أبو سليم جبريل
الموطن الاصلي: قرية يازور/يافا
مكان الاقمة: مخيم العين/نابلس
كنت لسه عازب ايام الهجره، وكنا نسمع لإذاعة الشرق الادنى، كانت في قبرص هاي الاذاعة، بقولوا انها كانت بريطانية، كانت خصوصي موجهه لمنطقتنا هاي الاذاعه، كانت المسافة بيننا وبين يافا قريبة جداً، مبدهاش ناس بيجو يقولولنا الأخبار تاعة يافا، مش هالمسافة بيناتنا، يعني إن أتفجر لغم او اشي بيافا كنا نشوفه، كنا زي ضاحية من ضواحي يافا.
كنا احنا مركزين على جيش الانقاذ، خُذلنا، كانوا يقولوا بدنا نحرر فلسطين، لما كانت الأخبار تحكي عن جيش الانقاذ، كان كل شخص مسرور جداً، طبعاً لانه في جيش جاي ينقذنا، خاصة انك تكون انتا في ضيق وفي ناس جايين يساعدوك. انا كنت اتوقع توصل لعنا الحرب، يازور عالخط الرئيسي يافا-القدس، بعدين في عنا مستعمرات متل نيتر، بعيده عنا شي تنين كيلو، وعنا مستعمرة موليدت، وعنا من الجهة الشمالية سلمه ومن الغرب حزبون. احنا ويافا وسلمه سقطنا مع بعض تقريباً، بس ما اتوقعت انه نصير لاجئين، ما كنت افكر في هالحي، كنا نعرف انه الصهاينة عصابات، والعرب ما شاء الله كتار، سبع جيوش عربية، مش معقول.
احنا اركنا على الجيوش العربية، بس قبلها كانوا الشباب يحرسوا البلد في الليل، نوبات، وان صار مشاكل يتصدوا ويناوشوا وتصير معارك. كانت الخبره العسكرية على البركه، على التساهيل، اللي معاه فلوس كان يجيب سلاح، وكان السلاح غالي، كانوا الناس ينزلوا على الارض والزراعه رغم المشاكل، كان الامل كبير انه مش راح يطلعوا من بلادهم.
ما كان وارد انه الناس تطلع من البلد، قصة اسبع هاغانات اللي قتلوهم الشباب والاختيارية حتى، هاجموا سياره فيها سبع هاغانات، وضربوهم عباب يازور ورقضوا عليهم، فليليتها اجانا هجوم من تل ابيب ومن نيتر من المغرب للصبح والمعركة شغاله. مش بس الشباب كانوا يقاتلوا، والختياريه كمان كانوا يتسلحوا بالجفت، كان الواحد يشتري ويدفع كل ما يملك عشان يجيب سلاح.
المحروقات غليت، التنكه اللي كانت بخمسين قرش صارت بعشر جنيهات، ومش مبينه، مفقوده يعني، الشباب ضحوا وراحوا، كان في شباب عندهم تركات وسيارات، يطلعوا ويساعدوا، ويضحوا، ويجيبوا محروقات بصعوبه.
عنا مصرش سيارات مفخخه، لانه احنا على الشارع الرئيسي، ودايمان كانوا الشباب يراقبوا الشارع، وقاعدين يستنوهم، بدهم يصطادوهم، يعني اذا بدهم يمروا، لازم يمروا من نص البلد، صارت عدة معارك، انا مره شاهدت الشباب لحقوا جماعه من اليهود، نطوا اليهود من السيارة يهربوا، بس الشباب لحقوهم وقتلوهم، والله وانا ولد شفتهم وهما لاحقينهم على الشارع الرئيسي في نص البلد وشفتهم وهما قتلوهم باب دار واحد اسمه الحج خميس.
