جديدنا: وثيقة - مركز الوثائق الفلسطيني
نصف قرن من الزمن والمكان أشبه بمدينة مهجورة، مرعبة، لم يتبقَ فيها سوى أعشاب غريبة، وحشرات عجيبة ، وصدى رهيب يئن من سراديب حجرية ، إلا أن هذا المكان ، والمعروف بقصر الكايد، في بلدة سبسطية الأثرية، القريبة من مدينة نابلس،خلع ثوب كهولته، وهجرة إلى الآبد، متزينا بحلة بهية، أرجعته لسنوات صباه الأولى،وكله بفضل لجنة المرأة للعمل الاجتماعي، التي وقعت اتفاقية لترميم القصر مع مركز المعمار الشعبي" رواق" ، وبتمويل من الوكالة السويدية للتنمية والتعاون الدولي "سيدا" . الفارق يبدو جليا، حين تقف أمام بروايز لصور فوتوغرافية؛ تعرض البون ما بين الماضي والحاضر.. وفي تلك اللحظة بالذات يقودك الحنين، لصورة الشيخ احمد الكايد، مؤسس القصر، متمنيا أن تقترب منه، وتقفز للإطار، وتقف بجانبه لدقائق لا غير، والأمنية تبقى سرابا، والواقع يتجلى عندما تأتي عناية الكايد، وهي الحفيدة، والمشرفة على القصر، والمدير العام في وزارة الثقافة الفلسطينية. فاتحة صفحات مجلد التاريخ؛ لتسرد حكاية أجدادها الاماجد :" عائلتي عاشت في مراحل صراع طويلة ... والبداية كانت عندما طردت من قرية برقة المجاورة لتتخذ من منطقة جبلية مشرفة وجميلة حصنا دفاعيا لها، إلا أن الحصن لم يصمد في وجه غدر وخداع ماكر من عائلة منافسة، وبعد النزول من الحصن للبلدة أي سبسطية، تأسس القصر ؛ليعاصر عهد الإقطاعيين والعثمانيين ووو..". والكايد كان معروفا بوجاهته، ومنزلته المرموقة، كرجل إصلاح نبيل، وفي ذات نهار وبينما كان متوجها لصلح عشائري لبلدة مجاورة، طلب منه احد مرافقيه من الشيوخ، أن يتبادلا عباءاتهما ، أطاعه الشيخ، لكنه وبسبب هذا التغيير في اللبس، خسر حياته، وقتلته عائلة ما ، كان رجالها ينتظرون الشيخ الذي بادله في العباءة، وهنا رحل ككبش فداء بسبب خدعة الآخر. وبعد رحلة الشيخ لعالمه الأخير، استكملت زوجته البناء، والذي ساعدها كثيرا، عثورها على صندوق ذهبي، أثناء الحفر، الأمر الذي دفعها لتشييد قصر تشهد له المنطقة كلها، ويكون سندا لأبنائها الذكور، الستة. قبل الترميم ؟؟ بعد الترميم !! والقصر معقد في تصميمه، ومداخله، وحجراته، لا سيما وان تشييده تم على مراحل متباعدة ومختلفة، كبيوت مستقلة ومنفردة لأفراد العائلة، وتستغرب أن القصر لم يقتصر على غرف المعيشة فحسب، بل هناك زنزانة صغيرة، ومعتقل ضخم في الطابق العلوي بابه يمتاز بارتفاع عجيب، وأيضا البوابات الضخمة والقاعات الفسيحة وو. السيدة عناية، طوت صفحة الماضي؛ لتفتح صفحة جديدة من كتاب التاريخ المعاصر:" بخصوص الترميم استمر لحوالي ستة شهور تم خلالها تشغيل العمالة المحلية، وتم الاتفاق مع سيدا لاستئجار المكان لمدة 12 عاما تحت مسمى " قصر الكايد للتنمية المجتمعية" بمختلف أشكالها الثقافية والاقتصادية والسياسية". وعن طبيعة المشروعات التي تنوي لجنة المرأة بتنفيذها في القصر أردفت الكايد:" هناك بيت الكاتب الذي يهدف إلى تدريب الشباب على الكتابة الإبداعية ، وخلق فرص عمل للنساء في الصناعات الحرفية وتسويقها، وإنشاء مركز لهذه الحرف ولاتنسى المكتبة الالكترونية والمطعم التراثي والموسيقى الأصيلة واللقاءات والندوات والجلسات الأدبية باختصار القصر سيغير حياة البسطاء والفقراء للأفضل وستظل بوابته مشرعة للمجتمع الفلسطيني ومؤسساته ...". والكايد والتي لم تتخيل، ولو حلما، أن عملية ترميم وتجميل القصر ستظهره بهذه الروعة ، لاسيما وانه كان في عداد البيوت الآيلة للسقوط والآثار المهددة بالاندثار . لكن ومنذ اليوم ستتربع، السيدة الكايد، على كرسي عزة أجدادها وماضيهم العريق، كملكة كنعانية الأصل، فلسطينية الانتماء.
المصدر: هاني كايد