عمر قاسم موسى مواليد 1940 سحماتا – فلسطين المحتلة.
يروي عمر موسى (أبو خالد) ما يذكره في بلده التي أمضى فيها أول ثمانية سنين من عمره وما حفظه عن والديه وجمعه في ذاكرته بادئاً حديثه من أكثر شيء يذكره، فيقول: "في الفترة الأولى من حياتي وأنا في فلسطين أذكر البلد (القلعة) التي هي من عهد البيزنطيين وهي أعلى منطقة مشرفة على البلد وأذكر الحي الذي كنت فيه، وفي وسط سحماتا في بركة، هذه البركة كنا نسبح فيها، وبجانبها حائط مرتفع كنا نقفز منه إلى البركة، وكانت الناس والشباب يلعبون مع بعضهم البعض في البركة، وكان في سحماتا أيضاً بركة أخرى خاصة للبقر والطرش لتشرب منها".
"تلقيتُ دروسي في مدرسة داخل سحماتا، لمدة أقل من سنة، كان يوجد في القرية مدرستين، مدرسة زراعية، وتعلمنا فيها سنة، وفي النكبة 1948، خرجنا. أذكر بعض الأساتذة كان يعلمونا، كان هناك أستاذ من البقيعة يعلمنا أناشيد وطنية (بلاد العرب أوطاني)، وأذكرها منذ دراستي، وكنا نتعلم بكتاب إسمه راس روس، وكان فيه بعض الأغاني الوطنية".
وكان في المدرسة نشاطات رياضية أثناء الفرصة، هي فترة عدم إعطاء الدروس، وأيضاً رحلات محلية، كنا نذهب رحلات داخل سحماتا ليعرفونا إلى معالم البلد.
في أحدى المرات ذهبت إلى البقيعة خارج سحماتا، حيث كان لنا أصدقاء نذهب عادة لزيارتهم مع الأهل.
ما يميزنا في فلسطين بشكل عام وفي بلدنا بشكل خاص، كنا كعائلة واحدة مسلمين ومسيحيين. كان في ثلاث مخاتير، ولكن لم نكن نميز بينهم. لذلك الناس كانت تلتقي بكل الأفراح والمناسبات الدينية مع بعضهم البعض، والزيارات تقوم بينهم في الأعياد قائمة وبقيت هذه العلاقات مستمرة حتى خارج فلسطين، وعند لقاء أي مسيحي من سحماتا يضرب المثل عن التعاون والمحبة والألفة بينهم وبين المسلمين. وهم جميعاً شكلوا لاحقاً لجنة لأبناء سحماتا، المسيحيين والمسلمين أنشأوا منظمة كشفية لتعريف أبناء سحماتا بالأرض.
في 1948، لم نكن نعي كثيراً ما كان يحدث حولنا، ولكن نذكر في ذلك الوقت القصف للمدن والقرى، وأذكر كنت أركض بين التين والزيتون، وأذكر زوجة عمي موزة (زوجة أسعد نمر موسى) كانت تجلس تحت شجرة الزيتون مع العائلة، فقصفت الطائرة، واستشهد عدد كثير منهم ومن بينهم الحاجة موزة.
مشهد الخروج من سحماتا كان مؤلم جداً، والدي بقي في سحماتا، بينما أنا وأخي الكبير ذهبنا إلى قرية الرميش جنوب لبنان، لكن والدي عاد وتبعنا بعدها إلى الرميش في وقت لاحق.
الدروز كانوا يأتوا لرميش ليسرقوا وينهبوا البيوت، ووالدي كان يمنعهم، فجاء الدروز وخطفوا والدي من الرميش وأخذوه إلى فلسطين وكانت الناس عندها الأمل بالعودة والدروز لم يقتلوه بل أخذوه إلى ترشيحا واليهود حكموه وبعدها حققوا معه بتهمة المساهمة بحرق ضابط يهودي في سحماتا. طبعاً والدي نكر هذه الرواية وخرج بريء وفي الآخر حكموه ووضعوه عند الحدود الأردنية. فجاء من الأردن إلى سوريا وثم الينا في لبنان.
بعد هذه العودة نصحونا بأن لا نبقى بالرميش وطلعنا على العباسية، وتعلمنا بالعباسية بمدرسة رسمية 4 سنوات وكنا ننزل نتعلم بصور بمدرسة الإتحاد والشبيبة المسيحية مديرها من بيت شماس، تعلمت للسادس الإبتدائي بالمدرسة الجعفرية بال 1954.
الناس خرجت على أساس أن الخروج مؤقت، ولكن بدأ هذا الحلم يتبدد بعدما لمسنا أن الصليب الأحمر والدول العربية والإمكانيات والأمم المتحدة بدأت تقدم المساعدات وتوزع الفلسطينيين على المخيمات وعلى المناطق في لبنان، وطبعاً بتسهيل من الدولة اللبنانية. وبدأت بذلك الحين تعمل إحصاءات للفلسطنيين اللاجئين الموجودين بالقرى والمخيمات.
من خلال المسار التاريخي منذ 63 سنة إستطاع الشعب الفلسطيني أن يتحول من لاجىء إلى شعب له قضية وثائر.. وبالفعل نضاله المستمر رغم كل الظروف الصعبة المحيطة الدولية والعربية أثبت أنه شعب الجبارين وشعب يستمر بالنضال بكل الأشكال مارس الكفاح المسلح من الخارج وحالياً عاد إلى الداخل والثورة مستمرة بكل أشكالها وفي طليعتها المقاومة المسلحة والعودة حتمية لهذا الشعب والإحتلال إلى زوال مهما طال الزمن وهذا قانون وحقائق التاريخ والعدو الصهيوني رغم ذلك سيزول.
نرفض التوطين ونحن متمسكون بحق العودة، فالعودة حق مقدس لا يجوز لأي جهة شخصية أو جماعية أن تصادر هذا الحق الفردي والجماعي للشعب الفلسطيني.
العودة حتمية لا بد منها ولكنها ليست مرهونة بزمن وهي حقيقة تاريخية مرهونة بإرادة الشعب الفلسطيني، ولن نرضى عن فلسطين بديل، رغم أنها تقام دولة على أراضي 67 ولكن لا بديل عن فلسطين التاريخية من النهر للبحر.
أنا انخرطت بالعمل الوطني منذ الستينيات "بحركة القوميين العرب" وطبعاً عنا قناعة وفكر سياسي عشنا له وتعذبنا من هذا الجانب، وأولادي كلهم يفهمون هذه الحقيقة، وذهبنا دورات خارجية عسكرية، وهذه الفكرة والقناعة متجذرة بأولادنا وأولاد أولادنا.
هذه الفكرة لم أفرضها عليهم، ولكن من خلال عملنا الوطني طيلة الفترة الماضية. أنا أُصبت في سنة السبعين، في أول هجوم عسكري إسرائيلي على منطقة العرقوب، وعلى إثرها صار عندي ضعف بالنظر، وهذا الموضوع لا زال شاهداً على استمرار عملنا وقناعتنا ولا بد أن تتحقق.
هوية - طلية / لبنان