات كان فكره يعمل لإيجاد نقاط الضعف في وجهة النظر الأخرى. وكثيراً ما كان يستعين بفكرة ساخرة تصيب الذين كانوا يختلفون معه في موقف ما .. في الصميم..
ومن ناحية أخرى، فإن شخصية الحاج مصطفى كانت توحي دائماً بأنه ابن عائلة كريمة، بل وأكثر من ذلك تحسُّ وأنت أمامه بأنك في مواجهة رجل أرستقراطي رفيع المستوى.
وعلى ما أذكر، فإنه كان يتندر في الحديث عن الطعام.. فقد كانت الملوخية إحدى أكلاته المفضلة، ويليها السمك.. وكان يخرج صباحاً إلى سوق الخضار في المخيم لشراء الخضار والفواكه، فترى قامة ممشوقة مهيبة تمر أمامك.. لا تملك في مواجهتها إلا الإنحناء والإحترام والتحية .. وقد كان وبحكم الجيرة، وبحكم الصداقة مع والدي يخفف من عصبية أبي وشدته، ويهوِّن عليه الأمور قائلاً: "يا أبا محمّد، إن الله مع الصابرين".. وكانت كلماته تنزل على قلب أبي قبولاً واستحساناً لا يملك بعدها أبي إلا أن يهدأ..!
الحاج مصطفى الموعد، رجل من قلة من الرجال، تركوا وراءهم إرثاً من المحبة والصدق والوفاء.. وأيادٍ بيضاء يشهد لها أهل مخيم عين الحلوة ويذكرونها بالخير والرحمة، رحم الله صديق أبي وجاره وشقيقه ورفيق درب الخير، الحاج مصطفى الموعد الذي ترك وراءه سمعة طيبة.. وأبناء خيِّرين.. وأحفاداً مؤمنين وصادقين.