لما أجو استحلوا، إحنا بيتنا كان على طرف الشارع. طلع واحد من البصة وكان معه بارودة مصدّية وطخّ على الجيش اليهودي. لما شافوه الجيش، هرب منهم وصار يركض لحد ما مسكوه باب بيتنا وطخّوه. اليهود فكروا إنه هذا بيته للشاب اللي طخّ، قاموا حرقوا كل البيت.
مريم كريني عاصي (1939)
رنين: بالبداية قولي لي اسمك الكامل وأي سنة خلقت.
مريم: أنا اسمي الحالي مريم كريني، من دار العاصي من البصة. خلقت يوم 771939 بالبصة، يعني اليوم عيد ميلادي (ضاحكة). أنا طلعت من البصة سنة الـ 48. بذكر أشياء بسيطة من البصة وبعرف أشياء كان يحكيها أبوي. أبوي كان اسمه فهد خليل عاصي وأمي اسمها سعدة من بيت الخياط من البصة. عندي أختين وأخّين. طلعنا من البصة بشهر أيار بسنة 48 وسكنّا بالمزرعة لمدة سنتين. بهدول السنتين ما رحت ع المدرسة، وبعد بسنتين لما فهمنا انه ما في رجعة على البصة قررنا نيجي ونسكن بكفر ياسيف. بكفر ياسيف تعلمنا وكبرنا. أنا تزوجت لعيسى كريني، امّه من عائلة البنا من البصة، وخلفت ثلاث أولاد، صبيين وبنت. تعلّمت ممرضة واشتغلت أربعين سنة حتى تقاعدت، لما خلق عندي أول حفيد. ولليوم أنا عايشة مع أولادي وأحفادي.
البصة كان قرية سبّاقة في الجليل. البصة كان فيها مدرسة ثانوية وابتدائية خاصة تابعة للمطران، وكان في كمان مدرسة حكومية. كثير من شباب القرى بالجليل، من كفرياسيف وإقرث وبلاد ثانية كانوا يجوا يتعلموا بالمدرسة الثانوية عنّا، وينتقلوا بعد المدرسة الثانوية على القدس يدرسوا بالكليات. قسم من أولاد هذي القرى كانوا يسكنوا بالبصة بفترة الدراسة. بالمدرسة الحكومية درّس الاستاذ نمر توما وإبراهيم بولس أبوه لحبيب بولس.
بالبصة كان في مجلس محلي وكانوا يسموه البلدية. كان بالبصة تليفونات وهذا ما كان بباقي القرى، وكان في مي وكهرباء. البصة كان فيها منتزة في منطقة اسمها المشيرفة، هو تقريباً كان الوحيد في الجليل، وكان يجي عليه ناس من عكا والقدس وحيفا ومن كل أنحاء فلسطين. بفترة عيد العنصرة وبفترة الصيف. المنتزة كان قريب من البحر وكان فيه بركة وموقعه جميل. بالأعياد في البصة كانت العادة انه أيام الأحد تطلع الناس على الصلاة، البصة كان فيها روم أرثوذكس وإسلام وبروتستانت. بالبصة سكنوا عنا نساء ألمان أجوا بفترة الانتداب، وكنّا نسميهم الستات الألمان. هدول الستات بنوا عيادة بالبلد ومدرسة للأطفال وكمان كنيسة، وبهذي المدرسة كانوا يعلموا اللغة الالمانية بالإضافة للعربية والانجليزية. أختي درست هناك ابتدائي وكانت تعرف الماني.
وقت الحرب معظم أهل البصة هجّوا وطلعوا على لبنان وقسم اليوم موجود بأوروبا وأمريكا والسعودية والكويت وفي بالأردن كمان، بس بلبنان الجزء الكبير.
أنا حسب رأيي حتى اللي تهجروا على لبنان بيحكوا اللهجة الفلسطينيّة، وحتى في لهجة خاصة للبصة، الكبار بالعمر بعدهن بيحكوها، حتى في كندا وأمريكا. أنا مرات لما بكون معصبة بقولوا لي إني بحكي باللهجة البصاوية (ضاحكة). أنا ما بنتبه ع حالي إني بحكي بهاي اللهجة، مع إني طلعت من البصة بجيل كثير صغير.
