المقال |
برغم الحياة التي تتطور تدريجيا في التكنولوجيا والعلم والبناء والتجديد والتطوير، ما زالت عائلة الرزى التي تعيش وسط مدينة غزة ، تقيم في منزلها الاثرى ببنائه القديم، والذي يعتبر هذا المنزل من المنازل القليلة في قطاع غزة ،التي ما زالت تحافظ على بناء وتراث المنزل ،الذي يحمل داخله رائحة التاريخ الفلسطيني والأجداد.
هو بيت اثري يحمل "عشرة عمر " هذه الأسرة الغزية التي تعيش داخل هذا المنزل منذ عشرات السنوات،بيت اثري شكله يشد الناظرين إليه وكأنما يعيده لشئ من التاريخ،يحمل بداخله تاريخ عريق ، وتتغلغل فيه الذكريات والحكايات، فرغم قدم حجارته إلا أنه يتمتع بشكل جمالي يسر كل عين تنظر إليه, تبلغ مساحته 350 متر, يسكن به تسعة أفراد, طرقنا أبوابه وتم استقبالنا بداخله واستنشقنا به رائحة أجدادنا في العصور القديمة, تسكن به عائلة غزيه كان لهم حظ من هذا البيت ليؤويهم, ويستأنسون به ويحتضن لهم ذكرياتهم.
عادت بنا الأيام إلى الوراء أثناء حديث ربة الأسرة معنا لتحكي عن تاريخ منزلهم الذي يتزامن عمره مع عمر المسجد الكبير "العمري" في غزة, أي منذ عهد السلطان عبد الحميد إبان حكم الدولة العثمانية تقول :" نسكن هنا منذ عام 1969م لكن المالك الأصلي لهذا البيت هي عائلة ألبيك, وسكنته قبلنا عائلة العشي وعائلة نوفل", مضيفة:" نعيش هنا دون إيجار, ونحاول الحفاظ على البيت من السقوط من خلال الترميم بما نقدر عليه, حيث نقوم بدهان الجدران والسيطرة على كل ما يسبب نزول الأمطار علينا بفعل قدم البناء".
تسكن مع العائلة تلك الجدة السبعينية أم أكرم, والتي دائماً تروي لهم حكايات جميلة عن هذا المكان, وقد حكت لنا عن بداية حياتها في هذا المنزل, تقول:" دخلت هذا البيت وكنت شابة عروس في منتصف العشرينيات, تزوجت هنا وتفتحت عيون أبنائي الأربعة هنا, فعشت برفقة زوجي وزوجته الأولى وأبنائها الثمانية, وغمرتنا الحياة السعيدة التي تشهد لها تلك الجدران القديمة".
"كبر أطفالنا هنا, وأصبحوا رجال هنا, وأقمنا احتفالات الزواج لهم هنا, وعاشوا هنا إلى أن استقر كل منهم في بيته, فبقيت أنا وابني البكر أكرم وأحفادي في هذا المنزل الذي لم يهن علينا أن نتركه, كما أن ضيق الحياة المادية تمنعنا من إصلاحه والحفاظ عليه بالشكل الذي يستحقه, لكن سأبقى به وسيبقى هواءه هو أكسجين إلى آخر نسمة استنشقها منه".
هو بيت جميل, أثرى, يقع في منتصف مدينة غزة, قريب من الأسواق والمستشفيات وكل متطلبات الحياة, يحمل كل تراث هذه العائلة ومن قبلها, الأمر الذي يزيد من التمسك به, حدثنا رب العائلة وهو الابن الأكبر للعجوز " أبو يوسف", عن حياته هنا قائلاً:" هنا كبر جسدي, وتكونت رجولتي, هنا لعبت وهنا تزوجت, هنا فرحت بزفافي وبرزق الله لي بأطفالي, وهنا سأزف أبنائي, لن أفرط عنه هو جزء من عمري يصعب أن أنساه حتى بعد مماتي".
تحاول تلك العائلة أن تحافظ على بيتها الذي آواها وآنسها منذ قدم الزمن, لكنها تشتكي غياب الاعتناء الحكومي بمنزلهم, سوى تلك الترميمات البسيطة التي أجرتها مؤسسات الصليب الأحمر لترميم البيوت الأثرية, ومؤسسات أعمار التراث بعد التوجه إليهم, لكن المنزل يحتاج إلى أكثر من ذلك بسبب كبر حجم مساحته.
أما بنات هذه العائلة فهن أيضاً يشاركن والديهن والجدة في الشعور بالراحة بهذا المنزل, فابنتهم الطالبة الجامعية مريم تعتز بمنزلهم وترفض التفريط به حتى لو بعد مرور السنين, بل تفخر به أمام صديقاتها اللاتي يزرنا به باستمرار ويشعرن بالارتياح الشديد والاستمتاع بجماله.
ولا تزال تستقبل العائلة العشرات من الزوار والسائحين, سواء أكانوا طلبة كلية الهندسة لإعداد مشاريع التخرج, أو المصورون, أو الصحفيون أو أجانب يأتون لتصويره.
رام الله -غزة -دنيا الوطن-أسامة الكحلوت
|
Preview Target CNT Web Content Id |
|