معروف أشقر – أبو نعمة (1929): " مدرسة إقرث كانت حديثة، وبنيت بفترة الانتداب البريطاني في بداية الثلاثينات. أنا درست لصف السابع بإقرث، بس أنا لليوم بعدني بقرأ وبكتب وببعث مقالات ورسائل للصحف. أخوتي تعلموا بالمدرسة، عندي أخ خلّص ثاني عشر. بإقرث اللي كان يخلص صف سابع كان ينزل ع البصة أوعكا يكمّل تعليمه.
التعليم بإقرث كان منيح كثير، بذكر بحصص الإنجليزي كان مطلوب إنه بعد الدوام نحكي بس إنجليزي وممنوع عربي، عشان نقوّي انجليزياتنا. المعلم أيامها أعطانا خشبة صغير اسمها سيجنال (Signal)، بالأول كنا نسميها punishment يعني عقاب. وكان اللي يغلط ويحكي عربي يعطوه أولاد الصف السيجنال ويقولوا له take the signal. ولما يرجع الأولاد ع الصف كان الأستاذ يسأل مين كان معه السيجنال هذا الأسبوع واللي تكون معه كان الأستاذ يوقفه قدام الطلاب
وينقص له علامات أو كان يضربنا بالعصاية على أيدينا. مرّة ولد بالصف راح يطلب أكل من أمه، في واحد من صفّه كان عم براقبه، نزل الولد على سطح البيت وقال لأمه: صرّيلي عروس مجدرة. سمعه الطالب الثاني وقال له: take the signal (ضاحكاً). صار الولد يصرّخ عليه ويقله أمي يا دوب تعرف عربي بدك إياها تعرف انجليزي؟!.
معلم الإنجليزي كان من إقرث واسمه ذيب إلياس عطاالله. مرات الخوري كان يعلّمنا. وكان كمان عنا معلّم من علما الشعب (قرية بلبنان) اسمه ناصيف وديع صياح وكان مفروض يعلمنا انجليزي بالأضافة للمعلم ذيب. مرة بدرس الإنجليزي بدل ما يقول "ذا بوي" قال "زا بوي". آخر النهار أجا المعلم ذيب وقالنا فش إشي اسمه " زا بوي"، وطلّعوه من المدرسة وكمّل ذيب يعلمنا انجليزي.
آخر السنه طلبوا من الأولاد إنه كل واحد بدفع 20 قرش زيادة عشان يجيبوا معلم زيادة للمدرسة. دفعنا وجابوا لنا معلم من البصة اسمه فهد وديع فرح. تعلمنا عنده بس ما استفدنا منه ولا بأي درس غير بدروس الإنجليزي، علمنا قراءة، ترجمة، محادثات، إنشاء وقواعد. بس بحصص الجغرافيا كان يقعد ع الكرسي وينام.
البنات ما كانت تتعلم. مرّة جابوا معلمة فتحت صف للبنات بس ما كمّلت، ومرّة جابوا واحدة ثانية كانت متزوجة وزعلانة من جوزها، ودبرتلها واحدة شغل إنه تفتح مدرسة عنا. علمت سنة واحدة وبعدين رضيت مع جوزها وراحت. اللي أهلها اهتمّوا يعلموها بإقرث وكانت تيجي عند المعلم والمعلم يروح عندها،هي نورا سبيت (أم جريس أشقر). بذكر مرّة كانت
نورا حاملة تنكتين ميّ من النبع وراحت ترشّ الدخان بالأرض. أجا عليها بوليس إنجليزي وسألها بالإنجليزي: أنت ليه عم تشتغلي؟، ردت عليه بالإنجليزي وقالت له: I work to assist my parents because my father is an old man also my mother.
بسنة ال 47، صارت الأولاد تطلع من المدرسة بسبب الحرب والتوتر. وصار عدد طلاب الصف يتضاءل لحد ما صفّيت أنا لحالي. ساعتها اضطريت أطلع من المدرسة".
ألعاب الأطفال
أبو نعمة: " إحنا كنا نلعب كل أنواع الألعاب وعلى رأسها لعبة الفوتبول، الطابة عنا كانت مصنوعة من جلد الدواب. كنا نلعب لعبة النحلة والدبور، هاي اللعبة كان يوقف فيها شخصين ظهرهم لبعض، وأيديهم متشابكة، مرّة الأول يرفع زميله ومرّة الثاني. لعبة ثانية كان اسمها لعبة الشوكة، كنا نجمع حبوب من الزيتون أو الغار أو الزنزلخت ونخبيها تحت كومة تراب ناعم، وبعدها نبدأ بالبحث عنهم بالإبرة وهي عبارة عن شوكة نبات قاسي، في حال ظهرت حبتين سوا بخسر اللاعب وببدأ لاعب ثاني مكانه.