- قديش كان عمرك لما طلعت؟
- كان عمري 9 سنين.
- لما بتخطر ع بالك البصة، شو بتتذكري فيها؟
- المنتزه اللي بمنطقة المشيرفة كان لعمي، وإحنا بالفرصة وبأيام الأحد كنا نروح على هذا المنتزه ولهيك كثير بتذكره. بتذكر وأنا صغيرة كنا مرّة بالمنتزه، وكنت عم بمشّط شعري، والمشط علق بشعري، أنا كنت كثير حِركة وأنا طفلة. المهم أهلي داروا بين الناس ولاقوا حلاق وطلبوا منه يفك المشط عن شعري، هذي الحادثة مش ممكن أنساها (ضاحكة). بذكر كمان مدرسة المطران اللي درست فيها، وكنّا نروح خلال الأسبوع على الكنيسة. بذكر من الكنيسة بابها الصغير والواطي واللي كان يوصل بين المدرسة والكنسية. كنا نفوت من هذا الباب ونصلي. ودائماً أيام الأحد كنا نطلع مع أبوي نصلي وإحنا راجعين نشتري لحمة ونروح ع البيت ونعمل كبة ونشرب عرق. هذي كانت عادة عند كل أهل البصة. كانت الناس بعد الصلاة ترقص وتدبك الدبكة البلدية، وكانت البصة من القرى القليلة اللي فيها يختلطوا الشباب مع الصبايا وقت الأعياد وبالدبكة، وهذا كان نادر بهداك الوقت.
بذكر كمان إشي بطفولتي، إنه كان عند أهلي أصحاب من إقرث، من عائلة عطاالله، وكان ابنهم يتعلم عنا بالبصة وساكن عنا بالبيت، وكنا نروح نزورهم بإقرث. بذكر إنه كان عندهم بإقرث معزة كثير كثير، وبيت المعزة كان يقولوا له السيرة، وبذكر كنا نطلع على ظهر السيرة ونلعب بالطابة. كانت السيرة كبيرة.
- شو كنتو كمان تلعبوا بالبصة وانتو صغار؟
- كنا نوخد قماش، شراطيط، ونعمل منها لعبة. كنا نلعب اكس وبيت بيوت، كنا نركض ورا بعض (ضاحكة)، الأولاد كانوا يلعبوا فوتبول وكانوا يلعبوا المنة والزقال وبنانير.
- شو كمان بتذكري من البصة؟
- بذكر كمان بيتنا، كان بأول الشارع وقبالة كانت دار الستات الالمان ساكنات، كنا نروح عندهم وكان عندهم عيادة بسيطة. البصة كانت من القرى الوحيدة تقريباً اللي كان ساكن فيها دكتور وكان اسمه الدكتور زعرب، ما كان عنده أولاد وكانت مرته من مصر وكانت تحب تربي قطط كثير. اهل البصة والقرى المجاورة كانوا يجو يتحكّموا [يتعالجوا] عنده، البصة كان فيها مطار صغير للجيش البريطاني، وحوالي البصة كان في مخيمات للجيش البريطاني. كثير من البصة ومن أهالي القرى المجاورة كانوا يجو ويشتغلوا بهاي المخيمات. هاي الناس كانت تتقن اللغة الانجليزية.
- أنت متذكرة الإنجليز؟
- لا ما بذكرهم. الانجليز ما كانوا يفوتوا كثير على البصة، بس الكامب تبعهم كان بمنطقة اسمها جبال اللوز، قريب من كيبوتس ساعَر اليوم. كنا مسمينه كامب جبال اللوز. كان الانجليز يفوتوا على المنتزه عند عمي عشان يوكلوا ويشربوا كحول، بس ما كانوا يزعجونا.
- ومن أيام المدرسة شو متذكرة؟
- أنا لما طلعت من البصة بصف بستان، مديرة المدرسة كان اسمها ماري من لبنان، بذكرها منيح، كانت قصيرة وناصحة. كان عنا معلمه اسمها وردة، بعد الحرب تهجّرت على المزرعة وعاشت وماتت هناك. اللي كانوا معي بالمدرسة بذكر واحدة من كفرياسيف أبوها من عائلة سعيد، بس كان متزوج وعايش بالبصة، اسمها ليلى وعايشة اليوم بكندا أو أمريكا. مرّة كان عندي صورة إلي وأنا بصف بستان بس ما بعرف وينها.
