نيذة عن المرحوم (جمال الزبدة).. العالم الذي ترك وكالة "ناسا" الفضائية ليصنع مجده في غز.ة وكتائب القسا.م
في زمنٍ يحلم فيه كثيرون بالهجرة إلى الغرب بحثًا عن الأمان والفرص،
اختار رجلٌ أن يسلك الطريق المعاكس، أن يعود من "ناسا" إلى غز.ة، وينضم لكتائب القسا.م
عاد من وكالة “ناسا” ومن الجامعات الأمريكية إلى مصانع صواريخ القسا.م، ونعته الإعلام الإسر.ائيلي بـ"الصيد الثمين". إنه البروفيسور "جمال الزبدة"، الذي اغتاله الاحـtـلال مع نجله في معركة سيف القدس عام 2021.
بين عالمٍ ترك ناسا ورفاهية العيش في الولايات المتحدة،
وعالم آخر (عمر ياغي) مدّ يده إلى الاحـtـلال ليحصد “جائزة وولف” الإسر.ائيلية من الوزير الصهيو.ني السفا.ح نفتالي بينيت،
تكمن الفوارق بين من باع دنياه لله، ومن باع قضيته للضوء والجوائز.
العالِم الذي اختار طريق الله والوطن
الدكتور جمال الزبدة، العالم الفلسـtـيني الذي غادر المختبرات الأمريكية حيث الأضواء والرواتب والمناصب، وعاد إلى غز.ة المحاصَرة ليحمل همَّ دينه ووطنه ويسخّر علمه في خدمة مقا.ومته.
لم يبحث عن نوبل، ولا عن تصفيق المؤتمرات، بل عن نصرٍ يُعيد للكرامة معناها.
هناك، في أزقة غز.ة، وجد مجده الحقيقي، واختتم رحلته شهيدًا لا “مكرَّمًا” من عدوٍّ غاصب.
تلك الجوائز التي يتهافت عليها البعض لم تعد شرفًا، بل غدت لعبة مطاطية في يد من يتحكمون في العالم.
فالعظماء الحقيقيون لا يحتاجون إلى جوائز ملوّثة، وقد سبَق أن حصل عليها قتلةٌ كـ بيغن ورابين وبيريز تحت عنوان “نوبل للسلام”، ذلك "السلام" الذي كان في حقيقته تطبيعًا وإذلالًا لأمةٍ كريمة.
بطل من لحمٍ ودم
ترجّل هذا البطل الذي لم تُصنع بطولته عبر مساحيق الإعلام الهوليوودي، ولم نقرأ عنها في الإلياذة أو الأوديسة.
لم يكن "سوبرمان" أو "سبايدرمان"، بل إنسانًا حقيقيًّا له وجوده الفعلي، وعقلٌ وعلمٌ وإيمان.
كان بروفيسورًا محاضرًا في أرقى الجامعات الأمريكية مثل جامعة فرجينيا، وعمل في وكالة ناسا المعروفة بمجدها العلمي.
وله دراسات علمية عن عمل محرك الطائرة الأمريكية F-16 التي استُعين بها لاحقًا في تطوير المقاتلة F-35 الشبحية.
كانت أبواب الدنيا مفتوحة أمامه، تُغريه بالمال والمناصب، لكنه اختار ما عند الله، فهو خيرٌ وأبقى.
البطولة الحقيقية
كان الزبدة يدرك أن طريقه محفوف بالمخاطر، لكنه سلكه عن وعيٍ واختيار، مؤمنًا بأن البطولة الحقيقية هي الاختيار المدرك لطبيعة الفداء والتضحية.
فمن عاش حياته أستاذًا في وكالة ناسا وجامعات أمريكا، يستحق اليوم أن نعرفه ونستلهم من سيرته دروس الفداء والعطاء.
من المختبرات إلى غز.ة
وُلد جمال محمد سعيد الزبدة عام 1956 في مدينة غز.ة، لأسرةٍ هُجِّرت من يافا.