في كثير ألعاب ثانية كنا نلعبها مثل المنّة والزقال، الكازي، السبركي، الزقاليط، المراجيح، البنانير، مصارعة الديوك، البلابل، حامي بارد والغميضة. بذكر بالصيف كنا نتخبّأ بين شوالات القش ع البيادر ونصير ندوّر على بعض".
ويضيف أبو نعمة: " أنا واعي الإنجليز، بذكر كيف أخذوا جمال ونزلوا ع البصة وصاروا يفتحوا الشوارع على الحدود. وأول ما وصلت السيارات، مشينا حوالي 5 كيلومتر حتى نشوف شكل السيارات، وصارت تيجي الجنود والجيش، وبنوا المعسكرات وشقوا الشوارع. الفلسطيني اللي كان يعرف شوية إنجليزي وظفوه الإنجليز. بين سنة 36 وال 38 كانت الثورة، إحنا سمّيناها الثورة الضارة، لإنه الإنجليز واليهود، فسخوا قيادة الثورة وصار معهم كثير متعاونين. مرّة أجا الجيش الإنجليزي وطوّق بلدنا، وأجبرونا نسلم السلاح. بال 37 اتهم الثوار مختار بلدنا خليل يوسف سبيت إنه بتعاون مع الإنجليز، وقتلوه. اتهموه باطل، المختار وأهل البلد كانوا يبعثوا أكل للثوار بالوادي. انقتل لإنه العرب مش أوادم بحق بعضهم. بهاي السنوات الثوار قتلوا حوالي 40 مختار. أنا بذكر منيح اليوم اللي انقتل فيه، كانت الفترة بين أحد الشعانين لأحد الفصح، كان في صلوات، بهاي الفترة أجو اثنين من أمريكا والمختار عملهم عشاء بعد الصلاة مع بعض الختيارية من البلد. وهم قاعدين والاّ واحد من الثوار بنادي على المختار بقول له كلّم القائد. طلع المختار برّة وراح عند القائد، مشيو حوالي كيلو متر بالطريق الوعرة عند كرم الزيتون. الدنيا كانت ضوء قمر والناس قاعدة برّة. بعد شوي سمعنا طلق بارود. البلد فزعت وبتذكر بنته غصيبة صارت تنادي عليه: يابا، يابا. أمي كانت أقرب واحدة على المكان ولما وصلت عليه لاقته بعده بشخّر. الناس جابت سلّم خشب، حطّوه عليه وجابوه ع البلد، وبالبلد مات. الجيش الإنجليزي من بعدها عملوا معسكر، حوالي 400 دونم، وصاروا يجيبوا عليه المعتقلين والأسرى من كل القرى والمدن".
أبو نعمة: " قبل احتلال البلد بفترة قصيرة، قسم من الناس خاف وطلع من البلد. بيوم من الأيام روّحت ع البيت بساعات الظهر وما لاقيت البقرات. سألت أمي: يمّا وين البقرات؟، قالت لي: ودّيتهم مع عاطف على لبنان.
البقرات هدول إلنا وأنا بحبهم كثير، حياتنا هدول. زعلت عليهم كثير، ما أكلت ولا شربت، وقلت إنه أكيد في لعاطف أقارب بالقوزح (قرية لبنانية على الحدود)، ورحت ألحقه عشان أجيب البقرات. نزلت مشي على قوزح، سألت البيوت القريبة اللي على مدخل القرية إذا شافوا شاب أسمراني مع حوالي 12 راس بقر مرّ من هون، بس الناس ما عرفت. فكرت شوي وقلت أكيد راح على مروحين (قرية جنوب لبنان). مشيت من طريق القوزح على منطقة خلة وردة (شمالي النبي روبين) وأجيت على مروحين. سألت الناس وما حدا بعرف عن الموضوع.
قعدت على بير وفوقيـُّه دالية، وصرت أفكر وين راح عاطف مع البقرات. الناس قالت لي إفحص عند عرب البستان، هدول بدو من لبنان. الساعة وقتها صارت حوالي تسعة بالليل وكان معي عصاية صغيرة. رحت عند عرب البستان وصارت الكلاب تنبح علي، لإنه كل عربي من البدو كان عنده كلب حراسة. سألتهم عن البقرات بس ما شافوا إشي.
