سطور من زمن صعب ..من زمن ظهور الخيانات والتخاذلات ...
لكن عبد السلام وامثاله من ابناء الوطن المخلصين المجاهدين الذين حاولوا جاهدين انقاذ ما يمكن انقاذه بكل اخلاص وتفاني ...
عبد السلام صبحي .... ولد عام 1894 في قرية (بيت صفافا) ، وعاش طفولته وشبابه فيها مثله مثل اقرانه من ابناء البلد ، عمل بكل مهارة وحرفية في مجال البناء والعَمار .
عند دخول الحكم التركي لفلسطين جُمع الشباب الفلسطيني للتجنيد الإجباري لخدمة العلم وكان من بين الشباب (عبد السلام) وأرسل إلى دورة عسكرية في الكلية العسكرية في اسطنبول وتخرج أيضا من كلية (الجندرمة) في بيروت ، خاض المرحوم عدة معارك مع الجيش التركي ضد الإنجليز برفقة( فايز الإدريسي) مدير الأمن العام في عهد الانتداب و(حسني فخري ألخالدي) أحد رؤساء الحكومة الأردنية ،
بعد ذلك شارك عبد السلام في ( معركة سيناء) حيث اصيب اصابة بالغة في فخذه الايسر اضطر الاطباء حينها استئصال جزء من عظم الفخذ لإنقاذ حياته مما سبب له اعاقة دائمة في مشيته لكنها لم تعيق سير جهاده.
ذهب الاتراك وجاء الانجليز!!!
بعد انتهاء الحكم العثماني في فلسطين حل محله الانتداب البريطاني الذي حاول بكل وسائله الخسيسة لإغراء عبد السلام بالتعاون معه وتقديم اعلى الرتب العسكرية له لكنه رَفَضَ رَفْض الاحرار الذين لا يبيعون حبة تراب من بلدهم ولو مقابل كنوز الدنيا، ووجد له مكان في صفوف المجاهدين والثوار يقضّون مضجع الانجليز ، فكان نصيبه السجن حيث امتلأت السجون الانجليزية بالشباب الفلسطيني وقتله الكثير منهم،
من سجن لسجن....من معركة لمعركة
وتنقل المجاهد من سجن إلى سجن فتارة في سجن (القشلة) في القدس وتارة في (معتقل صرفند) ومنعت عنه الزيارة واستمر به هذا الحال حتى ثورة 1936 حيث عقد مؤتمر عام في بلدة دير غسانة في نفس العام
وانتخب في هذا المؤتمر قادة الثورة وكان عبد السلام من بين المنتخبين ليكون قائدا لفصيل بيت صفافا والقرى المحيطة بها وعددها 16 قرية، ومع زيادة حدة الصراع مع الانتداب البريطاني وقد أبلى الثوار بلاءا حسنا ولكن للأسف قلة السلاح حالت دون النصر، وقد شارك عبد السلام في عدة معارك في ذلك الوقت منها "معركة قرية الخضر" (قضاء بيت لحم ) التي استشهد فيها القائد البطل سعيد العاص.
شارك عبد السلام ايضا في معركة "بني نعيم" (قضاء الخليل) التي جرح فيها الشهيد القائد عبد القادر الحسيني والذي كانت تربطه علاقة وطيدة مع عبد السلام و"معركة حوسان" (قضاء بيت لحم ) ومعركة "أم الروس" التي استشهد فيها القائد أحمد جابر "أبو الوليد" من بلدة بيت عطاب.
لقد أمضى عبد السلام صبحي حياته مطاردا ومطلوبا من حكومة الانتداب فاتخذ من الجبال مأوى له ، فكان يغيب عن بيته بالأسابيع والشهور وكان يتسلل تحت جنح الليل سرا ليقضي بضع ساعات مع أسرته، ويلوذ بالفرار قبل بزوغ الشمس .
