خمسة وستون عاما مضت، ليست بالبعيدة عن مخيلة محمد الحج سالم أبو جاموس، فـالنكبة لم تنته وإن اختلفت أدواتها ومسمياتها، وما يزال يذكر حتى اللحظة شواهد ودلائل تشير بإصبع الاتهام إلى مسؤولية بريطانيا -قبل اليهود- عن نكبة الفلسطينيين.
وبحكم عمله شرطيا فلسطينيا في البوليس البريطاني تنعش ذاكرته الخصبة وقائع حية واكبها إبان النكبة، وشهادات قدمها وهو يروى لها حكايته.
ويقول أبو جاموس (85 عاما) -المنحدر من قرية جوريش جنوبي مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية- إنه وبتاريخ 13مارس/آذار 1947 دخل وابن قريته إبراهيم منصور سلك البوليس البريطاني، تاركا دراسته الأساسية وعمله بالزراعة مع والده.
وأردف قائلا لقد "قرأنا إعلانا بالجريدة آنذاك يطلب شرطيين للعمل، وما لبثنا أن سجلنا والتحقنا بالخدمة بقسم الحراسة في سجن نابلس المركزي، وبعد ثلاثة أشهر تمت معاقبتنا بنُقلنا لسجن اللطرون على طريق يافا القدس لرفضنا أمرا بإحضار حشائش لحصان أحد الضباط".
وفي سجن اللطرون للمعتقلين الجنائيين من المدنيين العرب واليهود خدم أبو جاموس نحو عام، ذاكرا أن 355 سجينا فلسطينيا و345 سجينا يهوديا كانوا بساحة كبيرة "سهل" مقسمة لمنطقتين ومحاطة بالأسلاك الشائكة، "وداخل كل واحدة منهما غرف تتسع الواحدة منها لاثني عشر سجينا".
انحياز
وأضاف أن البريطانيين كانوا منحازين بتعاملاتهم مع السجناء اليهود، كمنحهم وقتا أكبر أثناء الفسحة خارج غرف السجن، وعدم معاقبتهم على سلوكهم السيئ تجاه المساجين العرب وتجاههم كرجال أمن فلسطينيين.
ويؤكد أن السجناء اليهود كانوا يُعتقلون لأسباب جنائية، كتفجير فندق الملك داوود آنداك، وإعدامهم لمجموعة من الضباط البريطانيين شعروا بأنهم يقفون إلى جانب العرب في تلك الحقبة.
ويروي الحاج أبو جاموس -وهو واحد من 72 شرطيا فلسطينيا ويحمل الرقم البوليسي 728- أن البريطانيين لم يكونوا يسمحون بحراسة عربية على المدخل الرئيسي للسجن، وكان الإشراف مباشرة من مدير السجن "رُسل" ونائبه "ماجدونالد"، الأمر الذي عزّز فرص السجناء اليهود في الهرب.
وفعلا حاول السجين موشي شاريت -وهو ثاني رئيس وزراء إسرائيلي- الهرب بمساعدة جنود بريطانيين أخفوه داخل سيارة النفايات، لكن محاولته فشلت باكتشاف مدير السجن له، "ولكن بعد أيام تظاهر بالمرض ونجح بالهرب من المشفى، أما العرب فقد أطلقت عليهم النيران حين حاولوا الهرب".
وتباعا بدأ الانحياز البريطاني يظهر أكثر، حيث اكتشفنا أن جنودا يهودا يرتدون الزي البريطاني ويمارسون قمعهم للفلسطينيين، "لكن الأدهى ظهر بمشاركة بريطانيين للعصابات اليهودية بجرائمها ضد الفلسطينيين"، كما يقول الحاج أبو جاموس.
تهريب وتسليح
وفي صباح 15مايو/أيار 1948 سمعوا بوق "بورزان" السجن ونداء البريطانيين عبر مكبرات الصوت بضرورة مغادرة جميع السجناء والشرطة العرب، وذلك بسبب "جلاء بريطانيا عن فلسطين"، "وأما السجناء اليهود فكان البريطانيون قد أخرجوهم فرادى قبل أيام وزودوهم بالأسلحة الثقيلة والخفيفة، وتذرعوا حينها بأنهم ينقلونهم لسجن آخر".
ويضيف مختتما، البريطانيون تركوا الشرطة العرب "كنوع من الإكرامية" يأخذون زيهم العسكري وبنادقهم من نوع "جرينر" وهي أشبه ببنادق الصيد ذات الطلقة الواحدة "الخرطوش" واستخدمت لتخويف المساجين.
وأكد أنها لم تكن "إكرامية" بقدر ما هي تبرير للعصابات الصهيونية لقتل الفلسطينيين الذين يجدونها عندهم.
وبعد "الجلاء" عاد الحاج أبو جاموس لقريته قاطعا ثلث المسافة مشيا على الأقدام، وعمل بالزراعة والتجارة ومن ثم ترأس مختارة القرية بين عامي 1977 و1995 ليتولى بعد ذلك تشكيل لجنة الإصلاح.
http://www.aljazeera.net/news/pages/1abcb6f7-46c0-4bfa-8a53-f2b8bb56034a
المصدر:الجزيرة