| المقال |
(رموز فلسطينية )
عبد المحسن قطان .. هو رجل أعمال وسياسي فلسطيني من مواليد مدينة يافا ارض البرتقال الحزين في الخامس من تشرين ثاني /نوفمبرعام 1929 وتوفي في بريطانيا عام 2017؛ويُعتبر أحد أبرز رجال الإقتصاد الفلسطينيين، وكان لهُ أيضًا دوراً جوهرياً وأساسياً في المساهمة بتشكيل المشهد الثقافي الفلسطيني، من خلال تأسيسه لمؤسسة عبد المحسن القطان، وغيرها من الإنجازات الثقافية الهامة، أما دوره السياسي فتمثل في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية كرئيس للمجلس الوطني وغيرها من الأدوار التي تقلدها خلال مسيرته، بالإضافة إلى إنجازاته التنموية والإقتصادية، التي تمثلت في المساهمة بإنشاء وتطوير عدد من المؤسسات الوطنية الفلسطينة.
وقد إلتحق عبد المحسن بداية بالمدرسة الأيوبية في يافا، وحين بلغ الخامسة عشرة من عمره، دخل الكلية العربية في القدس التي كان يديرها أحد كبار المربيين الفلسطينيين آنذاك، خليل السكاكيني. إزدهر الشاب في تلك البيئة العلمانية والقومية مُبدياً اهتماماً كبيراً بالشعر والتاريخ العربي والإسلامي. وقد استمر عبد المحسن في إعجابه بمدير مدرسته حتى بعد وفاة السكاكيني العام 1955.
في نهاية الحرب العالمية الثانية، وخلال فترة إقامته في القدس، تم إستدعاء عبد المحسن إلى يافا من أجل وداع والده الذي كان على فراش الموت، نتيجة تعرضه لجلطة في الدماغ. وفي العام 1947، إلتحق بالجامعة الأميركية في بيروت، حيث بدأ في دراسة العلوم السياسية والاقتصاد، ولكنه لم يدرك وهو يودع عائلته الثكلى أن زيارته تلك إلى يافا لن تتكرر قبل مضي واحد وخمسين عاماً.
حين إشتد الهجوم الصهيوني على يافا في آذار/ مارس من العام 1948، غادرت أسماء المدينة مع عائلتها إلى مدينة اللد المجاورة، حيث عاش إخوتها. بعد ذلك بقليل عاد عبد المحسن الذي كان يجهل مصير عائلته إلى فلسطين، واستطاع الوصول إلى اللد، لكن العائلة في هذه الأثناء كانت قد رحلت مجدداً، هذه المرة إلى الأردن.
وفي الأردن، التم شمل العائلة أخيراً في أوائل العام 1949 لكن وضعها كان معدماً، وواجه الطالب الشاب تحدياً لإعالة والدته وإخوانه، فعاد إلى بيروت حيث توقف عن دراسة السياسة والاقتصاد مفضلاً دراسة إدارة الأعمال. لدى تخرجه العام 1951، عاد عبد المحسن إلى الأردن، حيث عمل مدرساً في الكلية الإسلامية في مدينة عمان.
وتوجه الى الكويت وسرعان ما جعل طموح واستقلالية عبد المحسن يفقد إهتمامه بحقل التدريس، وتم توظيفه من قبل الشيخ جابر علي آل صباح مديراً عاماً لوزارة المياه والكهرباء، حيث تم وضع قدراته الإدارية وذاكرته المهولة تحت الإختبار، لكن حتى هذا المنصب ذو الراتب العالي أضجره، لذلك أسس في العام 1963 شركة الهاني للإنشاءات والتجارة بعشرة آلاف دينار مما إدخره وبضمان مصرفي من صديقه الكويتي الحاج خالد المطوع الذي أصبح شريكه الرئيسي. وبفضل الطلب الكبير في سوق الكويت النفطية المتنامية، إزدهر العمل بسرعة هائلة، حتى أصبحت الشركة من أكبر شركات المقاولة في الكويت.
وعلى الرغم من حياته المهنية، ظل عبد المحسن نشطاً في السياسة الفلسطينية والعربية. فمثَّل شعبه في زيارات دولية عدة، حيث رافق أحمد الشقيري (سياسي فلسطيني) إلى الصين العام 1964، ودعم منظمة التحرير الفلسطينية الناشئة في أول انطلاقها في الكويت. في العام 1964، مُنح عبد المحسن الجنسية الكويتية، لكن المدارس في الكويت لم تكن تقدم نوعية التعليم التي أرادها هو وليلى لأولادهما، ففضلت العائلة الانتقال إلى بيروت، حيث مكثت حتى اندلاع الحرب الأهلية سنة 1975. وخلال هذه الفترة، قرر عبد المحسن الاستمرار في العمل في كلا البلدين، وكثف اشتراكه في السياسة الفلسطينية. ولدى انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في القاهرة العام 1969 تم انتخابه لمنصب الرئيس وهو منصب تخلى عنه بعد أيام قليلة إثر فشل أجنحة المنظمة في الاتفاق على إدارة موحدة لمصادرها العسكرية والمالية، وكانت تلك نهاية اشتراكه المباشر في السياسة.
