أنا يوسف حسين عبد الله من سبلان قضاء صفد، تولد 1929، من عائلة عبد الله.
قريتنا قرية فلاحين، نزرع دخان وقمح وشعير وعدس، هذا تموين، أما بالصيف نزرع دخان وموسم الزيتون نحصد زيتون.
سبلان تأتي موقعها على رأس جبل، وليس أعلى منها سوى جبل الجرمق، هذا الجبل مقابلنا، وكنا نرى حيفا من بلدنا، وفي رمضان كنا نفطر على مدفع حيفا.
نزرع كل أنواع الخضار ونحصد في ايام الحصيدة.
من عائلات سبلان، دار عمر، دار خليل، بيت موسى تابع لبيت خليل، وبيت خليل وبيت عبد الله وبيت موسى كلهم عائلة واحدة.
كان مختار البلد من دار عمر، وعائلته لم تُردْهُ مُختاراً وإختاروا مختار من دار خليل، وهو الموظف بالدولة، يعطوه راديو ومعاشه من الدولة.
كنا سعداء جداً وعايشين بألف نعمة، زيت القلي لا نعرفه، كله زيت زيتون، والسمن سمن بقر بلدي.. والخير كثير.
في الأعراس نعزم كل القرى الي حولنا، مثلاً نعزم من سعسع حيث فيها بيت السيد وبيت وهبي، فيرسلوا مكتوب لبيت السيد بإسم الشخص الكبير فيضم كل بيت السيد وكذلك لبيت وهبي، وهكذا مع بقية القرى.
يبدأ العرس قبل أسبوع من يوم العرس، كان يأتي الحداي، واحد من بيت الريناوي والحطين ومحمد محمود من الصفصاف، والعرس والتعليلة يبدأ من المغرب والدبكة والسحجة.. كله يبدأ قبل 7 ايام.
والذبائح والأرز والطبيخ... وكل عائلة معزومة تُحضر الذبائح والأرز والسكر... لم يكن عنا فقراء.. كله عنده رزق.
طلعتنا.... كانت صعبة.. بلدنا بقيت آخر بلد طلعت من فلسطين.
أهل صفورية يمروا ويخرجوا من بلدنا.
أنا اشتريت بارودة من واحد... كانت بارودة صيد..
لم يكن عنا محلات لبيع الخضار، كل البيوت تزرع كل شيء، من ملوخية وبامية وكوسا وكل شيء ما عدا الباذنجان. لأن الباذنجان يريد كاء كثيرة وقوية.
كانت الماء بعيدة عنا حوالي 3/4 ساعة ولكنها قوية وبعيدة، والماء الآن صارت بنصف البلد عندنا...(إسرائيل) حولتها لنصف البلد.
كان عندنا أراضٍ كثيرة والزراعة كثيرة... وكل شيء طيب ليس مثل هذه الأيام... الزراعة الآن كلها كيماوي.
كنا نموّن كل شيء، الحبوب والعدس وأكل الدواب كله من أراضينا. لا نحتاج شيء من الحارج بل يفيض عن حاجتنا، والفائض نبيعه.
من بعد الثورة (1948)... كان البريطانيين يهاجمون الثوار، أنا طلعت مع الثوار يوم طلعنا من بلدنا على البقيعة ومنها أخذونا إلى ترشيحا. والقائد كان من صفوري اسمه أبو إبراهيم، نمنا وفي الصباح أعطونا عبايات للتدفئة (كنا ثلاثة من بلدنا) وأعطونا ذخيرة وقالوا لنا ارجعوا بأي وقت نطلبكم تأتون لمساعدتنا. ورجعنا الى البلد.. ولما حصلت الثورة وصارت الناس تطلع، وأذكر جائت طائرة وقصفت سحماتا على أطراف البلد وضربت خارج الدير وسعسع.. قصفت صفد ولم نرَ شيء آخر... وعندها تصادم عصابات اليهود مع الجيش العربي على الحدود. ولكن (إسرائيل) قتلت الكثيرين من الجيش العربي.
بريطانيا هي التي سلّمت (إسرائيل) كل شيء من سلاح ودبابات وطائرات وكل شيء كان لدى بريطانيا قبل خروجها وتسليم فلسطين لـ(إسرائيل).
ونحن اشترينا البنادق القديمة المعطلة والفاسدة.
لو كانت أسلحة اليوم معنا لحاربنا الإسرائليين.
وصارت الناس تسمع أخبار مخيفة عن عمايل اليهود بفلسطنيين هذا ما جعل الناس تخرج.
أنا أهلي طلعوا قبلي، أنا كنت برّا أشاهد المعركة بين الجيش العربيي والإسرائليي، ورجعت فلم أجد أحداً بالبيت، ولكن وجدت عمي المختار، فسألته عن عائلتي فقال لي لم يبق أحد كله طلع، والرجال بقوا بالحرش، إذهب الى هناك واطلب من الرجال الرجوع الى القرية.
وكان هناك واحد درزي قال لأبو ماضي، أنتم أوادم خليكم هنا ولن يحدث شيء عليكم وعلى مسؤوليتي.. الدروز كانوا متآمرين مع اليهود، ولم يخرج منهم أحد ومسلمين أمورهم.. فقال عمي لي أن أقول لهم أن يأتوا الى القرية... ومن بعض الناس الموجودين بالحرش هم أولاد عمي أبو ماضي، فقلت لأبن عمي يقول لكم أبوكم ارجعوا، فقال ابن عمي، والدي مجنون... إذا أراد البقاء يبقى هو، نحن لا نريد العودة.
وأولاد البلد الباقين كانوا منتظرينا نحن، ليروا ما إذا رجعنا حتى يرجعوا. وإذا بعمي ينادي لابنه وقال إرجعوا، إتفقنا معهم، فرفض ابن عمي، ولكن رجعت أنا لأستكشف الوضع... وعلى أول البلد وجدت يهودي ولكن يتحدث عربي وأخذ البارودة مني وذهبنا عند الضابط وأخذ اسمي، وفتّش بدفتره، وإذا به يقول لي أنه أنا عندي بارودة إنجليزية تحمل رقم كذا وكذا، وفعلاً كذلك، ولكن قلت له أنها بقيت مع أخي وأنا أحمل هذه البارودة، فقال لي إرجع وخليهم يرجعوا مع بواريدهم، وهنا أنا أدركت أنه فخ... فقلت له: ماشيي... ولكن قالوا لي قبل الذهاب أحضروا دجاج واطبخوا لنا غذاء... وهنا قررت الهروب، فهربت ووصلت الحرش.. فقلت لهم ما حصل... وقررت عدم العودة. ثم خرجنا من فلسطين الى الرميش بلبنان ثم بنت جبيل ولم نتأخر هناك، وهناك أخذونا بالسيارات إلى صور فوجدنا المخيم والخيم منصوبة وبقينا 9 أشهر ثم نقلونا الى عنجر، وبقينا 8 أشهر، ثم نقلونا الى نهر البارد وبقينا هنا.
إذا صح لي أرجع، لأرجع بهذه الملابس اللي عليّ، لو ملّكوني مدينة لي بدل فلسطين لن أقبل أبداً... والله أبكي على فلسطين وأبكي على الذل الذي إنذلينا هنا..