آلاء قدورة – صيدا
وفي جولة أخرى من جولاتنا ( أنا وزميلتي دينا آغا) في مخيم عين الحلوة تشرفنا بلقاء الحاج محمد رشيد عيسى من بلدة صفورية.
بعد الترحيب وحسن الاستقبال بدأنا الحديث عن بلدة صفورية والقرى المحيطة بها وهي الناصرة، الرينة، المشهد، كفر كنا، عرابة، دير حنا، شفا عمرو، عيلوط، ومجيدل.
كانت البلدة مقسومة إلى قسمين، قسم منها عرف ببساتين صفورية، والآخر بصفورية البلدة وكانت تقع بين جبلين، وكان لـ "آل عيسى" بستان خاص بهم وكان لهم بيت في بستانهم وكل عملهم كان ينصب في بستانهم، وكان يمتد شارع معبد من الناصرة إلى شفا عمرو، ولكن وجد شارع فرعي يصل البساتين ببلدة صفورية. حيث كانت البلدة بعيدة حوالي 20 دقيقة عن البساتين، وكانت وسيلة النقل إلى الناصرة هي الدواب كالعادة ، أما إلى حيفا فبالسيارات وكانت البضاعة تحمل بالسيارات لتباع كمصدر رزق بعد أن كانت البساتين تؤمن الاكتفاء الذاتي.
أما بالنسبة إلى العائلات في صفورية فهي كثيرة جداً وقد ذكرا لنا بعضاً منها: آل عيسى، سليمان، طه، الحاج، وترد هذه العائلات إلى عائلة نجم، وموعد، السعدي، نوفل ، عقل ،عباس، الشريف، وكنعان.
ولكل عائلة تقريباً ديوان خاص بها، وكانت تقدم فيها القهوة السادة والشاي ويأتي من يريد أن "يدردش" ويروي حكاياته بين فترة العصر والمغرب، بعد الانتهاء من العمل، وكان العم محمد عبد المعطي صاحب ديوان، ورئيس البلدية هو صالح سليم سليمان.
وبدون شك كان هناك متسع للعلم في صفورية، ففي البلدة مدرسة في القلعة، ولكن الانجليز سرعان ما احتلوا القلعة ووضعوا مدرسة ثانية على رأس جبل ثان وعمّروا مدارس عدة للفتيات والصبية، وكانت القلعة التي احتلت من إثر الروم كان فيها لصف الرابع، أما المدرسة الثانية فلم تدم إلا بضعة أشهر حتى جاء اليهود وقصفوها.. ومن أراد أن يكمل الدراسة وصفوف الثانوي كان يذهب إلى الناصرة، ويذكر من الأساتذة فايق من سلوان ، وعبد الكريم الشريف ومحمد الموعد حيث درسوا التاريخ والجغرافيا والانجليزي أيضا. أما عن أصدقائه في صفورية فيذكر لنا "فرج موعد" الذي مايزال على قيد الحياة ويصادف أنه جار الحاج حاليا، وأحمد صالح الموعد.
وكان في البلدة أكثر من جامع حيث المسجد المتداول أكثر كان في وسط البلدة وكان واسعاً وشيخ الجامع أحمد سعد الدين وهو من كان يتولى خطبة الجمعة.
ومن أراد المتابعة الصحية والطبية يتوجه إلى دير تتولاه مجموعة راهبات حيث كنّ يتولين مهمة الحكمة والطبابة، ومن أساليبهم المعتمدة للطبابة إعطاء الابر والمراهم، وكانت الفتيات تدرس هناك حيث تقوم الراهبات بتعليمهن بعض الأمور المنزلية، إذ كان الدير إلى جانب البلد، أما سكان البلد فكانوا يذهبون إلى مستشفى الانجليز أو المستشفى النمساوي للطبابة.
وبالنسبة للثروة المائية في البلدة ففي وسط البساتين نبع ماء كان يسقي بساتين صفورية كلها ومشاريع قساطل لتصل المياه إلى أرجاء البساتين كلها. وكانت النساء في البلدة تنقل المياه في جرار وعلى الدواب، ولتسهيل عمليات الشرب والاستعمال قامت الحكومة بوضع "موتورات" لضخ المياه إلى خزانات لكي يستعين الأهالي بالماء لأعمالهم اليومية.
وكأي بلدة من بلدات فلسطين كان يوجد ديوان يتجمع فيه الرجال للتحدث والنقاش إضافة إلى وجود مسجل في الديوان الذي يملكه آل عيسى، والمالك عرف بـ "محمد سعيد".