بالبصة المدرسة الحكوميّة كانت مختلطة، أولاد وبنات، بس مدرسة المطران كانت مقسّمه لقسمين، مدرسة للأولاد ومدرسة للبنات. كان في نسبة منيحة من البنات يروحوا على المدرسة، لأنه بلدنا كانت مثقفة وفيها انفتاح وكان مهم البنات تتعلم. حتى لبس البنات بهديك الأيام كان مختلف، يعني البنات كانوا يلبسوا لبس أنيق وكُم قصير وبدون ما يغطوا راسهم.
لما تهجرنا من البصة، أبوي دخّلني روضة أطفال عند اليهود بنهاريا، وبشهر 9 سنة الـ 50 نقلنا على كفرياسيف وعملوا لي امتحان بالمدرسة أنا وإخوتي الصغار وفتت على صف رابع. أخوي فات على صف ثالث وأخوي اللي اكبر مني على صف خامس. بعد ما انهيت صف عاشر رحت وتعلمت ممرضة بتل أبيب وعملت تخصص لغرف العلميات. بسنة 63 لمّا خلفت أول ولد تركت المستشفى وكمّلت بعيادة بالبلد، لحد ما تقاعدت. يعني على الرغم من إنه أبوي كان فلاح بسيط بس هو اهتم إنه يعلمنا كلنا. المدارس بهداك الوقت ما كانت مجاناً، يعني أنا لما كنت أروح على البستان أبوي كان يدفع عنّي وعن أخوتي مصاري.
أبوي ما راح وهو طفل على المدرسة لأنه كان عنده مرض بإيديه، كان عنده رجّة, ولما راح على المدرسة ما خلوه يكمّل عشان المرض.
- بأي سنوات بدأت تتعلمي تمريض بتل ابيب؟
- بال 56 تقريبا، بفترة الحكم العسكري، كنت بالأول أتعلم بمستشفى الصرفند، اليوم اسمه أساف هروفيه بالرملة. كنت آخذ تصريح من الحاكم العسكري كل شهر عشان أنتقل من كفر ياسيف للمستشفى. كنت أروح بالباصات، وسكنت هناك بداخلية للبنات وكنت أرجع بنهاية الأسبوع عند أهلي. كان معي كثير بنات بس كلهم يهود، ما عدا امرأه عربية من حيفا. بال 59 انتقلت واشتغلت بنهاريا وبعدين نقلت على صفد لسنة 1961 وبعدين تزوجت ونقلت اشتغل بكفر ياسيف.
- وباقي أخوتك كمّلوا تعليمهم بعد التهجير؟
- طبعاً، إحنا الخمسة تعلمنا وكنا نصرف على أهلي، لأنه أبوي من وقت ما ترك البصة ولحد ما مات، ما اشتغل أبداً. لما طلعنا من البصة أبوي كان معه 100 ليرة ذهب وكنا عايشين منها. بعدين بالخمسينات أختي صارت تشتغل موظفة شؤون بمنطقة المثلث. كانت أول موظفة شؤون بهذيك الفترة، وأختي الثانية درست تمريض، أخوي خليل تعلم بالجامعة وبعدين انتقل لقسم الهندسة وأخوي سليمان تعلم بمدرسة زراعية. بس كانت الحياة بهذيك الأيام صعبة كثير، يعني أنا بذكر بأول الخمسينات لما أجينا على كفر ياسيف، علّموني كيف أحمل الجرّة وأنزل أعبّي ميّ من العين. كنت أطلع طلعة طويلة والتنكة ع راسي، كنت كمان أحمل اللجن على راسي ونروح نخبز ونروح على السهل نجمع حشيش عشان نطعم الأرانب.
