لأنها فلسطين التي ضاعت بسبب تواطؤ العرب وخذلانهم وبسبب تآمر العالم الذي أجمع على شعب أعزل مسكين وهو إلى اليوم يعاني ويعاني ليس فقط من الاحتلال الجاثم على أرضها المباركة ولكن من المؤامرات المتتالية التي تنسج خيوطها ليلاَ نهارا، سرا جهارا ضدها، وأيضا على حق العودة، عودة أصحاب الأرض الشرعيين وأهلها الذين تنادي عليهم أراضيهم، تتلهف لعودتهم إليها، وتحن لأيام أنسهم، وتشتاق للياليهم الملاح، وعطفهم وحبهم لها، وكيف لا !! وهم قد سقوها حبا ورعاية واهتماما لا يتخيله عقلا ولا قلبا .
وانطلاقا من ذلك توجهنا إلى واحد من أولائك.. عاش معاناة مفارقة بلدته وقريته وبيته القديم الذي يمثل له الآن عبق الماضي والحنين إلى كل شبر هناك .
ففي يوم الثلاثاء الموافق 6/5/2014 تمت زيارة المختار جميل عبد الرحيم محمد السحار " أبو سامي " لينقل لنا تفاصيل هجرته وترك قريته مثله كمثل العشرات الآخرين الذين كانوا ضحية للاستيطان الإسرائيلي .
قبل الخوض في تفاصيل اللقاء , أكد "أبو سامي" بأن هجرته من بلدته الأم تظل حكاية مؤلمة تروى لكل طفل يولد وأنه يحلم في كل ليلة وضحاها بالعودة إلى قريته ولكن في ظل هذا الوضع الذي يعيشه كل فلسطيني يعلم بأن ذلك أشبه بالحلم .
وبدأ المختار حديثه عن بلدته التي كانت تمثل له كل شيء في حياته كيف لا وهي شرارة انطلاقتهم ويقول .. ولدت في قرية الجية في 12/8/1936 وسميت القرية بهذا الاسم من كلمة الجواء أي الأرض الواسعة , و كان عددها 1427 نسمة , وكانت تتبع لواء غزة , قضاء مع المجدل إداريا , و كانت تبعد 20 ك شمال شرق غزة, وكانت في أرض منخفضة, ولكن كان يوجد فيها جزء فيها من وادي الحسي كان يأتي من جبال الخليل ويتجه مع المنخفضات إلى الجية, وكان يحدها من الشمال المجدل, من الجنوب بربرة, من الغرب نعلية , من الشرق بيت طيمة , وكان هناك طريق واحد معبد يربط غزة بيافا والذي عبده الانجليز لخدماته العسكرية . فيما أكد السحار بأن بلدة الجية كانت تضم عدداً من المعالم التي تعود إلى العصور الكنعانية والخرب مثل خربة عموده وخربة أرزة , وخربة أسامة, وكان فيها أيضا عدد من المدارس التي كانت تدرس للمرحلة الإعدادية, ومسجد واحد فقط, ولكن لم تكن هناك وجود للكهرباء وكانت وسيلتنا الوحيدة هي الإنارة بفوانيس الكاز .
وبالنسبة لعائلتي كان لي جد " محمد عبد الرحيم السحار" ولد عام 1875 في بلدة الجية , توفى عام 1955 بسبب مرض وكان يسكن في معسكر الشاطئ عند مرضه ودفن في مقبرة الانجليز. كان متوسط الطول, وأبيض البشرة ويلبس كوفية ويتوسطه حزام على الدماه (العباءة) , كان مشهوراً ومعروفاً بين الناس بالهدوء وكان أحيانا يتجه للعصبية, كان له أملاك في القرية وله أموال وعدد من الموشي ( الجمل والحمير والغنم) وكان يملك 75 دونما .
وكان لجدي ثلاثة من الأولاد ..
وهم عبد الرحيم ولد في 1907
عبد العزيز؛ ولد في1909
أحــمــد؛ ولد في 1920
وكانوا جميعهم شاهدين على النكبة, وناضلوا مع المناضلين والمقاتلين ضد العدوان الغاشم , وكانوا يعملون بالزراعة في ذلك الوقت, ولم يظل منهم احد على قيد الحياة توفوا هنا ودفنوا جميعهم في غزة " في مقبرة الشيخ رضوان"
ومن بعد ما سبق من حديث عن البلدة والعائلة ,, ومن وحي المعاناة وحلم يراود المختار وقصة تظل بالأذهان, يروي لنا أبو سامي قصة هجرتهم من القرية التي لن تغيب عن أذهانه بتاتا .
يقول أبو سامي .. خرجنا مع أهل القرية في 5/11/1948 , في فترة المساء, خرج الناس بسبب الاعتداء على الناس من قبل الصهاينة, ونحن في قرية الجية هاجرنا بسبب رؤيتنا الخطر بعيوننا وكان حينها اقترب منا كثيرا ولم يكن بوسعنا إلا الهجرة مع المهاجرين لتفادي الخطر .