إضافة إلى تعدد المهن من اللحّامين أحمد دكاكنة وآخر من آل شهاب، و"دياب أبو صلاح" بائع قماش، وخياطات كثر مثل راضية طه وهند طه ، والداية مسعدة "أم فؤاد" ، وعريفة وعائشة الأحمد، وحميدة طه.
والحلاق صالح جابر وفران من بيت نجار، ونجار عرف بـ خضر الذي كان يقوم بتجهيز أدوات الفلاحة من عصي وأدوات مختلفة.
ولكون بساتين صفورية شاسعة فقد احتوت على زراعات متعددة ومتنوعة، منها الرمان والقمح والشعير والسمسم والزيتون والليمون، وبعد تحقيق الاكتفاء الذاتي كانت البضائع تصدر إلى الناصرة وحيفا.
وكان عمه "محمد سعيد" صاحب معصرة زيتون وهو نفسه مالك الديوان لآل عيسى.
وكان في البلدة "بوليس" من رجال عرب ولهم نقطة محددة في البلدة حيث كان فيه بضعة رجال.
وعند سؤالنا عن رمضان أفادتنا الحاجة (زوجته) بأن كل الطعام كان من حواضر البيت كالحليب واللبنة والجبنة والخضار كلها من البيت فهي مؤن عادية موجودة في البيوت كل الوقت وكانوا يخبزون خبزهم الخاص بهم، إضافة إلى الحلاوة التي كانت تعتبر من أحد أهم المأكولات في رمضان وعلى السحور والتي كانت تشترى من الناصرة، وبعد رمضان ، في العيد عادة ما كانت تذبح الخواريف ، وتجهز المراجيح في البيوت حتى أن النساء الكبار في السن كنّ يتأرجحن على المراجيح فرحا بقدوم العيد ويخبزن الكعك وتوزع على الجيران، ويشترين القماش ويخطن الملابس الجديدة.
وعند سؤالنا عن الأفراح في البلدة سألنا عن فر حه هو، فضحك الحاج بوجود ابنه البكر الحاج رشيد عيسى ، فقد كان عرسه هادئاً نوعا ما لوجود حالة وفاة في البلدة حينذاك، وكأي عرس عادي قام الرجال بتحميم العريس وحلق شعره علما أنه لم يكن قد رأى العروس قبل يوم الزفاف، وكان "فرحان سليمان" هو من يقوم بالغناء في الحفلة ، وكان العروسان يصعدان على الخيل، حيث كانت العروس تصعد بمعاونة من أهلها، وكانت العروس تلف يدها بشاشة بيضاء حاملة الزهور رافعة إياها عالية رمزا للعفة والطهارة والعز، حيث يمتد العرس أسبوعاً كامل، في كل ليلة نشاط خاص إضافة إلى العزائم التي كان يأكل منها أهالي البلدة والمعازيم.
ولكبر مساحة صفورية فقد اشتملت على مقابر ثلاث أولها السعدية وخالد الوتد.
أما عن رجال وشباب البلدة فقد تطوع كثير منهم مع الأتراك والانجليز والبوليس.
وعن أحداث نكبة 1948 يقول الحاج: من كان في البساتين علم بقدوم اليهود، وكانت الدبابات قد بدأت بالهجوم من الجبهة التي تطل على شفا عمرو بعد أن كانوا قد احتلوها قبل أسبوع من ذلك الوقت، فكانت أول محطة – في رحلة التهجير - في سهل البطوف للحاج وأخته وعمه وأبيه، (أما الوالدة فكانت قد توفيت قبل ذلك التاريخ ببضع سنوات)، ثم إلى عرابه لبضعة أيام متجهين إلى بنت جبيل كمعظم أهالي صفورية، حيث ذاقوا المشقة والجوع في الأسبوع الذي مكثوا فيه في بنت جبيل، في حين كان الأهالي يشكرون ويحمدون بأهالي برجا التي كانت محطتهم التالية. في برجا سكنوا في شقة لمدة من الزمن، إلى أن عمروا مخيم عين الحلوة..
كانت جلستنا مع الحاج محمد مطولة مميزة، وهو رغم بعد المسافات وطول سنوات الغربة عن صفورية التي بلغت 63 عاماً، لايزال الأمل بالعودة إلى صفورية يسكن قلبه، وهو أمل يبدو أقرب إلى اليقين منه إلى التمني!!