سحبت حالي ورجعت ع مروحين، وأنا ما بعرف وين راح عاطف مع بقراتنا. وإلاّ إجا عليّ واحد من بدو مروحين وقال لي شو رأيك تروح على بدو بركة الحجارة، هاي وين البيت الأبيض تبع هيئة الأمم اللي ببيـّن من كنيسة بلدنا، للجنوب بحوالي 400 متر. أخذت نفسي ومشيت ع عرب الحجارة، وسمعت كلاب تنبح، وهنالك لاقيت عاطف مع البقرات وشكرت الله وحمدته. ولما التقيت بعاطف قلت له: شو جابك لهون؟ يلّلا ضبّ البقرات وخلينا نروح على مروحين.
وصلنا مروحين 11 بالليل. دخّلنا البقرات بالحوش ونمنا، ثاني يوم قمنا سرحنا بالبقرات ونمنا كمان ليلة. ثاني ليلة رجعنا ع إقرث".
رفع الراية البيضاء على سطح الكنسية
أبو نعمة كان واحداً من هؤلاء الشباب المسلحين الذين عادوا، وعن هذا حدثنا قائلاً:
" أنا كنت مع الشباب اللي أجوا ووقفت مع الشباب اللي صفوهم ع الحيط وبذكر الخوف اللي كنّا حاسين فيه. بس بعد ما أفرجوا عنا رحنا حتى نفتح الطريق للكيبوتس. أنا كنت يومها صار لي يومين بدون أكل ونوم. رحت ع بيتنا، وبعد ما أكلت رحنا وصرنا نجيب حبال عشان نربطها باللغم ونسحبه. ولمّا خلصنا شغل روّحنا. أنا شخصيا قعدت يومين بالبيت ما طلعت، كنت حاسس بحزن كبير".
عن رحيله الى الرامة وهدم القرية حدثنا متأثراً أبو نعمة:
" أهل الرامة كانوا فلاحين وما كان عندهم موارد كثير، فصارت اللاجئين تطلب تصريح من الحاكم العسكري حتى يشتغلوا بأراضي خارج القرية. في ناس حصلت على تصاريح وفي ناس صارت تهرب بالخفية وتشتغل. بس اللي عزّ علينا مش الوضع المادي، اللي عزّ علينا هو إنه إحنا خسرنا وطننا.
بفترة الحكم العسكري كنا مسموح إلنا نزور البلد بس بيوم استقلال دولة اسرائيل، كانت الناس تسافر بدون تصاريح. بذكر أول زيارة الي لإقرث بعد التهجير، استأجرنا أنا وعائلتي سيارة مع شوفير من الرامة من دار مويس، ورحنا ع البلد. البلد يومها ما كانت مهدومة. أنا لما شفت البلد ظليتني أبكي أنا وعمتي مريم، من الحزن ما قدرت أروح ع بيتنا، شفت باب البيت من بعيد مفتوح والبلد فاضية. حسّيت بمشاعر غضب وخوف، والله ساعدني ما إنهار.
الناس يومها كانت متأكدة إنها راح ترجع ع بيوتها بإقرث. أهل البلد توجهوا للمحاكم الاسرائيلية وطالبنا بالعودة، لكن بنفس الفترة اللي حصلنا فيها على تأشيرات من المحكمة لدخول البلد والبدء بتجهيز وترميم البيوت استعداداً للعود، دخل الجيش ع البلد بليلة الميلاد سنة ال 51 وفجّر كل بيوتها بالألغام والمدفعيات ما عدا الكنيسة.
أنا لليوم بظلني حاسس إنه في إشي ناقص، كلمة وطن ناقصة. أنا بنام وبفيق وباكل وبظلّ فكري بالبلد، دائماً بزور البلد، وبقول كل الناس عايشة بوطنها إلا أنا وطني عايش فيّ.
حاولنا نستقر بالرامة وبيتنا كان أول بيت لاجئين اشتري بيت بالرامة، في البداية زعلوا علينا أهل إقرث، لإنهم فكرونا تنازلنا عن بلدنا، بس بعدين صاروا هم يشتروا بيوت وأراضي ويعمروا. هذا كان بسنوات ال 56 و57. أنا وأهلي اشتغلنا بالرامة، بس بعدها أنا رحت إشتغلت بالريفاينري بمصنع الزفتة وبسنة ال 71 أجينا ع كفرياسيف. أنا لليوم كل ما أكتب مقال بشي جريدة بمضي من تحت: معروف أشقر، إقرث، كفرياسف".
المصدر: موقع ذاكرات