الدبابة كانت ترُش على الجهتين... ذبّحوا الناس وصاروا يطردوهم، الجيش يقول للناس "يللا على عبد الله .. عند الملك عبد الله ..عبد الله اشتراكم".. وصارت الناس تطلع وتهرب.. في وحده كانت حاطه ابنها عم بتحممه بالطشط، تركته بالمي وهربت... كانوا يأخذوا الشباب على الأسر.. اعتقلوا أخوي عبد الحميد واخوي الثاني أحمد، الله يرحمه، أخذوهم على الأسر وقعدوا هناك سنتين.
خان الحلو في مدينة اللد
قبل الاحتلال كانت اللّد حلوه كتير، أبوي كان فلاح يبيع خضار، كل يوم يبعث أوطومبيلين ليافا وأوطومبيل لحيفا فيهم كل أنواع الخضار. عدد سكان اللد الأصليين قبل الحرب كان ستة وخمسين ألف. بناية البلدية بعدها موجودة وما هدّوها، اللد كان فيها كل شي، لأنها كانت مركز للتجّار.
أبوي كان عنده أراضي كثيرة، مثلا عنده جنب المطار حوالي مئة دونم. ارض الشيكونات اليوم كان النا فيها ثلاثين دونم وكان عنا كرم كله زيتون. بال 1959 جاب أبوي محامي عشان يرجع له الأرض ، أعطوه بالآخر بس 77 دونم وقالوا له باقي الأرض مصادره. إخوتي تقاسموا الأرض بعدها وبنوا عليها.
اللد كان فيها خان اسمه خان الملكة هيلانه .. قبل صلاح الدين الأيوبي .. هيلانه كانت مسيحيّه، كانت ملكه بفلسطين وباللد عندها قصر كان فيه فسيفساء، الفسيفساء كانت بالطابق الأول والتاني والثالث، قدام القصر كان الحمّام .. أنا تحمّمت بالحمّام أكثر من مرّه وأنا صغيره... كنت أروح مع ستي، كانوا بفتحوه للنسوان يوم وللرجال يوم، مثل الحمّام التركي .. عليه قبة وقزاز أحمر وأخضر وأصفر.. إسرائيل هدّت الخان والقصر.
جنب القصر كان قصر النقيب، قصر جدنا، كمان هدّوه، دار النقيب أغنياء، كانوا يمكلوا ب "نيشر" كتير أراضي ...خسارة !! اللد كان فيها آثار قديمه وحلوه، هدوها.
المحكمة التركية كانت وين بنوا المتناس اليوم، كان فيها 3 كراسي محطوطين من حجر أحمر منقوش، اليهود هدّوا اللد من 1951 عشان قاومت كثير.
الهجوم على اللد ومذبحة جامع دهمش
الحرب بالأول بدأت من فوق، من سَلمه ويافا والمنشيّة، صار اليهود يطردوا الناس، والناس صارت تيجي وتقعد باللد... قعدوا سنتين من 1945 لل 1947 وصاروا يقاوموا. اليهود أخذوا منّا المطار وصاروا يضربوا علينا مدافع. الجيش اليهودي الإسرائيلي يضرب.. ويضرب والعرب يقاوموا بس ما يقدروا يردّوهم لأنه ما كان عندهم سلاح، الواحد بلا سلاح ما بنفع ؟ كل واحد معه كم من ليره فلسطيني يروح يشتري باروده عشان يدافع عن أولاده. كيف اليوم الفلسطينية ؟؟ لا دبابة ولا طياره!؟ نفس الشيء ب 1948، اليهود اخذوا سلاح من الانجليز وصاروا يضربوا علينا.
لما صار الهجوم، اللد قاومت كثير من الجهة الغربية واليهود هجموا من الجهة الشرقية ودخلوا عليها... أوّل ما عملوا كان مذبحه بجامع دَهمش، 97 شخص بالجامع قتلوا غير اللي ذبحوهم عند بير الزيبق، الناس هربت... في الحرب الكل بيصير يهرب.
"يللا على عبد الله ..عبد الله اشتراكم"
الدبابة كانت ترُش على الجهتين... ذبّحوا الناس وصاروا يطردوهم، الجيش يقول للناس "يللا على عبد الله .. عند الملك عبد الله ..عبد الله اشتراكم".. وصارت الناس تطلع وتهرب.. في وحده كانت حاطه ابنها عم بتحممه بالطشط، تركته بالمي وهربت... كانوا يأخذوا الشباب على الأسر.. اعتقلوا أخوي عبد الحميد واخوي الثاني أحمد، الله يرحمه، أخذوهم على الأسر وقعدوا هناك سنتين. عبد الحميد كان عمره 19 سنه أو عشرين، وأحمد كان عمره 22 أو 23 سنه.. أخذوهم على معتقل صرفند بعدين على سجن عتليت جنب طريق حيفا، هم ما عملوا شيء، سألوهم إذا كانوا بالجيش الفلسطيني، قالوا لا .. ما صدقوهم وأخذوهم .. أخذوا أولاد عمي الشيخ الاثنين مع إخوتي، قال أبوي أنا من اللد مش طالع.. أولادي الاثنين هون أنا بدّي أضل هون.. يقولوا له يا حج اطلع، يقللهم ما بدّي أروح عند عبد الله ولا عند فاروق...أنا قاعد هون باللد وما راح اطلع... وضلّينا قاعدين... الجيش كان ييجي يأخذ الناس.. واللي بقوا كانوا أغلبيتهم كبار في السن.