حينها استأجرنا شحن وهربنا على طريق البحر وذهبنا إلى بلدة هربيا ومكثنا هناك ما يقارب 17 يوماً وبعد ذلك مكثنا في بيارة الشيخ العلمي وبعدها انسحب الجيش المصري ولم يكن أمامنا إلا الانسحاب معه وبعدها أتينا إلى غزة, وعندما هاجرنا كان لجدي أصدقاء في حي الزيتون مكثنا عندهم عدة أيام بعدها ذهبنا إلى رفح سكنا في بيوت من الشجر من صنع أيدينا وبعدها إلى معسكر جباليا مكثنا هناك ستة أشهر ومن ثم بعد ذلك الاستقرار في معسكر الشاطئ .
ظل عدد قليل جداً , لأنه كان متمسكاً بقريته وممتلكاته , واعرف احدهم هو الحاج علي السحار كان عمره 90 عام , ولكن بعد ذلك انقطعت أخباره تماما , معظم أفراد العائلة استقرت في غزة, ولكن هناك عدد ذهب إلى الضفة الغربية (الخليل وبعد ذلك كان أبي وجدي يحاولون العودة لكن وقتها من كان يراه اليهود كانوا يقتلونه , ووقتها قتلوا الشيخ حمدان عابد وأبنه إبراهيم في وادي الجية لأنهم حاولوا العودة .
وأضاف أبو سامي بأنهم لم يستطيعوا إخراج أيا من الطرش أو الدواب معهم بسبب كثافة إطلاق الرصاص والعدوان الغاشم حينها , ولكن كل ما استطعنا اخراجه معنا عدد قليل من الطناجر وبوابير الكاز .
وتابع المختار قائلا " بأن أولى سنوات الشتات شهدت معاناة لم نراها من قبل حيث أن الوضع كان يائساً جدا , ولا ويوجد ملبس للدفء ولا مكان للستر , وكان هناك عدة أمراض منتشرة بصفة كبيرة ولم يكن بملكنا أي نقود للتصرف بها , مما أدى إلى وفاة عدد من أفراد عائلتي .
وقبل حدوث كل هذا وتهجيرنا من قريتنا وقبل وقوع النكبة التي كانت أشبه بالصدمة , وعند سؤالنا للمختار عن بعض جيرانهم في القرية قال المختاربأن هناك عدة أسماء من العائلات التي كانت تسكن في القرية قبل عام 1948، ومنها:
عائلات الشنطي ( السحار , طه , أبو عواد , الطيبي , خير الدين , يوسف , حماد الحاج إبراهيم , عباس , زايد , علوش , درويش , حسين) وعائلات القطوي ( سويدان , شاهين , صباح , نصر الله , جبر , عابد , المشني , موسى , عوض)، وعائلات الغبون ( محجز , صيام, سليمان , ياسين حلوة , سالم وسلامة, أبو شنب, راضي, سليم, ربيع, الأخرس).
وأضاف أبو سامي في بلدتنا معظم أهل البلد كانوا يعملون بالزراعة , ولكن هناك عدة رجال كان لهم عمل مثل شيوخ من أزهر مصر ( حمدان عابد , أحمد عابد , موسى السحار , محمد سعيد عليان) ومن المدرسين " علي يوسف " , ونجار من آل أبو شنب , الجزارين كانوا من آل أبو عواد وآل عوض.. أما أصحاب الدكاكين: حسن أبو شنب , الحاشي , أحمد عبد القادر.
ويمكن القول أن جميع النساء كنّ يشتغلن بالخياطة , وكانت هناك داية تدعى أم شحدة.
وكان معظم أهل البلدة يعزفون على الربابة , وكانوا يدبكون بـالأفراح ( كل من خليل عوض في السامر, وأحمد الطيبي وأبو داوود الشنطي في الدبكة) وكان لكل عائلة ديوان أو ديوانان , آل السحار كان لهم ديوانان, وهناك عدة مخاتير منهم " محمود محجز ومحمد طه.
وفي النهاية ومن بعد كل ما حدثنا به المختار أبو سامي, نؤكد ونثني على كلامه ومعاناته وأن حق العودة حق كامل ومشروع لكل فلسطيني , هذا الفلسطيني الصامد الذي فجر الانتفاضة المباركة في فلسطين، لا يقبل بأقل من التمسك بكامل حقوقه الوطنية، التي أقرتها هذه الشرعية الدولية، وسيبقى صامدا مقاوما لينتزع حريته وكل حقوقه، ويضمن حق عودة من هجر من وطنه قسرا وسلبت أرضه، ولن يقبل السير نحو نهائيات الوضع غير العادل مهما طال أمد المعاناة .
اسم الشاهد: جميل عبد الرحيم محمد السحار " أبو سامي "
تاريخ ومكان الولادة: 12/8/1936 في قرية الجية .
تاريخ إجراء المقابلة: 6/5/2014
مكان إجراء المقابلة: في بيت المختار أبو سامي.
أجرى هذه المقابلة و أعد لها وأخرجها: جمعية التجمع الشبابي من أجل فلسطين