اليهود بدهمش هدنه، بدهم يستولوا على البلاد. اذكر استشهد علي ابو تيمه، والحج ابو صفية كمان استشهد، بالخداع اجوه بالليل، قالوله احنا عرب، عالماتور تبع سيارته قتلوه، بعدين نسفوا بيارة الدرخم، كتير اللي راحوا، برده بيافا كان في ناس يشتغلوا من عنا من البلد، لما نُسفت السرايا بيافا راحوا تنين تلاته من عنا بالانفجار. انا شفت اليهود عدة مرات وهما يمروا من البلد، بس ما كانوا يفوتوا عليها، كانوا يمشوا على روحهم عل الشارع الرئيسي. كل بلد كانت تقوم بحالها لحالها، فشي، كله حكي فاضي، قالوا ابشروا، اجا جيش الانقاذ، اجوا خبطوا تل ابيب اكم قنبله من راجمات الالغام، صنع يدوي هدول، ضربوهم وانسحبوا، وقامت القيامة هديك الليله عشان ضربوهم. كانت المناوشات مستمره، يعني انا لما بدي اطلع ببيتنا من الطابق التحتاني لفوق، كان حياة الوالد ينام فوق، لما بدي اطلع انزله ينام تحت، كانت اخاف تيجيني رصاصة طايشه من الرشاشات، وكتير كمان هيك يصير يعني، الناس يخافوا ويحسبوا حساب.
احنا اتطمننا لما اجا جيش الانقاذ، اجو ضربو اكم قنبله وانسحبوا، مسقطتش يازور، يمكن انا ومحمد العارضه آخر ناس طلعنا من يازور، استوينا يومها. راحت بيت دجن قبلنا، واحنا صرنا محاصرين تقريباً في البلد، وبدنا نخرج، فش فائده يعني، وعلى اعصابنا بين هالبيارات للد والرمله مشي.
كانوا اهلي طالعين قبلنا باسبوع تقريباً، لما شفنا الوضع غير شكل، اختل التوازن فرحلناهم، وبعدين طلعنا احنا، اللي شجعني اطلع من البلد، انه مضلش حد بالبلد، البلد فضيت قبل ما يحتلوها اليهود، هيك تسمع انه بيت دجن مضلش فيها حدا، ولما طلعت ما حملت شي، الوالده حملت المصاري، وابوي حمل العفش، في ناس اخدت الغنم معهم.
نسفوا في يازور معمل التلج، وبيارة الدرخم فيها خنازير لواحد مسيحي، وفي ليله صار هجوم عالبلد، وكان ابن عمي مختار، الحج عثمان جبريل وتعرضنا للهجوم بمساندة الانجليز، الحج عثمان اجا ومسك الرشاش، ولقيه سخن، وقاللهم انتوا اللي قاعدين بتحاربوا فينا مع اليهود، قالوله امشي لاحسن نقتلك، كانوا متآمرين معهم. كانوا اليهود بالليل بيجو عالبيارات، ويبلشوا ضرب قذائف بالرشاشات، الصبح ننزل نلاقي الفشك والقنابل على الارض. يعني شو بده يحكي الواحد، يا ريت كان مات في هداك الوقت، لقيت قنبلة ميلز جديده، تاركينها، كنت اكفها من ورا واسحب الكبسوله واعاود اسكرها وازتها متنفجرش. البلد سقطت على سوا البلاد التانيه، صارت الناس تسمع انه البلد الفلانية سقطت وهيك سقطوا ورا بعض، كانت يافا خربانه عالآخر لما يازور سقطت.
انا رحت بعد احتلال السبعه وستين عالبلد، احنا دارنا طابقين كانت لقيتها رايحه، عاملين محلها جنينه، في محل اري كان ورا دارنا اسمه البوبريه، هدا اللي وقع فيه دايان مره وانكسرت ايده وهما بينقبوا علاثار، هدا يقال انه في شارع اربعين متر تحت الارض، وفيه دكاكين، وموجود لليوم، ومحوطين عليه. المدرسه لقيتها موجوده، المقبره تاعتنا جارفينها، كان في على الشارع مقبره لعيلتنا، جارفين نص المقبره، شفت القبور ومكسرين الشواهد تاعتها، في لهسه شوية قبور كان في جامع لقيته لساته موجود.
انحرق دمي وانا بشوف البلد هيك، انجرح قلبي من جوا، انا لما بلاقي البلد تلت ترباعا رايح، وبلاقي ناس غريبين فيها، وانا اللي صاير غريب، اجا اخوي زارني من اوروبا، وقعد تلاتين يوم، وقللي بدي اروح عيازور، صرنا كل يوم طول التلاتين يوم نروح عيازور، كل يوم ننزل عالبلد، حتى صدفت انه في واحد يهودي ساكن في دار هناك، بقوللنا انتوا كل يوم بترجعوا هون، حكا بالعربي معانا، قال انا هاي الأرض بنيت عليها طابقين وبدي ابني كمان طابق، وانتو شو بتوجوا بتساو هون؟ قلت هاي بلدي يازور، هون محل بيتنا، وعاملين فيه للمدخل بلاط، وزارعين زريعه، فقال لي اليهودي: هديك اليوم اجا كمان واحد وقال هدا بيتنا، قلت له هدا اخوي الكبير، اجا يشوف بيته من فتره وحكالي.
