| المقال |

بديعة زيدان
ولد حسن شاويش (أبو هشام)، في سنة 1936، أي في عام الثورة الفلسطينية ضد الاحتلال البريطاني، أو ما يطلق عليه بعض من الباحثين والمؤرخين لقب «الانتداب»، في قرية «غوير أبو شوشة» ـ قضاء طبريا، والتي هُجِّر منها عنوة بينما كان في الثانية والعشرين. لا تزال ذاكرته متقدة على الرغم من مرور السنين وتوالي المآسي، حيث يقول: أتذكر منزلنا حجراً حجراً. أتذكر ملاعبنا ونحن أطفال. وأتذكر حكايات كثيرة عن والدي وعن آخرين.
ويضيف: أمضيت 22 عاماً في قريتنا، وما زلت أتذكرها كأن الزمن لم ولن يتوقف، لكن الأهم أنني ما زلت أرغب في العودة إلى القرية، بل إنني أودعت كواشين البيت والحاكورة أمانة لدى أحد أبنائي.
قرية غوير أبو شوشة، من قرى قضاء طبريا، محاطة بأراضي الطابغة وياقوق والمغار والمستوطنات اليهودية المجاورة (غينوسار المجدل). وتحدها شمالاً بلدة (النويرية - عرب القديرية)، وجنوباً بلدة المجدل، أما شرقاً فتحدها بحيرة طبرية، ومن الغرب الوعرة السودا باتجاه عرب المواسي. تتميز الغوير بمناخ معتدل ودافئ في الشتاء وشديد الحرارة في الصيف، لكونها جزءاً من منطقة الأغوار ذات الحرارة المعتدلة في الشتاء والمرتفعة في الصيف، إضافة إلى توافر التربة الخصبة والمياه الغزيرة. ونظراً لما تتمتع به قرية الغوير من مناخ جيد وتربة خصبة، فقد كان المثل يضرب في خضرتها، بينما كانت الطرق التي تصل حارات القرية بعضها ببعض غير معبدة، وكانت هناك طريق رئيسية معبدة تصل طبريا بصفد، وطريق ترابية فرعية تربط غوير أبو شوشة بطريق طبريا ـ صفد العام، كما كانت هناك طرق فرعية أخرى تصلها بالقرى المجاورة.
عن احتلال طبريا وتهجير أهلها، يقول شاويش: كنا ننظر إلى هذه المستعمرات (الكبانيات كما كنا نطلق عليها) بريبة وحذر، بسبب قيامها على أراضينا الفلسطينية، وقد وقع ما كنا نخشاه من هذه المستعمرات، حيث تفجرت الأحداث بسرعة، وشاءت الأقدار أن تكون طبريا كبش الفداء بين المدن الفلسطينية، فاندلعت الأحداث فيها مبكراً ولم تصمد كثيراً، حيث كان الإعداد لاحتلالها كبيراً، ما جعلها تسقط في 19 نيسان/ أبريل 1948.
قبل سقوط قريتنا غوير أبو شوشة بعشرة أيام، وقبل سقوط طبريا بثمانية أيام، أي في 11 نيسان، جاءت إلى القرية قوة عسكرية من جيش الإنقاذ كانت متمركزة في قرية المغار، فاستقبلهم المختار فايز الخميس ووجهاء القرية، وأخبروا المختار أنهم وحدة كلفتها القيادة حماية القرية من الهجمات اليهودية، فرحب بهم الأهالي وأحسنوا ضيافتهم. أما الصهيونيون في المستعمرات فقد كانوا يراقبون المشهد عبر عيونهم المندسة في كل مكان، فعلموا بشأن هذه الوحدة التي دخلت القرية، وعرفوا عددها وعدتها. ويضيف حسن شاويش: عند المساء، أخبر قائد الوحدة العسكرية المختار فايز الخميس أنّ الأوامر صدرت إليه بأن يغادر مع وحدته القرية ويعود إلى مركز القيادة في قرية المغار. فوجئ الجميع بهذا القرار، وطلب وجهاء القرية من آمر الوحدة أن يعطوا المدافعين عن القرية بعض الأسلحة الخفيفة، لأن أبناءها لا يملكون غير بارودتين فقط. رُفض طلبهم وانسحبت الوحدة من دون تقديم المبرر الكافي للأهالي، إلا أن أمراً من القيادة طلب منهم ذلك.
في تلك الليلة، يتابع شاويش، وعند الساعة الثانية عشرة، أحاط المستوطنون المقيمون في المستعمرات القريبة بالقرية وهاجموها، وبسرعة تموضع حسن الغوطاني الذي كان يملك بارودة في الجنوب، ومثقال المرعي الذي كان أيضاً يمتلك بارودة في الشمال، وشرعا يطلقان النار بالتبادل، طلقة من الشمال وأخرى من الجنوب، واليهود يردون على تلك الرصاصات. ومن خلال هذا التكتيك اختلط الأمر على المهاجمين فأصبحوا يطلقون النار على أفرادهم من دون أن يعرفوا ماذا يحدث. وظل هذا الوضع حتى الفجر، حيث انسحب المهاجمون تاركين وراءهم خمسة أو ستة قتلى، سقطوا بنيرانهم. ووجدنا جثثهم في وسط ساحة القرية. وكان من بين القتلى ابن مختار مستوطنة «كنسار».
يواصل شاويش سرد الذكريات المؤلمة: بعد هذا الهجوم بأيام سقطت مدينة طبريا، وارتكبت مجزرة في قرية ناصر الدين المجاورة ذهب ضحيتها أكثر من نصف سكان القرية الذين كان عددهم وقت ذاك نحو 90 شخصاً، فقتل منهم أكثر من 50 فرداً، حيث لم تفرق العصابات الصهيونية بين طفل وامرأة وشيخ وعاجز، فسيطر الذعر والخوف على أبناء قريتنا، وأجمع أهالي القرية على الرحيل بعد أن أيقنوا عدم قدرتهم على الصمود، فلا سلاح معهم ولا مساندة من أحد. يضاف إلى ذلك كله خوفهم من الانتقام مما جرى معهم في المحاولة الأولى لاحتلال القرية ومقتل عدد من المستوطنين المهاجمين.
كانت هجرة أهالي القرية على دفعتين: الأولى في 21 نيسان، والثانية في 28 نيسان 1948. بدأت العائلات تنتقل إلى القرى المجاورة، كل عائلتين أو ثلاث عائلات تخرج معاً. وتوجه قسم من العائلات إلى قرية المغار، وقسم آخر إلى قرية البطيحة السورية الحدودية التي كانت نقطة تجمع للعديد من اللاجئين الفلسطينيين
ملحق فلسطين - جريدة السفير
|
العدد 32 - السبت 15 ك1 2012 - السنة الرابعة
|
|
| Preview Target CNT Web Content Id |
|