ذكريات النكبة وأحلام العودة
بكل أمل وبابتسامة ارتسمت على وجهها المجعد تحدثت الحاجة أم تيسير الحنفي عن حلمها بالعودة إلى مدينة “اسدود” التي هاجرت منها صغيرة، إلا أن ما علق بذاكرتها بقي حاضرا في مخيلتها وكبر معها . . مضت السنون والحلم يكبر ويتوارثه أبناء وأحفاد أم تيسير .
من “اسدود” كانت بداية قصة التشرد التي ارتبطت بحرقة ظهرت مع آهاتها بالقول: كان عمري خمسة عشر عاما، عندما هاجرت برفقة زوجي وأسرتي إلى مدينة غزة . كنت وقتها حاملا في شهري السابع في اكبر أبنائي . كانت أيام الهجرة صعبة وآلام الحمل تزيد من ثقل تلك الأيام في ذاكرتي، فجاءتني آلام المخاض في الطريق، لكن الخوف كان أكبر من شعور الألم . ولما حانت اللحظة ساعدتني امرأة عجوز كانت برفقتنا على وضع طفلي الأول “تيسير” في شهره السابع، ليرتبط مولده بوقوع النكبة وينمو معه الألم والأمل معاً . . .
لم نكن نحمل سوى بعض الزاد . حفاة وشبه عراة في موسم الخريف . نركض مجتمعين حول بعضنا وأحد أعمامي خلفنا يعدنا كل دقيقة كي لا ننقص واحدا، نلتحف السماء ونفترش الأرض إلى أن وصلنا إلى مدينة غزة التي أصبحت في ما بعد مستقرنا ومحل اقامتنا . هنا في غزة وفي خيمة صغيرة وزعت علينا من هيئة الأمم المتحدة وسط معسكر الشاطئ كانت بداية رحلتنا مع اللجوء، بحسب أم تيسير .
آخر حديث أم تيسير كان أمنية بأن تعود إلى اسدود لتقضي ما تبقى لها من عمر وتموت وتدفن في ترابها . . .
جريدة الخليج 15/05/2010