في الجهة الغربية من مقبرة طاسو اصطفت خمسة قبور بجانب شجرة زيتون الواحد بجانب الآخر، الأول من الجهة الجنوبية لمحمد شنير الذي توفي في 27/10/1989 قد لا يكون هذا القبر مختلفا عن غيره، فالقبور لا تختلف أشكالها في يافا وبخاصة في مقبرة طاسو 1994، ولم يكن يوم السبت الماضي- منتصف ايار 1994- الذي جمع سكان يافا وحيفا وعكا واللد والرملة في مقبرة طاسو يوما عاديا، وغير أن اليوم كان حارا وان صورة حاييم رامون كانت ما زالت معلقة على أحد الجدران المحيطة بالمقبرة، رامون من قادة حزب العمل، ثار على حزبه، وهو الآن مرشح لرئاسة الهستدروت، مكان فاسد ومفسد بالإجماع، وغير جائزة "الطوطو" الكبرى التي طلت على المقبرة الأخرى، وكانت هنالك مقبرة واسعة، واسعة جدا، انتشرت القبور فيها، محاطة بجدار، ومن ارض المقبرة بدت العمارات الشاهقة المحيطة بأرضها، غير كل هذا بدا اليوم عاديا.
تقبع مقبرة طاسو في الجهة الشرقية لشارع هرتسل، وفي الجهة الشرقية منه وعلى بعد أمتار شمالا يقع سجن أبو كبير، وهنالك يقع في الجهة الغربية معهد الطب الجنائي أبو كبير، وهناك شرحت جثث كثيرة منها ما دفن في مقبرة طاسو، ومنها ما دفن في مكان آخر، وقبل أن تسير جنازة محمد شنير قبل 5 سنوات ونصف من بيته كانت جثته في معهد أبو كبير للتشريح لمعرفة أسباب الموت، ولم تكن أسباب الموت عادية في ذلك اليوم.
في صبيحة السبت الموافق 4/11/1989 استيقظ السكان المجاورون لما تبقى من بيارة شنير في الجهة الغربية لشارع هرتسل، استيقظوا على دوي انفجارات وصوت إطلاق رصاص، في ذلك اليوم هاجم المئات من رجال الشرطة والكوماندوز، وحرس الحدود والقوات الخاصة بيت آل شنير الواقع في بيارة الشنير التي صودر معظمها.
وفي ذلك اليوم قتل محمد شنير وأخوه سيد وابن أخيه عثمان، واعتقل جميع أفراد الأسرة، وكان ذلك اليوم 4/11/1989 نهاية المسلسل، إرهاب دموي بدأ منذ منتصف سنوات الستين استهدف طرد عائلة شنير... إحدى العائلات العربية الوحيدة التي امتلكت أرضا في وسط يافا، وقد هدف هذا الهجوم الدموي الرهيب على عائلة شنير، إلى طردهم من أرضهم، استعملت فيه أساليب كثيرة منها: الاحتيال، المخالفات، المصادرة، الاعتقال، السجن والتهديد، الاغتيال، ولم يكن ما قاله رئيس بلدية تل أبيب آنذاك وبعد الهجوم على بيت عائلة شنير من أن تل أبيب قد نظفت من الوسخ إلا شعورا بالنشوة والفرح واليكم بعض تفاصيل القصة.
عائلة شنير هي إحدى العائلات العريقة والمالكة في يافا، الأخوان علي وعبد الله شنير يملكان 100 دونم في المنطقة الواقعة غربي شارع هرتسل اليوم والتي تقع على حدود يافا تل أبيب، وقد كانت تابعة أصلا لمنطقة "أبو كبير" التي هدمت عام 1948.
على اثر النكبة عام 1948 شرد علي شنير مع من شردوا، وبقي عبد الله الذي سكن في البداية في منطقه العجمي في يافا مع زوجته وأولاده: يوسف، سيد، علي، محمد... بعدها عادوا ليسكنوا في بيارتهم الواقعة غربي شارع هرتسل.
في البداية قامت السلطات بمصادرة 50 دونما من مجموع 100 دونم كانت تملكها العائلة، وذلك بحجة قانون أموال الغائب، وبقي عبد الله شنير وأولاده على 50 دونما ".
بعد الخطة التي انتهجتها السلطة بدأ التضييق يزداد على العائلة بهدف انتزاع كل ما تملك، بل وطردها من الأرض والى الأبد، وفي بداية الستينات توفي عبد الله شنير وترك زوجة وأربعة أولاد ومطلقة وولدين.