المقاومة باللد كانت مخلوطه.. الملك عبد الله بعت جنود يساعدوا الفلسطينية !! والله قصده يساعدوا الجيش الإسرائيلي !! الجندي منهم بدل ما يلبس حذاء بسطار كان يلبس زنّوبه صغيره بس هالأصبع، حافي وماشي، حاطط السلاح وماشي كأنه براعي غنم وبقر... إذا بشوفوا واحد عربي واللا يهودي كانوا يطخّوه ويأخذوا بارودته ويبيعوها.. فوضى... فوضى
حرق جثث القتلى
التهجير كان صعب.. جنب كل شجره كان في خيمة، والله ما بكذب..أنا بعرف كل اللي باللد، كانوا اللاجئين ييجوا على كرم أبوي ...عنّا المي كانت طايحه ليل ونهار وأمي عامله فرن تخبز وتعجن طول النهار وتبعت للاجئين من سلمه وبيت دجن.. أنا بعرف اليوم مين ساكن باللد ومن أي بلد ، هذا من سرفند.. هذا من بيت دجن.. هذا من السفريّه.. هذا من كفر عانا.. هذا من كريات اونو... كلهم بعرفهم لأنهم كانوا ييجوا عنّا يملوا المي ويخبزوا.. اللاجئين اللي أجو على اللد قبل المذبحة قعدوا سنتين فيها.
باللد صارت معركة ومجزره كبيره، شجره الزيتون هاي ضربوها بالمدفع ووقعت عليّ، أنا ما تصاوبت بس ماتوا ثلاث شباب... كثير انقتلوا ناس...النكبة كانت قويه، مش كل اللي ماتوا من اللد كان في لاجئين كمان ماتوا.. كانوا هاجمين علينا من وادي الخيار من الصرفند وإحنا نقاوم.
اللي ماتوا بالمذبحة كانوا مختلطين، قسم من اللد وقسم من اللاجئين، من صرفند وسلمة ومن كل مكان، راحوا على الجامع يتحاموا.
اللي ماتوا باللد مش كلهم من المقاومة، في منهم كثير عائلات، في عائله أم وابنها وبنتها وجوزها وأخوها طالعين مع بعض بدهم يهربوا، أجا واحد حط الرشاش وقتلهم.. ماتوا كثير... كثير... والله كثير .. أكتر البلاد التي ماتوا فيها كانت اللد والرمله .. لا باللد أكثر !!.. بالرمله هجموا الجيش على عائله الهرباوي اللي كانت ساكني وين محطة البنزين بالطريق على صرفند، هجموا عليهم بالليل وقتّلوا منهم حوالي عشرين واحد ..
بعد ألمذبحه عند بير الزيبق أجا اليهود بعد ستة أيام، وقالوا بدكم تلمّوا الجثث بعيد.. لأنه الميّت بنتفخ وبتصير ريحته طالعه، حوالي 200 -300 جثه، حطوهم في ساحة المقبرة وحرقوهم.. كان واحد اسمه علي الخليلي .. من اللد.. عنده عرباي وحصان .. قالوله تعال حط العرباي ولِم الجثث.. قام وصار يلم الجثث ويجيبهم على المقبرة عشان يحرقوهم .. شاف أم ميتة وطفل عمره حوالي 8 أشهر عم بزحف على الأرض جنب أمه بده يرضع منها، أسبوع برضع حليب أمه وهي ميتة، أخذه الخليلي اللي ما كان عنده أولاد .. الجندي اللي معه قال له أعطيني الولد... الخليلي وقتها كان معه جنديين لأنه ما حدا بمشي لحالو إلا مع حرس.. قال له والله يا خواجا ما عندي أولاد... خلّيني اربي الولد، .. قال له لا ممنوع، اخذ الجندي الطفل، حطّه على الأرض وطخّه، الخليلي صار يبكي ودفن الطفل مع أمه.
الحياة كانت صعبه كانت، الناس كانت يخزنوا الأكل، عنا كل الكرم كان خضرا، بندورة، خيار، فقوس... كل شي.. إحنا نوكل واللاجئين اللي ضلّوا يلقطوا ويوكلوا معنا، عنا زيت وعنا دجاج وزغاليل وحمام... اللي بدّو يطلع كان يخاف يخاطر بحياته.. اللي يلاقوه ماشي هيك وهيك يطخّوه، الجيش كان متوحش، بطخ ما برحم.
جيتو اللد
بعدين أخذونا اليهود وطوّقونا .. قالولنا لازم تنزلوا على"الجيتو"... عند المستشفى والكنيسة والجامع، ضلينا بالجيتو حوالي سنتين، حطّونا وسيّجوا داير مدار سلك.. ما حدا تجرأ يقرّب من السياج ... ما بعرف قديش ضل من اللد ألف..ألفين..!! من أهل اللد الأصليين ما بقي كثير بعد الحرب... من عنا كان أبوي وعمّي وعائلتهم... بس مثلا دار الميمي ودار الحصّوني ما بقي ولا واحد منهم ... كلهم هاجروا برّا وما رجع حدا.. دار النقيب مثلا رحلوا معظمهم ب 1948..عائله جوزي أبو سليم – دار العزوق معظمهم هاجرو على الأردن.
تارخ تسجيل الشهادة: 13.2.2005
المرسل: النقيب
alnkeeb@hotmail.com