يقدم الروائي الفلسطيني يحيى يخلف شهادة إنسانية لمرحلة تاريخية عاشها الشعب الفلسطيني بعد نكبة عام 1948 حيث توزع عدد كبير منه على مخيمات اللجوء في سورية والأردن ولبنان والضفة الغربية وقطاع غزة.
وعن روايته الجديدة "ماء السماء" قال يخلف لرويترز "هذه الرواية تجسيد وجداني لناس هم ليسوا أرقاما. كل فلسطيني له حكايته الخاصة وحياة الشعب الفلسطيني مجموعة من السرديات والقصص ذات الطابع الإنساني الذي واجه مصيرا قاسيا جدا عام 1948 ."
وأضاف "هذه الرواية هي الجزء الثاني من رواية (بحيرة وراء الريح) الصادرة 1992 والمترجمة إلى اللغة الانجليزية والتي تتناول حرب 1948 . ويتحدث الجزء الثاني عن شخصيات الرواية الأولى زمن اللجوء والشتات."
صدرت "ماء السماء" عن دار الشروق للنشر والتوزيع وتقع في 285 ورقة من القطع المتوسط على غلافها صورة لطفلين يجلسان على سور وينظران إلى داخل المخيم. ويتأثر الكاتب في روايته بتجربته الشخصية حيث عاش اللجوء بعد أن هاجرت أسرته من بلدة سمخ الواقعة على الشاطئ الجنوبي لبحيرة طبريا إلى الأردن في العام 1948 وكان عمره حينها أربع سنوات.
قال يخلف "هذه الرواية شهادة حارة عن مرحلة تاريخية في حياة الشعب الفلسطيني. الشخصيات موجودة في الواقع وان لم تكن بنفس الأسماء. النكبة ألقت بظلالها على مجمل حياة الناس."
وينطلق يخلف في روايته من بلدته سمخ ويقول "بعيدا عن سمخ وبحيرة طبريا الحياة موحشة.. صمت وانتظار. ينام راضي نوما قلقا... بعيدا عن سمخ الخوف والانتظار والليل قد ينهد أو ينهار."
وبعد تقديمه عرضا مفصلا لطريقة رحيل الناس من مكان إلى مكان عندما اندلعت الحرب عام 1948 وكيف سكن الناس في العراء بعيدصا عن منازلهم يذكر قصة من تلك القصص الكثيرة التي يتداولها اللاجئون عن نسوة فقدن أولادهن خلال رحلة الهروب من الحرب.
يقول في الرواية "أم حامد تشغل نفسها بالاعتناء بالطفلة الصغيرة التي وجدها أبو حامد على قارعة الطريق" وبما أن أم حامد لا تنجب الأطفال فقد طلبت من جارتها أم راضي أن ترضعها.
ويضيف "اعتنت خديجة (أم راضي) بالطفلة الرضيعة وللتعبير عن تعاطفها لم ترضع الطفلة بواسطة الزجاجة وإنما ألقمتها ثديها الأيمن وألقمت ثديها الأيسر لصغيرها ماهر."
أسماء كثيرة يستحضرها الراوي وهو يقدم هذه "الشهادة الحارة" عن اللاجئين الفلسطينيين ويواصل وصفه لصعوبة الحياة والرجال الذين وصلوا جسدا بلا روح. يقول "نام الرجال في الحظيرة. ناموا جنبا إلى جنب مع الدجاج والماعز والفرس الأصيلة والبغل العجوز."
ويتابع "منذ الآن ستأكل الغربة طبقات من إقدامهم. من الآن سيعرفون مذلة الغربة ومرارة الشتات. من الآن فصاعدا يتبدد شمل أهالي بلدنا فلعلهم يجدون صدرا فيه الحنان والرأفة.. لعلهم يجدون ظلا ظليلا يقيهم حر الأيام هكذا قال الحاج حسين" الذي يقدمه الكاتب كنموذج لعزيز قوم ذل.
