
حينما جاء قرار التقسيم عام 1947م عرف الناس أن هذا الاجحاف لن يقسم البلاد جغرافيًا فقط، وحدهم عرفوا معنى هذا التشرذم، لأن المدن والبلدات الفلسطينية كانت تتشابك مع بعضها البعض مثل الشرايين، حيث كل مكان يلعب دورًا معينًا في هذه العلاقة التكاملية، كنا قديمًا نقصد كراج اسماعيل عبد الباسط أو كراج بدي في خان شاهين، نأخذ إحدى الشاحنات ونذهب لمدينة المجدل وقراها من أجل تحميل الخضار للخليل حيث كان والدي يملك دكانًا لبيع الخضار مقابل حارة القلعة في محيط الحرم الابراهيمي الشريف، وفي موسم البطيخ كانت عبسان في غزة وجهتنا لتحميل البطيخ الذي لم تعرف البلاد أفضل منه.
كانت الخليل في تلك الفترة تتمدد باستطراد نحو الغرب والشمال، افتتحت الحسبة الجديدة مقابل مدرسة أسامة، امتلك والدي دكانا هناك، وكنت أعمل بالقرب منه عند أول شارع الكراج في معمل الطباخي في صناعة صناديق الشاحنات، حيث كانت تأتي الشاحنات تحمل هيكلها الحديدي وكنا نقوم نحن بصنع صناديقها المخصصة لتحميل شتى أنواع البضائع، بعد النكبة عام 1948م لم تعد تلك الشاحنات تسلك الدروب التي اعتادتها، وسكان تلك المدن التي تم احتلالها وطردهم منها، لم يفقدوا وحدهم ممتلكاتهم، حيث كان لأهل المدينة أملاكًا وبيارات هناك، واذكر ذلك الفندق في يافا في شارع اسكندر عوض الذي كان يمتلكه أحد أولاد عمومتي وكيف فُقد إلى الأبد، ولا زلت أذكر أصوات الناس في ليالي موسم النبي روبين بالقرب من يافا، ولم أعد أسمع صوت النسوة من الخليل اللواتي كن يهدد أزواجهن إن امتنعوا عن أخذهم للنبي روبين قائلات (يا بتروبني يا بتطلقني).
درست في مدرسة الارشاد الاسلامية وهي مدرسة أهلية غير حكومية تأسست في الخليل عام 1929م وكان يديرها حينها الشيخ كامل الجعبري وطلب أبو شرخ، وكانت هي المدرسة الثالثة من هذا النوع، إلى جانب 10 مدارس أهلية أخرى كانت في المدينة للذكور والاناث، مقابل 7 مدارس تابعة لحكومة الانتداب ومدرستان للبلدية (المحمدية والمتنبي)، والمدارس الاهلية انشئت من قبل متعلمي مدينة الخليل لحل اشكالية ضعف التعليم البريطاني وسياستها التجهيلية، وبعد ذلك انتقلت للدراسة في مدرسة ابن رشد الابتدائية عند مديرها عيد الخطيب، وبعدها تطوعت في الجيش الاردني وعشت مراحل متعددة فيه.
جانب من اللقاء الثري والممتع الذي أجراه فريق التأريخ الشفوي التابع لنادي الندوة الثقافي يوم أمس الاثنين الموافق 20\1\2025 مع صاحب الذاكرة الخصبة: (السيد محمد بدر حريز) مواليد مدينة الخليل عام 1934م، الشكر موصول له ولعائلته على. حسن الضيافة والاستقبال.
المصدر: نادي الندوة لثقافي
21/01/2025