هلأ سكنوها ليازور يهود عراقيه، انا رحت عليها مره اول النكسه مع واحد قرايبنا كبير بالسن، قال هادا بيتي، فقلت له: لأ، مش هادا بيتك، هدا بيت الحج عبد العزيز تيم، اما بدك بيتك، تعال انا بتزكر لك وين بيتك، مسكته للزلمه، ومشيت، صرت اتزكر، كان في مسرابيه، دخلنا منها، وقلت له: امسك هي بيتك، تعال، هي هون بيت جلود، وهي الساحه اللي بتطلع على البوبريه، اتطلع الزلمه مزبوط، شاف شجرة نخل تاعة جيرانه القدامى، فقال لي: والله يا اخي زاكرتك قويه، مزبوط، هي نخلة جيراننا.
واحنا بنتحدث، الا وهاليهودي العراقي خارج هوا وزوجته، مرحبا يا عيني، شو بيكو يا عيني، قلله الزلمه: شو إش بينا؟ هدا بيتي اللي انتا ساكن فيه، قال له: شو بتقول: بقول! بقوللك هدا بيتي اللي انتا فيه، تعال، بوصفلك البيت بدون ما افوت عليه، فقله شو فيه للبيت، قلله شو لون البلاط، وقلله السقف شو مرسوم عليه، كانوا بالاول يرسموا ويزينوا السقف، قال له اليهودي: والله بتحكي صدق، اليهودي فوتنا عبيتنا، وقال لنا هدا بيتكم على عيني وراسي، وانا معترف، وانا وين بيتي؟ انا بيتي ببغداد، رجعوني عبغداد، والله وضيفنا الزلمه ضيافه عربيه.
في عنا شفير كان يشتغل عخط بغداد، اسمه الحج محمود، كان معانا بالمشوار، قلله انتا منين، من اي حاره ببغداد، صار يعدله شوارع وحارات بغداد، لعند ما قاله اليهودي، اوقف عيني، هاي الحاره حارتي، شلون بغداد، وصار اليهودي يدمّع ومرته صارت تبكي، وصار يقول: شلون بغداد عيني؟ انا كنت عايش فيها، انا مشاق، والله خدوا بلدكم ورجعونا لبغداد، وقال يا عمي: الله يجازيهم اللي كانوا السبب، العرب واليهود، بعديها قلناله إمنستأزن.
واحنا ماشيين، تهنا عن الشارع، ووقفنا نسأل واحنا بالسياره لأنه تهنا عن الطريق، سألناه وين الطريق اللي بتودي عنتانيا وطولكرم، طلع التاني عراقي، قال: هلا بيكو عيني، والله ما يصير، انتو الليله خطاري، يعني ضيوفي، قلناله يخلف عليك، دلنا عالطريق، قال هدا ما يصير، انا ابوي كان مُللا بالعراق، يعني شيخ، انا ما فلتكوا، بالاخر دلنا عالطريق وروحنا، هسه عاد بعدها رحنا عدة مرات عالبلد، الواحد كل مره بنزل قلبه بنزف دم عليها، كنا نروح عشوارع يافا المهجوره، وصرنا نتزكر كيف كانت يافا فايعه ايام زمان، وهلأ دكاكين مسكره ومهجوره، تبقى يافا متل النحل الناس فيها، كنا نروح عشط الشباب، نلاقي العالم من كل أنحاء فلسطين، صرنا نلاقيها جزينه، والله زي الحلم اللي ما بتصدق، أعوذ بالله.
