قع قرية زكريا في وسط فلسطين على خط طول (42 56 34) شرقا وعلى خط العرض (31 42 31) شمالا. فهي تقع إلى الجنوب الغربي من مدينة بيت لحم وعلى مسافة 12 ميلا بالتحديد, كما تقع على مسافة 9 أميال إلى الشمال من بيت جبرين. وهي على زاوية وادي السنط (الأهالي ينطقونه (السمط)) (وهي شجرة الأكاسيا أو الميموزا)
(MIMOSA OR ACACIA)ويسمونه الآن "وادي ايلاه"
الذي يقع على بعد 14 إلى 15 ميلا إلى الغرب من بيت لحم .وهو واد عرضه ربع ميل وجوانبه شديدة الانحدار كان مسرحا لكثير من الحوادث الهامة في تاريخ فلسطين فهو يقع على أطراف منطقة التقسيم العشائري القديم إلى قيس ويمن كما يقع في المنطقة الفاصلة بين السهل والجبل. ولهذا فإن قرية زكريا كانت تتعرض دائما لما تتعرض له القرى الحدودية ومفارق الطرق من خراب ودمار, ولكن هذا الموقع بالذات أكسبها مركزا متميزا على مر العصور. يقول الأستاذ محمود الخطيب (أبونبيل).
(رحمه الله):
"بلدتنا قطعة فسيفساء نادرة...لؤلؤة من حلي العقد الذي يزين صدر الحسناء ارض كنعان التي سميت فيما بعد فلسطين ... ومنذ أن وصل المنطقة أول شيخ من بني كنعان هو وأحفاده واجالوا النظر في التلال والوهاد هناك , ثم اختاروا "تل زكريا" ليؤسسوا فوق قمته بلدتهم والتي دعوها "عزيقة" برزت قريتنا إلى الوجود. ولسنا ندري لم اختار الشيخ الكنعاني هذا الاسم لقريته ولكنا نعلم أن المنطقة خلبته بجمالها الطبيعي فاستوطنها ... والمنطقة خلابة حقا , وقال لي بعض الأشخاص الذين يحسنون التمتع بجمال الطبيعة أنه جاب ارض فلسطين من الناقورة إلى رفح فلم يجد اجمل من تلك المنطقة التي تقع بين -باب الواد وبيت جبرين- وهناك قريتنا.
وتل زكريا الذي بنيت فوقه عزيقة يتكون من صخور طباشيرية أعمل فيها الأولون من أجدادنا معاولهم واحتفروا فيه المغاور والملاجئ حتى ليتخيل للمتجول فيه أن المغاور والكهوف تغطي معظم مساحته فهو مملوء بالسراديب التي تتصل ببعضها ربما ليتمكنوا من الدفاع عن البلدة أثناء تعرضها لهجوم أجنبي كما وأن فيه من آبار المياه ما هو صالح لجمع المياه والاحتفاظ بها لحين الحاجة إلى الآن . وقد كنا - نحن الفلاحون -نشرب من مياه بعض هذه الآبار في أيام الحصاد. أما بلدة عزيقة والواقعة على قمته فإن الجالس في منبسطها ونحن نسميه "قعدة التل" يرى بوضوح البحر الأبيض المتوسط إلى الغرب وأجزاء واسعة من ساحل هذا البحر هذا بالإضافة إلى مناطق شاسعة إلى الشمال والشرق والجنوب فهو يشاهد من القرى الفلسطينية "بيت نتيف وصوريف وخاراس ونوبا وبيت أمر" ويشاهد كذلك إلى الشرق قرى" علار ودير الهوى" كما يشاهد قرى "صرعا ورافات والبريج" إلى الشمال ويرى إلى الغرب والجنوب الغربي "تل الصافي وعراق المنشية ودير الذبان وكدنا ورعنا وذكرين" ويرى "عجور" إلى الجنوب. ولا يحس الجالس فوق "قعدة التل" ولا يدري ما هو الحر في أسوا أيام القيظ.
مثلما خلب "التل" ألباب الكنعانيين وغيرهم بجماله وروعة المناظر المحيطة به , خلب لب شاعر معاصر من أهالي بلدتنا فجادت قريحته بأبيات زاخرة بشتى العواطف اسمعه يقول:
"جلسة فوق" قعدة التل" عندي تشترى بالنفـــوس والأمـــوال
زكريـــا وسهلها عن يمـيني ولعجــور صولة عن شمالي
يا أمير الذرى عليــك سـلام من فؤاد بوقدة الشوق صالي
كيف حال الزيتون بعد الثناء في شعاب وفي شعاف الجبال
وعتاق البلوط في" صفحة النيص" مـلاذ القـطا ..وبيت الجمـــــال "
هذا الشاعر هو "عبد الفتاح الكواملة" الذي قضى في الشتات وقلبه على بلده السليب حزين و قعدة التل هذه هي خربة تل زكريا "عزيقة" القديمة مساحتها "40 دونم" أما ارتفاع تل زكريا فيبلغ "400" م عن سطح البحر."(إنتهى)
وتقع القرية نفسها على تلة ترتفع 287 مترا عن سطح البحر ويحيط بها من القرى عجور و بيت الجمال وبيت نتيف والبريج . على الطريق الذي يربط باب الواد ببيت جبرين وتبعد عن محطة القطار في عرطوف ثمانية كيلومترات إلى الجنوب كما كانت تمر بجوارها "السلطانة" وهي الطريق السلطاني الملكي التي كانت تقطع وادي السنط وتمر عبر بيت جبرين إلى غزة .وقرية زكريا من جملة الوقف التابع للحرم الإبراهيمي في الخليل ولذلك كانت تابعة لمدينة الخليل "وهي آخر قرية من عمل الخليل من جهة الرملة" كما ذكر الحنبلي في "الأنس الجليل" وقد بقيت تابعة لقضاء الخليل الذي كان يتبع بدوره للواء القدس حتى وقت احتلالها عام 1948 م .
وفي الثلاثينات والأربعينات من هذا القرن كانت هنالك سيارة باص تمر بالبلدة وتنقل الركاب من زكريا إلى الرملة و يافا والخليل كما كان السكان يستخدمون القطار أحيانا في سفرهم إلى القدس آو يافا من محطة عرطوف آو ديربان , كما استخدمت كذلك السيارات و الحمير والجمال والبغال والخيول في التنقل أيضا .ونظرا لقرب مدينة الرملة فإن أهل القرية كانوا "يمدنون" أحيانا إلى الخليل وأحيانا أخرى إلى الرملة ,أما المعاملات الرسمية فكانت في مدينة الخليل.