حكم بالاعدام
لم يستمر الحال طويلا وأثناء زيارة خفية لبيته في أحد الأيام تفاجأ عبد السلام بالقوات البريطانية تداهم البيت وتعتقله حيث نقلوه إلى ((سجن عكا ))مع جماعة من مجاهدي الثورة حيث مكث هناك فترة طويلة إلى أن صدر بحقه "حكم الإعدام"
وذهب أفراد عائلته لزيارته وتوديعه قبل تنفيذ الإعدام عندما رأى ابنه صالح "أبو زيدون" يبكي فقال له : لا تبكي أنت رجل عيب الرجال تبكي يا صالح .
رحمة "كيثروغ" ..وزوجة وفية
زوجة عبد السلام تمام ابو سعود) رحمها الله، قد جلبها حظها ..لا اعرف ان كان حظا سعيدا ام عاثرالذي جلبها الى قريتنا (من هول مسؤولياتها والظروف غير الطبيعية التي عاشتها كزوجة لمجاهد) من (رفيديا) قضاء نابلس هذه المرأة التي كانت الاب والام والمعيلة لثمانية اطفال .
لم تعرف ماذا تفعل ...الدموع والحزن لن يفيد ، و قررت ان تبحث عن أي وسيلة لانقاذ زوجها من حكم الاعدام .
تذكرت فجأة !!! نعم ((كيثروج)) انه يعرف عبد السلام !!!
كيثروج هذا اصبح الان الحاكم العسكري لمدينة القدس ، كان يعرف عبد السلام ..ذهبت ام داوود وواخذت ابناءها الثمانية ودخلت على مقره متأملة بنظرة رحمة لابناءها وتقدمت بطلب استرحام لكيثروج هذا ، ووعد المذكور ان يبذل قصارى جهده لإلغاء قرار الاعدام ، فكان ذلك وتم اخلاء سبيل عبد السلام بشرط ابقاءه تحت "الإقامة الجبرية" في قريته بيت صفافا.
عاد أبو داود بعد نهاية ثورة عام 1936-1939 للعمل في البناء والمقاولات حتى عام 1947 عندما أرسل الشهيد عبد القادر الحسيني في طلبه ولقائه في مقر قيادته في بير زيت طالبا منه تنظيم شباب بيت صفافا للدفاع عنها فقام بالمهمة خير قيام، وبدأت المناوشات مع اليهود حيث أصيب بانفجار قنبلة بتاريخ 13/2/1948 وفقد إحدى عينيه وأصيب بشظايا في جميع أنحاء جسمه ، سقط في هذه المعركة الشهيد "محمود العمري" وأصيب المجاهد إبراهيم مصطفى من الولجة المجاورة وأصيب أيضا المجاهد جمعة عبد جمعة من بيت صفافا .
مكث المرحوم في المستشفى قرابة ال3 أشهر حيث خلال إقامته في المستشفى وقعت ((معركة القسطل )) وسقط الشهيد القائد عبد القادر الحسيني حيث حرم عبد السلام من المشاركة في هذا الجهاد بسبب إصابته وفُجع باستشهاد صديقه والحيلولة دون وداعه .....
اقامة جبرية.. ونكبة
انتهت حرب ال48 وسقط الجزء الغربي من بلدتنا بيت صفافا وبقي عبد السلام في القسم الذي يقع تحت الحكم الإسرائيلي تحت الإقامة الجبرية حتى وافته المنية في 19/1/1958.
رغم انه لم يكن في جسمه شبر الا وفيه اثار جراح و ثقوب ..شظايا ..فَقَد عينه وجزء من فخذه...
تنمى الشهادة مع اصحابه فلم ينلها ، ومات على فراش المرض اثناء الاقامة الجبرية التي فرضت عليه
ذكرتني يا جدي بسيدنا خالد بن الوليد عندما قال مقولته المشهورة وهو على فراش الموت .
إن أمثال المجاهد عبد السلام هم ثمار هذه التربة الطيبة، هذه التربة التي قدمت عبد السلام والمجاهدين الأبطال هي تربة طاهرة تستأهل منا كل الغالي والنفيس فلا نامت اعين الجبناء .
أرسلتها: ماجدة صبحي