أنا محمود شنوان الديك، مواليد 1942 من طوبا.
أنا لا أذكر طوبا، لقد كنت صغير قبل الخروج من فلسطين، ولكني زرتها في ما بعد.
لقد كانت قبل من بيوت شعر، فيها ساحة، وفي بيت للشيخ وحوله أولاده.
وفيها مدرسة وجامع، القرية كانت كلها بيوت وفي الوسط مكان للحيوانات وهي ليست مثل القرى الزراعية وبساتين. وفيها أراضي واسعة ولكن بعد ما طلعنا منها، جاء ناس وزرعوا فيها زيتون وتفاح، واليهود زرعوا ليمون أبو سُرّة.
من عائلات البلد، بيت حسين المحمد وهو الشيخ، وكان أيضاً المختار، وكبيرنا، وكان ممنوع نروح سيراً من علما، الريحانية، طيطبا، الجش، سعسع، عكبرة، حتى لو كانت صخرة.
وهذا الشيخ كان يعاقب المخطىء أمام الجميع وأمام الحكومة.
والمختار اسمه محمد الحسين أبو عدنان، ومات الشيخ وصار ابنه اسماعيل مكان والده، وابن اسماعيل صار مسؤول عرب قبيلة الهيب عندنا. وكان بالبلد ناطور، ينطر الرعيان على القمح.
كان عند الشيخ مضافة وأهل البلد تجلس عنده، وأخو الشيخ هو القاضي. كان الأولاد يتعلمون عند الشيخ، ولكن الآن في مدرسة وفيها اساتذة من نحف وهذه المدرسة ثانوية.
وعندنا مياه، وهناك مسؤول عن تأمين الماء للناس.. وكنا سعداء. ولكن أمنيتي أن يلم الله شمل الناس وأهلهم وأقاربهم..
والآن فيها جامعيين..
عند الطبابة كنا نطلع على صفد والجاعونة. وبالجاعونة كان هناك طبيب.
وفي عندنا بصفد مدرسة للأيتام، وجدي وضعني فيها عندما توفي والدي. ولكن والدتي ظلت تبكي لأننا ذهبنا الى المدرسة، حتى ذهبت الى صفد وأخذتنا ولم نكمل تعليمنا.
فخافت والدتي علينا.. ولم تدعنا ننام خارج البيت..
وكان عندنا ماعز وبقر، أنا كنت أكبر اخوتي، ومرة كنت أرعى الطرش وكانت الطقس حارّاً، فأدخات رأسي تحت الصخور وإذ به عش دبابير يثور في وجهي، وطبعاً قرصتني ولم أعد أرى شيء... فأخذتنا أمي الى الطبيب وأخذت أبر..
كان يأتي الناس على الحمير وتبيع بضاعة عليها. ولكن من يريد أن يشتري شيء معين كان يذهب الى صفد، أبو محمود عباس كان عنده بصفد محل كبير وفيه أشياء كثيرة وفخمة.
وكنا نخبز على الصاج، وكنا نطحن على الطاحونة، والطاحونة كانت ببلد اسمه الدابغة فيها ماء، فالطواحين كانت تدور على الماء.
والنساء كانت تعجن كل يوم بيومه ونخبز على الصاج.
لم يكن عندنا حلاقين، ولكن الشيوخ الكبار عندما يحلقون ذقونهم كانوا يحلقون لنا رؤسنا.
لم يكن هناك قهوة.. ولكن بيوت العرب فيها قهوة ودواوين.
أما الزيتون كان بصفد، والزيت أيضاً كنا نشتري جرار من صفد...
الأولاد تلعب على البيادر مثل الغميضة وغيرها..
نحن عندنا كان أبو يوسف الحسين محمد، هو من الناس المعروفة..
وعند زواج البنت، يجب موافقة الشيخ وأهلها على الزواج، وإلا لا تتزوج...
عند الزواج.. صارت معي، عندما رأيت بنت عمي وأردت الزواج منها، ذهبنا وطلبناها وأخذنا المحبس، ولكني خجلت أن ألبسها المحبس فقام أخي وألبسها إياه، بينما اليوم الشاب لا يخجل ويلبسها الحلق والمحبس ويُقبِّل العروس..
وفي الأعراس كنا نعمل سهرات ودبكات، كنت أدبك حتى أتعب وكانوا يغنوا للعريس أغاني كثيرة..
كان عنا مقبرة ومقابر، بالجب يوسف (عرب) وفي طوبا.. وعنا شجرة عالية، لقبر الأولاد الصغيرة المتوفاة.
كانت تحصل مناوشات من وقت لآخر.. نحن كنا نرعى الطرش، ولكن اليهود كانت ترسل نواطير لمهاجمتنا وضربنا، ولكن الراعي الجريء والقوي كان يضربهم والجبان كان يهرب.
كنا نسمع بدير ياسين والمجزرة، وما حصل بالكابري، ولكن عندنا لم يحدث شيء، خالي عبد الله كان مع الثوار، مع الأصبح ورباح العوض..
عندما هجم اليهود على بلدنا كنت صغير.. ولكن جاءت اليهود واولعوا النار ببيوت الشعر.. فراح الشباب الثوار عملوا كمين لدبابات اليهود على رأس الناقورة وأحرقوا الدبابات..
عندما خرجنا من فلسطين ذهبنا الى سوريا، وكان الطقس شتاء ولم ناخذ شيئاً معنا سوى الحرامات والبطانيات، خرجنا مشياً على الدواب، كنت وأمي وأخي..
ونحن في الطريق لم يكن هناك حواجز لليهود.. لم يكن معنا طعام ولا شراب.
ذهبنا الى ضِيَع سوريا.. وعمرنا هناك وبقينا وكنا فرحين..
أنا رجعت بعد بفترة.. وفي ناس رجعت بالـ 67.. وقالوا لنا أن البلاد بعدها مثل ما هي لكن ليس كلها..
ثم جئنا الى لبنان الى الراشدية.. كانت الناس تعيش بالشوادر.. وكنا نذهب الى البحر.. وصرنا نعمل عند الناس بالخضار والزراعة.. ومشي الحال.
عندما رحت بالـ 72 وزرت بلدي.. لو بعرف هيك بلدي ما كنت طلعت من فلسطين لو حرقوني اليهود.. أنا لي أخ من والدي ما زال بفلسطين..
لو اعطوني مال الدنيا لا أقبل التعويض عن أرضي وبلدي.. بالنقود والتعويض نكون محكومين للغير، ولكن ببلدنا نحن الحكام والأحرار..
لا أريد ما أملك هنا بلبنان.. أريد بلدي وأرضي بفلسطين..