تلقّى تعليمه في جامعة فيرجينيا بالولايات المتحدة، وحصل على دكتوراه في الهندسة الميكانيكية من معهد فيرجينيا للفنون التطبيقية.
خصّص أبحاثه في ميكانيكا الموائع والديناميكا الهوائية وجناح دلتا المستخدم في صناعة الطائرات الحربية.
عمل في وكالة “ناسا”، ثم انتقل إلى جامعة الإمارات محاضرًا لمدة ثماني سنوات.
وفي عام 1994، قرر العودة إلى غز.ة ليعمل أستاذًا في كلية الهندسة بالجامعة الإسلامية، وأسس لاحقًا قسم الهندسة الميكانيكية عام 2010.
رحلة السرّ والعلم والمقاومة
انضم عام 2006 مع نجله أسامة إلى فريقٍ هندسيٍّ خاصٍّ في كتائب القسا.م، وأسهم في تطوير القدرات العسكرية، بما في ذلك الصواريخ والطائرات المسيّرة.
ساهم في زيادة مدى الصواريخ من 30 كيلومترًا عام 2006 إلى أكثر من 250 كيلومترًا عام 2021، وهو الصاروخ المعروف بـ “عياش 250” الذي دخل الخدمة خلال معركة سيف القدس.
أخفقت محاولات الاحـtـلال في اغتياله عام 2012 خلال معركة “حجارة السجيل”، لكنه ظل في مرمى العدو حتى نجح في اغتياله بعد تسع سنوات.
شهادة فخر
كان كثير الدعاء بالشهادة، ويردّد دائمًا:
“القدس تستحق التضحية.”
وروى نجله عبد العزيز أنه كان يقول:
“الأقصى مش راح يستناني لأنام وأصحى، اليهو.د بيشتغلوا 24 ساعة، وإحنا لازم نشتغل أضعافهم.”
كما قال لتلميذه سعد الوحيدي عندما سأله ممازحًا:
“عمّ جمال، حدّ بسيب أمريكا وبرجع غزة؟”
فأجابه بابتسامة:
“هذه البلاد أمانة وقضية يا سعد، ومن عنده انتماء لقضيته، لا أمريكا ولا ألف أمريكا تغريه.”
رحيله وإرثه
في 12 مايو 2021، أعلن الاحـtـلال اغتياله مع نجله أسامة وعددٍ من رفاقه في غارة جوية على غز.ة، ونعته زوجته بقولها:
“إذا ظنّ الاحـtـلال أن الدكتور جمال ذهب، فخلفه ألف جمال.”
لم يكن الزبدة مجرد عالمٍ أو مهندسٍ بارع، بل قدوة في الإيمان والإنتماء، علّم أبناءه وطلابه أن طريق التحرير يبدأ من الإخلاص في العلم والعمل.
اشترى على نفقته الخاصة الدورات العلمية الحديثة، ليلخّصها ويمنحها لطلابه دون مقابل.
في ركب العلماء المجا.هدين
انضم البروفيسور جمال الزبدة إلى قافلةٍ من العلماء الذين سخّروا علومهم في خدمة أوطانهم، مثل:
محمد الزواري: من تونس، مطوّر أول طائرة مسيّرة للمقا.ومة.
جمعة الطحلة: من الأردن، مؤسس سلاح السايبر في غزة.
يحيى عيّاش:، مهندس المتفجرات الأول في فلسـtـين.
عبد الله البرغوثي:، الذي وصفوه بـ “ذو العقلين”.
كلهم اختاروا أن يكونوا في صفّ وطنهم، لا في صفّ أعدائه.
رحم الله العالم الشهيد البروفيسور جمال الزبدة، الذي ترك مال الدنيا وزخرفها، ليصنع من علمه سلاحًا، ومن حياته رسالة، ومن دمه طريقًا يُضيء للأجيال معنى الانتماء والكرام