انا مش ندمان اني شفتها، غلط الواحد ما يشوفها، ولو، بلده الواحد، بده يضل يرجع ويزورها، ويزكر اولاده فيها، انا عندي اوراق الطابو بالارض والبيت، محتفظ فيها. اليهود بانيين فيها اليوم، بس دكانة ابوي لليوم موجوده، رحت وشفتها، دكان على الشارع الرئيسي، فش ولا واحد بروح على البلد الا وبقول دكانة الحج سليم موجوده لساها على الشارع الرئيسي. دار ابن عمي احمد جبريل، رئيس القيادة العامه، لسه موجوده لليوم بيازور، في شوية دور لسه، اجو حطوا ايدهم على هاي البيوت، والبقيه هادينهم، الجامع عاملينه آثارات، البيارت حتى خالعينها من شروشها، في ناس بيروحوا بيوسخوا فيه.
احنا هاجرنا بموسم الحصيده، يعني الواحد كان يمشي بالزرع ميبينش، لما طلعنا مكانتش رمضان، بس اجا علينا رمضان بعديها، هاجرنا عاللد، مطولناش باللد، النا اقارب في نابلس، خرة ابوي من نابلس، فقلنا بنروح عنابلس، كلنا اجينا عنابلس، سكننا بمدرسة الغزاليه اول ما اجينا عنابلس، محل الطرمبه، ولقينا ناس من يافا فيها، قعدنا شوية باللد وطلعنا منها قبل ما تسقط.
قعدنا بالمدرسه، وكان زحمه، اتفقنا انا واخوتي نخرج من المدرسة، وأول ناس اجت عالمخيم هي احنا، نصبنا خيم، وقعدنا في الخيم، قعدنا في الخيم سنتين تلاته، واتجلت علينا، كنا نطلع من الخيمه نزيح التلج في ايدينا، بلاش توقع الخيمه، كنا تمنيه، بعديها بلشوا يحلقونا باقي الناس، أجوا من الشمال كمان ناس.
في ناس كانت مخبيه مصاريهم بالبلد، كانوا دافنينها، راحوا وجابوا مصاريهم. في ناس وقت الرحيل ماتو من العطش يوم اللد، الواحد يدشر امه واولاده لما هجموا اليهود عاللد، واحد بحكي لي وهما هاربين من اللد وطالعين على نعلين، وكانت رمضان، وصايمين، واتسلقوا هالجبال، والدنيا حر، كان الواحد يطلع لسانه هالطول، بس اسقيني، شو اللي بدك اياه خد، بس اسقيني. إنب عمي نزل في بير اثري عبى ابريق مي وطلع، لقى بنت بدها تموت عطش، اعمل معروف، بس اسقيني شربة ميه، قبل ما يروح يسقي امه اسقاها، واحد تاني اقسملي يمين بالله انه من العطش والمقط والجوع هجم على حردون بده ياكله. احنا اجينا عند نسايبنا على نابلس، في حارة الياسمينه في كنيسه للسمره، اجوا يسكنونا فيها، قلنالهم احنا بدنا دار للآجار، مبدناش نسكن بالكنيسه، ورحنا عالمخيم.
اول ما اجينا عنابلس، بقى معانا قرشين، كنا على وعود الدول العربية، انه اسرائيل مزعومه، وبكره مروحين، بس بعديها ثبتونا هون، بس لا بديل عن العوده، انا كنت اتمنى انه وانا بلعب بالقنبله يا ريتها انفجرت في هداك الوقت، وخلص، ولا هالعزاب، شو التعويض! بدك، دمك، أرضك، وطنك، اهلك، هناك قبر ابوي وقبور اهلي واولاد عمي وجدودي هناك، مش هون، احنا فروع تنتمي لهاي الجذور.
احنا لما بنروح بنقر الهم القرآن على ما بقي من القبور، اشي بحرق دم الواحد، إذا الامام علي مسكرينه، مقام الامام علي، قاعدين فيه حاخامات، مصنع النسيج تاع واحد سوري اسمه سلاته، وهيو شغال، مشغلينه اليهود، وكان في عنا معمل حلو، كان في صناعه بيازور، مش بس زراعه، انا لا يمكن انسى معالم البلد، هلأ بس اوصل يازور برجع خمسين سنه لورا، بتذكر كل الممرات بسرعه، ولا يمكن انساها.
ملاحظة: توفي ابو سليم جبريل بعد فترة وجيزة من عقد المقابلة معه.
شهود النكبة
روايات شفوية للشهود العيان على حرب عام 1948
اعداد: علاء ابو ضهير