يروي الحاج حادثة دخول اليهود الى القرية فيقول: «القوات الاسرائيلية دخلت من محورين واتجهت نحو سحماتا، كان جيش الانقاذ موجوداً، ولكنه إنسحب فاستأجرت اسرائيل طيران تشيكي، طيران تجاري وليس حربي، تضرب البلد من العقبة لشرقي البلد. هذا في فترة الظهر، وعند المغرب تضرب البلد من جهة الشمالية من شرقي البلد لغربها للعقبة».
الناس خرجت من بيوتها وجلست في الأراضي المحيطة تحت الزيتون، أذكر كنا قاعدين عند زيتون ناحية مغارة تلما وقت القصف من الجهة الشمالية، بيتنا بالجهة الشمالية، كانت الناس تمون حطب وتبن للدواب فهبت النار بيتنا، فعدنا من المغارة للبلد وأطفأنا النار، ومن ثم رجعنا الى المغارة.
والجيش الاسرائيلي استمر بالزحف أول بأول، فصار يضرب من العقبة من فوق لتصل القذائف الى البلد، وسقط بعضها على بابور الطحين، وعلى بابور الزيت. بعد ذلك صار الناس يهجرون البلد كلياً. نحنا كنا مع دار عمي خالد (أبو وليد)، عمي خالد (أهل مرته) طلعوا لعند أهلها وذهبوا الى الرميش عن طريق دبل، فودّع أبي وعمي وصاروا يبكون لأن والدي لم يكن يريد الخروج وعمّي يريد الخروج مع عائلته، وصرنا نبكي جميعاً، وعند وصول عمي للوادي في الأسفل، نادى والدي عمي وقال له: خذ عائلتي معك، وأنا إن وجدت الظروف تغيرت ألحق بكم. عند الخروج من فلسطين، كنا أنا وأخوتي أحمد ومحمد وسعدة وقطفة وأولاد عمي وليد ووليدة.
نزلنا مع دار عمي على دبل. ثاني يوم فاتت إسرائيل على البلد، وينادوا بمكبرات الصوت، لتسلّم الناس سلاحها.
سلّم أبي مع الناس الذين سلموا، عندما طلبوا من كل واحد تسليم بارودته، فأرسل اليهود شخص درزي مع والدي ليحضروا البارودة. كان أبي وعمي قد دافنا البارودتين مع بعض، أخذ أبي البارودة، وبقيت واحدة، فسأله الدرزي لمن هذه؟ فقال له أبي: هذه لأخي، فقال الدرزي أنت كذاب، وقال لأبي لا، فأطلق النار على أبي، وعاد الدرزي مع بارودتين. فقال له سوف تموت مثل ما قتلته، وكسر البارودة.
هذه القصص وصلت والدتي، وعندما جاء الخبر، قالت أريد أجد أين دفن وماذا حصل. فجاءت الى البلد ووجدت أن الناس دفنته تحت عامود الزيتون للمسيحية عند الشارع وذهبت الى البيت وجدت ان البقرات أيضاً مقتولات ومطلق عليهن النار، فعادت بعدما تأكّدت من وفاته.
قالت والدتي أنه لم يكن بإستطاعتها الاقتراب من مكان الدفن لوجود دوريات هناك.
عند الإستقرار بلبنان، كنا بالأول بدبل، كانوا جماعتنا الذين كانوا بدبل ذهبوا الى رميش، وحملنا حالنا ونقلنا الى رميش. بقينا مدة 10 15 يوم ونقلونا الى برج الشمالي، بالبرج أحضروا لنا شوادر، سكنا فيها. وأخيراً نقلونا الى بعلبك، حيث بقينا ببعلبك 15 سنة، ثم عدنا الى الرشدية.
في ناس عادت الى البلد (فلسطين)، ولكن أحد من أقاربي لم يرجع الى سحماتا. وعند الإنتقال من البرج الشمالي نقلونا بباصات الى بعلبك. وبقينا في بعلبك لسنة 1963 ثم الى الراشدية.
والدتي خرجت ومعها أوراق من فلسطين، وقت ما رجعت كنا عاكلين 5 أو 6 براميل زيت كبار بين حائطين، وعندما وجدت البقرات مقتولات والبيت مدمر، ولم يبقى سوى الزيت، فقالت الحمد لله إذا رجعنا في زيت بالبيت.
أقول دائماً فليأخذوا كل ما أملك ويعطوني مغارة في فلسطين لأسكن فيها، عند فلسطين باقي بدبل، والذي ليس له دين وليس له كرامة. فلسطين دائماً في بالي وبمخيلتي.
على قدر الإمكان دائماً نتحدث عن فلسطين، ليبق الذكرى. وفي حال العودة، عندي استعداد لأعود ولو على المغارة. بس أرجع، كل واحد ينتبه لوضعه ويخلي فلسطين في باله، ويعمل كل جهده لإعادة فلسطين.