
عنوان: "ما ببيع ذرة تراب – وصية الحاجة عائشة أبو نعاج"
في زقاق صغير من أزقة حيّ صفورية داخل مخيم عين الحلوة في صيدا – لبنان، تعيش الحاجة عائشة أمينة أبو نعاج، من مواليد 1929، من بلدة صفورية - قضاء الناصرة.
تجلس بهدوء أمام بيتها البسيط، تستند إلى عكازتها، تمشي بخطى خفيفة أرهقها العمر، وسمعها لم يعد كما كان، لكن قلبها مليء بذكريات لا تموت، وروحها لا تزال معلّقة هناك... في صفورية.
"صفورية كانت جنّة"، تقولها بعينين فيهما ضوء الذاكرة:
"كانت الضيعة خضرا، العين ما بتشبع من جمالها. المي من العين، والنسوان تضحك وتخبز بالطابون، والرجال تزرع وتبني. كنا نعيش بحب وأمان."
فقدت والدها وهي صغيرة، وربّاها عمها، وعلّمها أن الأرض كالعِرض… لا تباع ولا تُفرّط.
تتحدث عن الأعراس، عن رمضان، عن الزيت والزيتون، عن الفرَح والبساطة، وتختم كلامها بدمعة حنين.
وحين سألناها: هل تقبلين بالتوطين؟ أو التعويض عن أرضك؟
رفعت رأسها، وقلبها سبق صوتها:
"أعوذ بالله، شو عم تحكي يما؟! أنا؟ أتنازل عن صفورية؟! والله ما ببيع ولا ذرة تراب! إن شاء الله بصلي بالأقصى وبموت هناك. قال توطين! مستحيل. بدي أرجع على صفورية ونعيش فيها، إن شاء الله."
ثم حملت أمانة الكلمة، ورفعت وصيتها إلى أولادها، وإلى أهلها، وإلى كل فلسطيني:
"بوصي أولادي، وبوصي كل أهل صفورية، وكل فلسطيني، مهما طال البعد… لا تنسوا فلسطين، لا تنسوا صفورية. تمسّكوا بهويتكم الفلسطينية، لا تتنازلوا عن حقكم بالعودة، ولا تبيعوا، ولا تفرّطوا.
ولأهل غزة بقول: موتوا بأرضكم، ولا تطلعوا منها، مهما بلغت التضحيات."
وصيتها ليست مجرد كلمات… بل نداء جيل لن ينكسر.
الحاجة عائشة، لا تزال شاهدة، ولا تزال تقاوم… بذاكرتها، بصوتها، وبحبّها الذي لم يبرد يومًا لوطنها.