جديدنا: وثيقة - مركز الوثائق الفلسطيني
هنا لقاء مع الحاج موسى ذياب برهومة من قرية" صرفند العمار " المحتلة العام 1948 - حدثنا عن ما تتذكره من بلدتك "صرفند العمار" ولماذا سميت بهذا الاسم ؟ - في بلدتنا كان هناك ست عائلات، وكانت الأراضي مقسمة عليهم كل حسب حجم حمولته، أيام تركيا كان الناس يزرعون الأرض بالتدوير، أنت تزرع هذا الموسم قمحا ثم تنتقل الى ارض أخرى في الموسم التالي لتزرعها ذرة وهكذا، وحينما أتى إلينا الاستعمار البريطاني قسم الأراضي على العائلات مساحة الأرض في ذلك الوقت تبلغ 17 ألف دونم لكن حينما دخل الجيش الإنجليزي اقتطعوا من البلد الأرض التي أقاموا عليها معسكرهم ؟ لقد حدثني هذه القصة والدي رحمه الله- والأرض في تلك الفترة كانت مزروعة بالقمح والشعير، قال لهم أهل القرية حينما تنضج الثمار تأخذون الأرض لكنهم في الصباح فوجئوا بأنها حرقت عن بكرة أبيها من هنا جاءت التسمية للبلدة فالأرض المحروقة صرفند الخراب، والأرض التي لم تحرق بالطبع هي صرفند العمار وتقسم البلد الواحدة المستعمرة التي بناها الإنجليز الى شطرين، واغلب أراضي القرية زرعت بالحمضيات، وأغنياء البلد قاموا بحفر الآبار وزراعة أراضيهم وتضمينها في تلك الفترة حيث ضمنت الأرض بـ100 جنيه فلسطيني. أما مخاتير البلد فقد كان عمي الحاج عوض برهومة مختارا عن حمولته، والآخر من دار الحاج، وهذان اذكرهما، وكانت هناك مضافة واحدة في صرفند العمار وهذه المضافة لعمي، فقد كان الضيوف يؤمون بيته، وبالمقابل يقوم بواجبات إكرام الضيف حتى أن هذا الرجل باع كل أرضه من اجل رفد مضافته، فقد كان كل ما يأتي إليها من ماله الخاص، كان في القرية أيضا مسجد واحد وهذا المسجد قديم أي قبل الحكم التركي على البلاد، وقد كان الذي يعنى بشأن المسجد عائلة العطار فهم علماء تلقوا علومهم في الأزهر، وكان عملهم هذا من اجل خدمة المسجد يريدون به وجه الله، وكان هذا المسجد الوحيد في كل صرفند، وفي القرية مقام للنبي الحكيم لقمان وهذا المقام يشبه المسجد وفي داخله بئر، وقد شهدت أنا هذا المقام، وهناك قبر في غرفة، يجاورها جامع، وقد قام أهل القرية بزراعة أرضه كوقف له حيث أنهم يتصدقون من هذه العائدات ويخدمون بها هذا المقام. وكان أيضا في بلدتنا مدرسة واحدة وفي سنة 1946 أنشانا مدرسة أخرى للبنات وقد أتت متأخرة لأن العادات كانت تقتضي بأن الفتيات لا يجب أن يخرجن، لكن فيما بعد ، قام أناس متفتحون من أجل فكرة إنشائها، وقبل المدارس قامت الكتاتيب فقد أتى الأساتذة من مصر ويعلمون الأولاد على الرمل فكما تعلم بأن بلادنا رملية، فقد علموا الأولاد الكتابة بالخط على الرمل وفيما بعد علمونهم قراءة القران الكريم، وكانوا يحتفلون بعد هذا بالإنجاز الذي يحققه الطفل، فيذبحون الذبائح ويعزمون أهل القرية احتفاء بهذه المناسبة، أما الشيخ فقد كان يأتي في شهر آذار وفي نهاية البيدر حيث يقوم الناس بإكرامه، فيأخذ أجرة تدريس الأولاد هذا غير الزكاة التي كان يحسب له حصة منها، وعندما افتتحت المدارس انتقل الأولاد إليها، وأنا درست بمدرسة البلد فقد درسني الأستاذ محمد الخيري من الرملة، أيضا هناك معلم آخر من يازور والأستاذ يوسف وهو أستاذ اللغة الإنجليزية، وآخرين لم اعد أتذكرهم فقد احتوت مدرستنا على ستة صفوف، وقد بناها أهل البلد على ارض مشاع تقع على عشرين دونما . وسميت هذه المدرسة باسم مدرسة صرفند العمار الأميرية، واغلب القرى كانت تسمى اسم مدرستها بلقب كذا.... الأميرية، أما بالنسبة للعلاج فقد كنا نتجه الى الرملة والى يافا لتلقي العلاج، حيث لم تكن لدينا عيادة، وقد اتجه الناس أيضا الى كبانية عيون قارة، أنا تعالجت هناك فقد كان