زيارة الحاجة مريم الجاسر.. قصة لاجئة فلسطينية في مخيم الرمل

غسان الحاج
مخيم الرمل - سوريا
27/3/2025
في ليلة مباركة من شهر رمضان، قررت القيام بزيارة الحاجة مريم عبد جاسر، في بيتها القريب بمخيم الرمل. كانت هذه المقابلة الشفوية الأولى لمشروع "هوية" في المخيم، وكانت مليئة بالترقب والإثارة. استقبلتنا الحاجة مريم بحرارة وعفوية، حيث أعدت لنا قهوة رمضانية، وكانت الأجواء مفعمة بالحنين والذكريات العزيزة.
بداية اللقاء كانت مع حديث عن حياتها في مدينة حيفا، حيث وُلدت عام 1942. تحدثت بلطف عن ذكريات طفولتها، واستحضرنا معاً صور بيتهم الجميل وأرض بيت جدها (أهل أمها) التي كانت تحتوي على أشجار التين التي لا يزال طعمها حاضراً عند الحاجة مريم. لكنها تذكرت أيضاً اللحظات الحالكة، حين غدر اليهود بهم واضطرت عائلتها للخروج إلى لبنان، لتسكن في مخيم المية ومية، عيشة صعبة في خيام مصنوعة من أكياس الخيش..وقد أتمت الحاجة مريم دراسة الصف الأول في مدارس لبنان.
بعد فترة، علم أخوالها بمكانهم وأخذوهم من لبنان إلى منطقة حرستا في الشام، ثم انتقلوا إلى دوما، حيث أنهت دراستها حتى الصف الخامس، قبل أن تتجه نحو عالم الخياطة الذي أضفى على حياتها معنى جديداً. تزوجت في سن السابعة عشرة، وعاشت مع زوجها في مخيم اليرموك، وأنجبت أربع بنات. رغم صعوبة الحياة، كانت تقول دائماً "هذه هي الحياة، وسنعيشها".
عندما سألتها عن رغبتها في العودة إلى فلسطين، تغيرت ملامح وجهها لتُظهر شغفاً وحنيناً عميقين. "يا ريت.. وأموت هناك.. أنا بنت فلسطين.. يلعن الساعة اللي طلعونا فيها"، كانت كلماتها تعبر عن كل ما في قلبها، وكأن روحها لا تزال هناك، بين جدران بيتها في حيفا، وأشجار التين التي تشهد على طفولتها.
في عينيها، قرأت إصراراً على حق العودة، وعزيمة لا تتزعزع رغم مرور السنوات. تحدثت عن آمال العودة، وتمنت أن يُسمح للشباب بالدخول إلى فلسطين، حيث يرغب كل الفلسطينيين بالمقاومة لاستعادة أرضهم.
أدركت أن هذه الزيارة لم تكن مجرد مقابلة، بل كانت رحلة في قلب تاريخ مستمر من الكفاح والأمل. الحاجة مريم ليست مجرد رمز للمعاناة، بل هي مثال حي على الصمود، وقصة ملهمة على الرغم من كل صعوبات الحياة. في كل كلمة نطقتها، كان هناك هناك صدى لأصوات الأجيال القادمة، ورغبة ملحة في استعادة الوطن الذي سيبقى حياً في الذاكرة.
غسان الحاج - هوية