- من شو كان أهل البصة بشكل عام واهلك بشكل خاص يعتاشوا ؟
- كان في موظفين وكان في فلاحين. أراضي البصة كانت خصبة جداً، والناس كانت تعتمد على البيارات. أبوي كان يحكي لي إنه لما توصل خضروات البصة على الحسبة بعكا كانت تكون مميزة جداً لأنه الأرض كانت خصبة وكان فيها كثير مي. أبوي كان فلاح، وكان من عادات أهل البصة مثلاً لما يزرعوا كوسا أو بامية أو أي خضروات، أول قطفة ممنوع يبيعوها، بس ثاني قطفة كانوا يبيعوها، لأنه أول قطفة كانت خير، وكانت الناس تتبارك منها وتفرقها. أبوي كان فلاح وأمي كانت ربة بيت، وقليل ما كانت تساعد أبوي بالفلاحة، لأنه كان عندها خمس أولاد. بس كان في نساء بالبصة تشتغل بالأرض. بالبصة كان في بنات متعلمات، اللي يعلموا بمدارس البصة او برّة البصة. بس بهداك الوقت كان القانون يقول انه لما تخطب البنت او تتزوج كانت لازم تترك التعليم وتقعد للبيت والأولاد.
- كنت تسمعي من الكبار بالبصة عن فترة الثورة والثوار؟
- أبوي كان يحكي لنا عن الأتراك. كان الشباب اللي يفرّوا من الخدمة العسكرية يسموهم "الفراري. الأتراك كانوا ييجوا ياخذوا الشباب على الجيش، اللي معه مصاري كان يعطي للجيش وابنه ما يروح. بهذيك الفترة سيدي توفى واللي ربّى أبوي كانت ستّي. وستّي ما كان معها مصاري عشان تعطي للأتراك حتى ما ياخذوا ابنها الوحيد. المهم، أبوي هرب مع بعض الشباب على دير اليتامى بالناصرة وتخبّوا هناك. الجيش التركي أجا وصار يدوّر على شباب من القرى وما لاقوا الشباب، وهيك نجيوا من الخدمة. أما عن الثورة والثوار فما بذكر إشي وأبوي ما حكى لنا.
- كيف كانت علاقة اهل البصة مع القرى المجاورة؟
- بسبب وجود المدارس وطبيب بالبلد والتجارة، كان أهل القرى المجاورة ييجوا على البصة. يعني كان بالبصة دكاكين كبيرة وكاننوا ييجوا عشان يشتروا منها، مثلا يشتروا قماش من البصة. عنا بالبصة الطلاب بالمدرسة كان عندهم لباس خاص. طلاب المدرسة الحكومية كانوا يلبسوا مراييل أزرق وأبيض، وبالمطران كانوا يلبسوا أزرق مع قبة بيضا. قبل ما تبدأ المدرسة كانت الأمهات تشتري القماش والخياطات بالبصة تخيّط. اللباس الموحد كان قانون.
- واليهود؟ كان في علاقات بين البصة وبين المستوطنات المجاورة؟
- نعم، كان في، بالأساس يهود حنيتا ومتسوبة، كان في زيارات بين العائلات. مثلاً كان مختار حنيتا ومتسوبة يزوروا رئيس البلدية عنا. مرات كانوا ييجوا عشان بدهن يشتروا إشي، بس هذا مش كثير لأنهم كانوا عايشين بكيبوتس وهناك كان عندهم تمويل جماعي.
- وكيف كانت الناس تتنقل بين هذي البلاد؟
- كان في شركة باصات في البصة وكان عندنا أوتيل لخالي. العمارة بعدها لليوم. عمارة زوجلوبيك لخالي، والبيت اللي قبال الاوتيل كان لخالي بشارة. كان إلي 3 أخوال، منهم خالي إبراهيم اللي كان عنده أوتيل وقهوة، وكانت الرجال بالبصة يقعدوا بالقهاوي ويلعبو شدة ويتحدثوا.
- مين كان ينزل بالأوتيل؟
- كان يجي ناس من برة البصة ويناموا فيه. الطريق بين لبنان وفلسطين كانت مفتوحة والناس اللي كانت تيجي من لبنان كانت تنزل من الجبل وتيجي على البصة وتقعد بالاوتيل. كان في كثير بالبصة ناس اللي أجو من لبنان عشان يشتغلوا بالبصة، قسم ظل بالبصة مثل عائلة كنعان، وبنوا بيوت بالبصة وعملوا بيارات. هذي العائلة العربية الوحيدة اللي بقيت ساكنة بالبصة لليوم.