هناك طبيب اسمه الدكتور يوسف وهو يهودي وحين كنا نذهب إليه نصطف طابورا لكي نأخذ عنده دورا , وقد نبقى إلى اليوم التالي ننام خلاله تحت الشجر لنأخذ دورنا وقد كان يتقاضى هذا الطبيب منا نصف جنيه فلسطيني، وهذا الطبيب يتجه إليه الناس حين يكون المرض شديدا، أو أنهم يذهبون الى مدينة يافا لتلقي العلاج في مشافيها. وحلاقو القرية في تلك الفترة كانوا شبابا اكبر منا ويتقاضون في ذلك الوقت خمسة قروش للرأس، وهناك معالجات خفيفة يمتهنونها في طب الأسنان كخلع الأسنان وغيرها. وفي قريتنا الصغيرة ثلاثة مقاهي احدهما لعمي عبد الله محمود برهومة والآخر لمصطفى عمارة والثالث لعمي مصطفى برهومة، وفي هذه المقاهي كان عابروا السبيل يستريحون فيها وينامون، أما أبناء البلد فقد كانوا يقضون أوقاتهم في لعب الدومينو، والدريس، وأضيف الى هذين المقهيين على أول مدخل معسكر صرفند من باب القدس مقهى لامرأة اسمها حلوة ورواد هذا المقهى من الجنود الإنجليز. - وماذا عن احتلال صرفند وتفاصيل ذلك والمقاومة التي شهدتها من المجاهدين وأبناء البلدة ؟ - بالنسبة لاحتلال البلد أريد أن أقول لك قصة عنها في أواخر العام 47 أتى الى البلد شخص قال لنا: أنا قادم من العراق أريد أن أجاهد في سبيل الله وكان يرتدي لباس الصواري حطة وعقالا ومتشحا بالذخيرة، دخل الى البلد ة، حيث رحب به أهلها وقدم الرجل نفسه إليهم بأنه احمد وأخبرهم بأن الذي باستطاعته أن يتدرب على السلاح من أهل القرية فإنه على استعداد لتدريبهم، وفي ذلك الوقت كان الجيش البريطاني يريد الخروج من المعسكر، وانا اذكر بأنا ذهبنا لكي نقتحم المعسكر للبحث عن الذخيرة، وهذا المعسكر كان فيه مكان لتصليح الطيارات، وصيانة الكهرباء، إضافة إلى الذخيرة، أعود بك بعد أن وصفت لك البلدة الى الرجل المجاهد الذي أتى إلينا من العراق وبدأ باختيار مجموعة من شباب القرية، و قام بالفعل في تدريبهم وفي كل يوم كان يحدث إطلاق نار عليهم من حاووز المياه الذي هو في منطقة المعسكر حيث خسرنا من هؤلاء الشباب 3-4 رجال، ولا يحضرني أسماؤهم الآن، وأذكر أن عمي عودة موسى أصيب بذراعه حينما أراد إخلاء بعض الشهداء. حينما انسحب الجيش البريطاني أشار علي والدي أن اذهب الى نابلس برفقة أخوتي وزوجة والدي، ولحق بنا أبناء عمومتنا حيث فتحوا لهم مقهى هناك، وقد خرج الطيران الإسرائيلي علينا وقصف المنطقة وقصف خيمتهم، وخرج الناس من شدة ذلك وتجمعوا في منطقة اللد، وبعد الحادث الذي أطاح بأبناء عمي في نابلس خرجت أنا الى منطقة اللد لمدة شهرين حيث اخذ اليهود بإطلاق النار من معسكر صرفند الذي بيننا وبينه 2 كيلو متر تقريبا، ثم بدا اليهود يصلون بدباباتهم الى المنطقة، و لم يكن لدينا ذخيرة أو سلاح، وبعد أن احتلت اللد جمعوا الشباب الذين دربهم احمد الغريب، وإذ بهذا الأخير مارشال بجيش الاحتلال، وناداه بعضنا : يا احمد فأجابfinish ahmad" " وقتل 25 رجلا من الذين دربهم في البلد وكل جاسوس في القرى الأخرى قام بنفس الفعل، وبعد اللد ذهبنا الى بير زيت حيث مكثنا قرابة الشهرين وأقمنا تحت أشجار الزيتون، وكان لدينا خيمة فقد اتخذ والدي احتياطاته، وحينما مال الجو الى البرودة اتجهنا الى مخيم عقبة جبر وبقيت هناك سنة كاملة، وكان الفقراء في المخيم في المخيم للأسف في وضع تعيس . - لماذا خرجت من الوطن، وهل ما زلت تلتفت الى الوراء وتحلم بالعودة مرة اليه من جديد ؟ - في عام 49 أتينا الى منطقة أم العمد هنا في الأردن طلبا للأمن وللعمل، وكنا نريد أن نأخذ قطعة ارض نزرعها ونعتاش منها، نحن لا نعرف كيف خرجنا من بلادنا، ولكن الإشاعات التي كانت تكثر في ذلك الحين بأننا سنعود وحتى اليوم ولكننا لم نعد.