وفي الجانب الخيريي قام في أوائل التسعينيات بعد خضوعه لجراحة في القلب، وبعد انخفاض وتيرة عمل المقاولة في الكويت، حول عبد المحسن جل اهتمامه إلى العمل الخيري. وكان منذ بداية الثمانينيات مشتركاً في العمل الخيري والاجتماعي على مستويات عدة، كأحد مؤسسي مؤسسة التعاون في جنيف، وكمحافظ فلسطين لدى الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
اطلق وزوجته في العام 1994 مؤسسة عبد المحسن القطَّان في لندن، وقد أصبحت بحلول العام 1999 فعالة في فلسطين، من خلال مشاريع عدة ذات طبيعة تربوية وثقافية ورياضية .
في أيار العام 1999، عاد عبد المحسن إلى فلسطين لأول مرة منذ العام 1948، حيث زار مسقط رأسه يافا، واستلم شهادة الدكتوراه الفخرية من جامعة بيرزيت. «زرعوا فحصدنا» قال في خطابه مقتبساً ذلك عن خليل السكاكيني «فلنزرع ليحصدون».
وأصبحت مؤسسة عبد المحسن القطان اليوم إحدى أهم المؤسسات التعليمية والثقافية في الوطن العربي، بميزانية سنوية تزيد على 2,2 مليون دولار مجمل مصاريفها ممول ذاتياً من قبل صندوق عائلة القطَّان الخيري، وفيها ما يقارب السبعين موظفاً الذين يعملون في رام الله، وغزة، ولندن. والمؤسسة تمثل سابقة في الاستقلالية والشفافية والابتكار في مجالات عدة تدخلت فيها، وقد أنشأت المؤسسة كذلك شبكة واسعة من الشركاء أفراداً ومؤسسات في عدد كبير من الدول على المستويين الشعبي والرسمي.
وعلى مدى الأربعين سنة الفائتة، قدم عبد المحسن القطَّان كذلك دعماً لعدد من المؤسسات الأخرى، ومنها: مؤسسة التعاون، ومؤسسة الدراسات الفلسطينية، والجامعة الأمريكية في بيروت، ومركز دراسات الوحدة العربية، وجامعتي بيرزيت والنجاح، ومؤسسة أحمد بهاء الدين في مصر.
ينطلق مركز القطان للبحث والتطوير التربوي في عمله باعتباره مؤسسة بحثية تربوية فلسطينية مستقلة، وتتجلى مهمته الأساسية في مساندة المعلم الفلسطيني في مجالين: مجال الارتقاء المعرفي ومجال تطوير المهارات القائمة واكتساب مهارات جديدة. وفي هذا الإطار فإن المركز يرى دوره ضمن إطار الفاعلية التربوية للمؤسسات الرسمية وغير الرسمية كوزارة التربية والتعليم والمنظمات الأهلية والجامعات التي تمارس جميعها دورا فعالا في التخطيط التربوي وفي تقديم الخدمات التربوية. وفي هذا السياق فإن المبادئ الأساسية التي يستضيء بها المركز تتمثل فيما يلي: إن لدى المركز قناعة راسخة في أن إمكانات فلسطينيون تؤهله لأن يكون منتجا للمعرفة لا مستهلكا لها فقط، ولذلك فإن تعليما متسما بمستوى عال من الجودة والتميز يشكل مصدرا حيويا للمجتمع، وبخاصة إذا ما انخرط الفعل التربوي في فلسطين في عملية البناء الاجتماعي وتنظيمها وإعادة تشكيلها بما ينسجم مع التطلعات والرؤى المستقبلية. لذلك فإن المركز ينتهج أفضل المعايير التربوية التي تنطلق من المدرسة كقاعدة أساسية وكمؤسسة اجتماعية فاعلة في سياق اجتماعي، كما أنه يتطلع إلى تحفيز القيم الاجتماعية الإيجابية . .توفيَ رجل الاعمال والسياسي الفلسطيني في الرابع من كانون اول / ديسمبر 2017 في العاصمة البريطانية لندن. رحمه الله واسكنه الجنة وسيبقى حاضراً رغم غياب الجسد من خلال اعمال المؤسسة التي تحمل اسمه .
بقلم الكاتب نبيل محمود السهلي

|
| Preview Target CNT Web Content Id |
|