البصة كمان كان فيها نقطة جمرك، اللي يجي من لبنان ومعه بضاعة كان مجبور يدفع جمرك. أبو إسكندر نعمان من كفرياسيف كان ساكن بالبصة وكان يشتغل بالجمرك.
- بدي تحكي لي عن فترة النكبة ووينتا بلشتوا تحسوا بالخطر؟
- لما بدأت الحرب، ومعارك بترشيحا والكابري بدأنا نحس بالخطر. صاروا يقولوا أجا جيش القاوقجي عشان يساعد العرب، وصارت معركة الكابري وصاروا يقولوا: انتصرت العرب. طلع هذا كله حكي فاضي. الجيش العربي انسحب واليهود احتلتنا. قسم كبير من مسيحية البصة طلعوا على لبنان والجزء الثاني تهجّر على القرى المجاورة. إحنا بيتنا، رحنا على المزرعة على قصر جنرال بريطاني اسمه الجنرال مكنيل. القصر كان جنب المزرعة واليوم يستعمل كمكان مقدّس للبهائيين. قعدنا بالقصر لحالنا لأنه الجنرال ترك البلاد بال 48، وبعد بسنتين، لما شفنا إنه مش راح نرجع على البصة وإنه صعب نعيش بالمزرعة وخصوصاً إنه ما فيها مدارس، فكرنا نروح نسكن بعكا، بس أبوي قال: أنا قروي وبدي أروح على قرية. وبهداك الوقت تعرفنا على عائلة من كفرياسيف وساعدونا نلاقي بكفرياسيف بيت للإيجار وهيك نقلنا.
- متذكرة اليوم اللي طلعتوا فيه من البصة؟ شو صار؟
- أنا مش متذكرة كثير، بس بذكر إنه جيش الانجليز أجو أخذوني أنا وأخوتي وأهلي بسيارة، السيارة كانت كبيرة مفتوحة من ورا. وأنا وإخوتي وأمي أخذنا معنا شوية أواعي من البيت وطلعنا ع السيارة. طلعنا من البصة باتجاه نهاريا ومن هناك للقصر بالمزرعة. الجنرال البريطاني قال لأبوي: ما تاخذوا معكم إشي لأنه راح ترجعوا بعد أسبوعين. أبوي سكّر باب البيت والمفتاح بعده معنا لليوم. المهم، إحنا نقلنا بشهر 5 من البصة، وبشهر 9 راح أبوي وأختي حتى يلقطوا زيتون من البصة، الجيش الاسرائيلي كان بالبصة وطرد أبوي وأختي. هاي بذكرها.
- ليش رحتو على المزرعة ومين هذا الجنرال؟
- بالـ 48 أنا وإخوتي الصغار كنا مع أبوي وأمي، وأخواتي اللي أكبر مني، كانوا يشتغلوا عند زوجة الجنرال ببيتها بالقصر لأنهم كانوا يحكوا انجليزي منيح. أبوي ما كان بدّه يطلع على لبنان بدون أخواتي. وأختي قالت للجنرال بدّي تجيب لي أبوي وأمي وأخوتي على المزرعة. الجنرال أجا على البصة وجابنا ع القصر عنده.
بعد ما احنا طلعنا من البصة، الجيش الاسرائيلي هجم على البصة. لما فات الجيش كان قسم كبير من أهل البلد طالعين وبقي بالبلد الكبار بالعمر. لما فات الجيش، حمّل اللي بقوا وجابهم على المزرعة، ومنهم كان خالي بشارة. أولاد خالي كانوا بعلما الشعب بلبنان، ورجعوا على البلد تسلـّل، ولما وصلوا لهون حطّوا الإسرائيلية تحت الأمر
الواقع وعملوا لهم هويات. المهم، لما الجيش جاب اللاجئين على المزرعة صار يجيب لهم أكل وميّ، وبعد فترة بدأت فترة التقنين، يعني كنّا نوخد كوبونات من الإسرائيليين عشان نشتري فيها أكل وأواعي وكنادر. حسب عدد الأشخاص بالعائلة كانوا ياخذوا كوبونات. بعدين أجت الإعاشة التابعة للاونروا. صارت الاونروا تبعث مؤن للاجئين. بذكر بكفر ياسيف كانت الناس تقول إنه المؤن وزّعوها كمان لأهل البلد ومش بس للاجئين وهذا ممنوع. كانت الاونروا تعطي حليب ناشف، بيض ناشف، هيك أمور.