وفيما ترد قصة مفاتيح المنازل التي حملها اللاجئون عند رحليهم عن منازلهم لاعتقادهم أنهم سيعودن إليها خلال أيام وأسابيع يشير الكاتب إلى أشياء أخرى "احدهما بيده رشمة الفرس المصنوعة من الصوف.. الآخر بيده مفتاح سيارته التي أخذها اليهود."
ويتحدث يخلف لرويترز عن مآسي النكبة فيقول "عندما اتسخت الحياة أصابت الإنسان والشجر والحيوان. النكبة ألقت بظلالها بشكل مأساوي على مجمل حياة الناس في المنافي."
وبعد سرد طويل ووصف لتلك الفرس الأصيلة المدللة العائدة إلى الحاج حسين التي هاجرت مع أولى أفواج اللاجئين يقول الكاتب "اسمعوا يا ناس.. الفرس البيضا الفرس المدللة إلى كان يطعمها الحاج حسين اللوز والسكر أيام البلاد ماتت. لم تمت موتا كريما وإنما فطست في خان حدو مثلما تفطس الكلاب. جاء التركتور وسحبها إلى المزبلة."
ويضيف "مضت الحياة في المخيم بشكل أو بآخر لكن الحاج حسين وجيه القوم وابن العز الذي كان من كبار الملاك في سمخ... انتهى به المطاف حارسا ورعيا لحديقة..."
تسرد الرواية قصصا انسانية لكل منها دلالتها عن الحب والحياة والبؤس كان ابطالها شخصيات حملت أسماء منها بدرية ونجيب وعبد الكريم الحمد والبسه والعمشة وفطيمة وراضي وماهر ونجيب وغيرهم.
قال يخلف "هذه رواية البسطاء الذين استطاعوا أن يواجهوا مكر التاريخ."
وأضاف "الحياة في مخيمات اللاجئين تحول الإنسان إلى رقم في سجلات الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين وتم إغفال تراجيديا المأساة وتفاصيل الحياة التي هي في الواقع منظومة هائلة من السرديات التي تمتلك الإيقاع الحزين وصراع البقاء وقوة الإنسان في الصمود وقدرته على التشبث بالأمل وحماية الذاكرة والهوية وإيمانه بحقوقه الوطنية وفي المقدمة حق العودة."
وتعود بنا الرواية مرة أخرى في نهايتها إلى تلك الطفلة التي وجدت على قارعة الطريق واسماها أبو حامد حين وجدها "ماء السماء" لتحمل اسم الرواية.. "هل تعلمين ماذا شعرت عندما اخبروني بحكاية ماء السماء؟ أحسست بان قلبي ينخلع من جذوره. إنها ابنة النكبة.. ابنة المأساة.. ابنة هذا الظلم الذي يملأ الكون."
وتضيف الرواية على لسان احد أبطالها نجيب الذي كان محاربا قبل أن يتحول إلى لاجئ "ومع ذلك يجب أن لا نفقد الأمل. جيل ماء السماء هو جيل الثورة القادمة." وترد عليه بدرية زوجته التي طلقها فيما مضى واعتقد أنها تزوجت من غيره ولكنها بقيت تنظره كل تلك السنين "وهل هناك ثورة قادمة؟"
وتختتم الرواية بعرض ترجيدي يوحي بأمل العودة لمعظم أبطالها ممن بقوا على قيد الحياة "نظر إلى طفلته (ماء السماء) وربت على كتفها ونظر إلى ماهر (أخي ماء السماء بالرضاعة) وداعب شعره ثم قال أبو حامد بصوت لا يخلو من الشجن هذا الذي ينزل علينا من ليس مطر الغيوم .. أنه الغيث.. أنه ماء السماء."
ويرى يخلف أنه "في اللحظة التي يكف الفلسطيني عن الحلم (بالعودة إلى الوطن) يكون قد دمر حلمه بنفسه."
المصدر: رويترز