
كان والدي يعمل في سوق اسكافية في خياطة الأحذية وغيرها من مصنوعات الجلد والكاوتشوك، كانت دباغة الجلود من أهم حرف المدينة، وكانت بركة السلطان تعتبر بمائها كنزًا لهذه الصناعة وخاصة دباغة الجلود، التي كانت تحتاج للكثير من الماء من أجل ضمان جودة عالية للجلود التي كانت تصدرها الخليل لكافة مدن المحيط، خاصة مصر والشام، تربيت في حارة المحتسبين بالقرب من الحرم الابراهيمي، كانت البلدة القديمة في الخليل حينها ذات بنية معمارية مختلفة، فكانت القناطر تمتد من شارع السهلة حتى الحرم الابراهيمي، وكنا نمشي داخل خمس قناطر لنصل من أول الشارع حتى الحرم، لكن عمليات الهدم والتغيير التي طالت المدينة فترة الحكم الأردني شوهت ملامح المدينة التي نعرف.
وعندما نتحدث عن الماضي فلا فرق بينه وبين ما نعيشه في الحاضر، تربيت في ظل همجية حكم الانجليز الذين كانوا يعيثون فسادًا في البلاد والأرض، كانوا يدخلون بيوتنا ويخرجون المونة (المواد الغذائية المخزنة) ويضعون الكاز فوقها كي لا نستفيد منها، وكان عدد الشهداء الذين سقطوا فترة حكمهم كبير وغير مسبوق منذ أيام الحرب العالمية الأولى، لا أنسى النكبة وما حدث حينها، ولازلت أتذكر كيف حضرنا المخزن أسفل منزلنا لاستقبال أقاربنا من يافا، كانوا يمتلكون فندقًا هناك ويعملون بعز وكرامة حتى سلبهم الصهاينة كل شيء.
بعد احتلال المدينة عام 1967 بدأت دولة الاحتلال بتغيير الحقائق والتاريخ، وبدأت عملية اسكان المستوطنين الصهاينة في بلدة الخليل القديمة، اتذكر حارة اليهود القديمة التي كان فيها مسجد الاقطاب يتجاور مع الكنيس اليهودي، الخاص باليهود العرب الذين اخرجتهم بريطانيا من المدينة عام 1936، التي تحولت اليوم لمنطقة استيطانية مغلقة ومحرمة على الفلسطينيين الذين عمروا المكان بسني عمرهم وتاريخهم وجهدهم.
جانب من لقاء فريق التأريخ الشفوي التابع لنادي الندوة الثقافي يوم أول أمس الأحد 20/4/2025 مع السيدة زهرة عبد الحفيظ حريز، مواليد مدينة الخليل عام 1939م، الشكر موصول لها ولعائلتها على حسن الضيافة والاستقبال.
المصدر: نادي الندوة الثقافي
22/04/2025