هنا دخل " بطل " جديد في حياة آل شنير يدعى شريف الشنطي، وهو سمسار أراض حكم على والده وعلى أخيه بالإعدام في سوريا بتهمة الخيانة، وقد استطاع الشنطي وبوسائل الغش والتزييف أن يثبت ملكية أربعة دونمات لمطلقة عبد الله شنير بعد أن اثبت أن عبد الله شنير أعادها في عصمتة، بعدها باع الشنطي الأرض، بعد إن تحايل على مطلقة شنير أيضا هذه المرة، باع الأرض لمستثمرين يهود قاموا ببناء معرض للأثاث على هذه الأرض والمعروف اليوم ب "بيت مارس ".
في العام 1965 وجد شريف قتيلا في مدخل البناية التي يسكنها في شارع روتشيلد في تل أبيب، وقد وجه إصبع الاتهام إلى أبناء عائلة شنير، لكن الشرطة فشلت في اثبات التهمة ضدهم بعد أن اثبت محاميهم دافيد ليفائي، براءتهم.
لم تنته قصة الدونمات الأربع التي استولى عليها الشنطي بالحيلة والخداع إلى هنا، فبعد أن بدأ أصحاب المجمع الصناعي إنشاء البناية، حاول أبناء عائلة شنير منعهم بكل الطرق، فقاموا بإحراق الجرافات التي بدأت تحفر علامات الدمار في أرضهم، ومما زاد الطين بله أن البلدية قامت بمصادرة قسم منها وشقت البيارة الى نصفين، احد الشهود - الذي فضل عدم ذكر اسمه - قال "لقد كانت حربا شرسة خاضها آل شنير بعزم وإصرار ضد كل من حاول المساس بهم، وقد فقدوا صوابهم حين رأوا أرضهم تصادر شبرا بعد شبر بحجج لا يفهمها الا أصحاب الحجج.
بعد دخول المعركة جولة جديدة اقترح عليهم دافيد ليفائي أن يقوموا بإقامة مبان صناعية للإيجار ليثبتوا ملكية أرضهم من خلالها، على اثر ذلك قامت البلدية بشن حرب جديدة ضد العائلة، حيث ادعت أن الأبنية غير مرخصة وأنها بنيت خارج حدود البيارة.
بعد إقامة بناية مارس للأثاث، وبعد أن أصبحت أمرا واقعا طالبت عائلة شنير بممر من شارع هرتسل إلى بيوتهم، لكن صاحب المبنى رفض هذا الطلب وتعرض لمحاولة اغتيال بعد تفجير سيارته، وقد أشير بإصبع الاتهام مرة أخرى لعائلة شنير، وفي عام 1979 ألمت بعائلة شنير مصيبة من أبشع وارهب ما يمكن أن يتصور العقل البشري إذ دخل "مجهولون" إلى البيارة وقاموا باقتحام بيت احد أبناء عائلة شنير علي، وقاموا بالهجوم عليه وعلى أفراد عائلته بالبلطات، قتل على أثرها علي وطفلاه، ونقلت زوجته في حالة خطرة إلى المستشفى، وهنالك أنجبت طفلا مصابا في رأسه، وأصيب طفلاه الآخران بعجز دم وبحالة شلل دائم.
في حينه قال محامي العائلة، دافيد ليفائي " لقد عهدت محمد شنير إنسانا متزنا هادئا، لقد ترك محمد أثرا كبيرا في نفسي، كان مهذبا ومثقفا، أحببت الجلوس معه وتداول الحديث، كان ملما بكل شيء، وكان بعيدا عن الإجرام والانحراف، لقد دخل الشك في نفس محمد بعد هذه الحادثة الرهيبة، لقد أحب أخاه عليا بجنون، فرايته محمدا أخر مضطربا، قلب عالمه، وتبدلت قيمه، أنا على علاقة وثيقة بالعائلة وكنت محاميها في كل قضاياها تقريبا".
الرواية تقول – وما أكثر الروايات في يافا – أن محمد شنير الذي كان ساعة الهجوم على بيت أخيه في البيارة استطاع أن يقبض على احد الذين شاركوا في الهجوم، وقد اعلمه هذا عن المجموعه التي تقف خلف هذه الاغتيالات، وفي حين أن دافيد ليفائي لم يستطع استيعاب ما حدث لمحمد شنير هذا "الجنتلمان" – كما اسماه – فان محمد شنير فهم بالضبط ما يحدث، وتيقن أن الحرب تدور في بيته وعلى أرضه وان هناك من يريد أن يطرده من أرضه وبكل الطرق، بالإرهاب وبالقتل، بكل شيء.