- في ناس انقتلت او تصاوبت من البصة بالحرب؟
- لما أجو استحلوا، إحنا بيتنا كان على طرف الشارع. طلع واحد من البصة وكان معه بارودة مصدّية وطخّ على الجيش اليهودي. لما شافوه الجيش، هرب منهم وصار يركض لحد ما مسكوه باب بيتنا وطخّوه. اليهود فكروا إنه هذا بيته للشاب اللي طخّ، قاموا حرقوا كل البيت. بيتنا احترق أول بيت بالبصة. لما احترق إحنا كنا بالمزرعة.
كمان حادثة قتل صارت بهذيك الفترة وهي لما اليهود مسكوا بعض الشباب من البصة وحطّوهم بقلب الكنيسة وطخّوهم وقتلوهم قدام أهلهم. أم واحد من الشباب بعدها عايشة لليوم وساكنة بمعليا. ما بذكر قصص ثانية لأني كنت صغيرة وما كنا بالبصة وقت ما رحلت الناس.
- أبوك ليش ما اشتغل بعد ما تهجرتوا من البصة؟
- لأنه كان فلاح وصاحب أراضي، وكان صعب عليه يشتغل بالأجرة عند أشخاص ثانية أو عند اليهود بالكيبوتسات. إحنا لما أجينا على كفر ياسيف من المزرعة استأجرنا غرفة، وبعدين سكنا أنا وكل أخوتي وأهلي ببراكية من غرفتين. بذكر بالشتا لما كنا ندرس كانت الدنيا تشتي على الزينكو ويطلع صوت قوي، ط ط ط ط، ويصير سليمان أخوي يقرأ بصوت عالي. كان أبوي يفيّقنا الساعة خمسة الصبح عشان ندرس لأنه بساعات الصبح حسب رأيه بيكون راسنا فاضي وأسهل نعبيه بالمعلومات. بالبراكية قعدنا عشر سنين، يعني لسنة 58، بعدين أختي مرتا صارت تحاول تقنع أبوي انه نشتري أرض ونعمّر بيت، بس أبوي كان رافض، وكان يقول لها: ولا ممكن أسكن ببلد مش إلي، أنا بظلّ بالبراكية لحد ما أرجع على البصة ونعمّر دارنا كمان مرّة هناك. المهم بالـ 58 اشترينا أرض وأختي قالت لأبوي: خلينا نعمّر وبس نرجع على البصة بنعطي هاي الدار لأبو إلياس دلة، لأنه مرته من البصة وكان إلها أرض هناك جنب المطار، وإحنا بناخذ أرضهم اللي بالبصة. ساعتها أبوي وافق وعمّرنا وسكنا ببيت أخيراً.
- وينتا أول مرّة دخلت البصة من بعد ما طلعتوا منها؟
- مش ذاكرة، بس كان بعد سنين، يمكن لما أجت بنت خالتي من لبنان تزور البصة. أما أختي فكانت تروح لهناك وقت الحرب. بس أنا كثير رحت على البصة ودائما بحكي لأحفادي وأولادي عنها وكنت آخدهم عليها عشان يشوفوا وين بيت دار خالي. بالبصة في بيت مع برندة مدوّرة، هذا بيت ابن خالتة لعيسى زوجي، اسمه إلياس ينّي. بنى البيت ولما قرر ينقل صارت النكبة وما سكن فيه. اليهود استعملوه بعدين مبنى للمجلس الإقليمي. دار الستات بعدها لليوم. مرّة أخوي خليل كان يجمع صبر من البصة، شافه واحد يهودي وقال له: شو بتعمل هون؟، قال له أخوي: انت اللي شو بتعمل هون، هاي بلدي، أنا خلقت هون.
مريم فهد كريني-عاصي
مكان الولادة: البصة
تاريخ الميلاد: 771939
تاريخ المقابلة: 772012
مكان المقابلة: كفر ياسيف
أجرت المقابلة: رنين جريس
عن موقع (ذاكرات)