هل يمكن إن يكون هناك أبشع من قتل طفل ببلطة؟
هل يمكن أن يكون هناك أبشع من ضرب امرأة حامل ببلطة؟
لكن آل شنير رأوا أن خروجهم من أرضهم أبشع بكثير من هذا الإرهاب.
في العام 1980 اتهم محمد شنير بالقيام بأعمال انتقامية موجهة ضد من اتهمهم بقتل أخيه، ووجهت اليه تهمة كونه الرأس المدبر الذي أسس "جماعة المفجرين" في يافا في حينه التي قامت بأعمال عدة منها التخطيط لتفجير مقر شرطة تل أبيب، واتهم محمد شنير مع حسن كحيل احد سكان يافا بقيادة هذا التنظيم، لكن محمد لم يعترف بشيء، إلا أن شهادة حسن كحيل – شاهد ملكي – هذه جرمته وحكم عليه بالسجن لمدة 12 عاما، قضى منها 6 سنوات بعد أن خفضت له ثلث المدة على حسن السلوك بعد أن حصل على عفو.
في العام 1987 طلبت الشرطة من محمد شنير المثول للتحقيق بعد أن تعرض حسن كحيل لمحاولة اغتيال لكن محمد لم يمثل واختفى عن الأنظار.
تناقلت وسائل الإعلام ما حدث في بيت عائلة شنير صبيحة السبت 4/11/1989 فلفقت التهم كما شاءت اتهمت وبرأت وقلبت الصورة رأسا على عقب.
وفي صحيفة معا ريف الصادرة يوم 5/11/1989 ورد انه " اثر خلاف نشب بين محمد شنير وأخيه سيد وابن أخيه عثمان حول الأرض على خلفية الحديث الذي دار بينهم 4/11/1989 في بيارة العائلة والذي كانت نتيجته شجارا بالسلاح الأبيض قتل على أثرها سيد وعثمان وجرح محمد بجراح بالغة.
ما الذي حدث في البيارة يوم السبت 4/11/1989؟!
هل قتل محمد شنير أخاه سيد وابن أخيه عثمان وانتحر؟ هل أبلغت الشرطة بوجود محمد شنير - الفار من الشرطة- في البيارة فاقتحمت البيارة وقتلت ثلاثتهم بعد تبادل إطلاق النار مع الشرطة؟
واذا كان محمد شنير قد قتل أخاه وابن أخيه وانتحر كما كان الادعاء فلماذا هذه القوة المذهلة التي حضرت إلى البيارة؟، ولماذا اعتقلت الشرطة في حينه كل أفراد العائلة الشباب والنساء والأطفال؟
واذا كان محمد شنير فارا من الشرطة كما كان الادعاء فهل هناك حاجة لقوات الكوماندوز والقوات الخاصة والطيارات المروحية لإلقاء القبض عليه؟
ومن أين علمت وسائل الإعلام أن محمد شنير قام بقتل أخيه وابن أخيه بعد أن نشب خلاف بينهم حول قضايا مالية بشان الأرض مع أن أحدا لم يكن حاضرا أثناء الحديث الذي دار بينهم؟
ثم لماذا يقتل محمد شنير أخاه وابن أخيه حول قضايا مالية مع انه كان بإمكانه بيع ارض البيارة مقابل مبلغ خيالي في حينه 15 مليون دولار؟
في صبيحة 15/11/1989 وبعد الحادث، حضرت إلى البيارة بلدوزرات تعززها قوات من الشرطة وقامت بهدم السور المحيط ببيت آل شنير وقامت البلدوزرات باقتلاع الأشجار كالنخل والجريفوت.
على بعد مائتي متر من بيت عائلة شنير يقع معهد الطب الجنائي أبو كبير الذي أدخلت إليه جثث القتلى في حينه لمعرفة "أسباب موتهم"، وعلى بعد عدة أمتار من معهد الطب الجنائي أبو كبير يقع معتقل أبو كبير، واغلب الظن أن محمد شنير قضى فيه أياما كثيرة، ومن هناك على بعد مائتي متر جنوبا تقع مقبرة طاسو، وفي الجهة الغربية من المقبرة هنالك خمسة قبور، محمد شنير كتب عليها – توفي 27/10/1989، ولا ادري لماذا، فقد توفي في 4/11/1989 وقبرين لطفلين، ولأخيه علي الذي قتل في بيته بالبلطات عام 1979.
في قبر محمد شنير دفنت أسرار كثيرة لا يعلمها إلا الله، أما هو فكان يحارب عن يافا، نقطة.
منقول عن موقع فلسطينو 48
المرسل: عمر شنير
shannir2004@yahoo.com