| المقال |
من النيرب إلى حيفا... الحاج فارس منصور يحفظ ذاكرة الوطن
"هـويـة" في ضيافة الحاج أبـو عـوض
فدوى بريّة
#هويـــة - #حلب
الأربعاء 27/8/2025
على بعد أمتار، وقف الحاج فارس عوض منصور عند زاوية منزله يرافقه اثنان من أحفاده. اقترب وفد "هـويـة" وألقى عليه السلام، فردّ بابتسامة ترحاب. ابتدأنا الحديث بالتعريف عن منصة "هـويـة" وسبب زيارتنا له، فضحك مرحِّبًا، ثم اصطحبنا إلى منزله.
الحاج فارس من مواليد فلسطين عام 1940، من حارة وادي الصليب في #حيفا تحت منطقة الهدار، حيث كان يقيم مع والديه وإخوته الأربعة وأختيه. بدا بملامحه الوقورة: طويل القامة، نحيف البنية، ملتحٍ، يرتدي عباءة وطاقية بيضاء. رسمت سنوات الغربة عن الوطن خطوطها على وجهه ويديه، وزرعت في قلبه جرحًا لا يندمل على وطن سُلب ودُمِّر.
قادنا إلى منزله المؤلف من طابقين. في الطابق الأرضي حديقة صغيرة مطلة على غرفة الاستقبال، حيث جلسنا وهو يردد كلمات الترحيب وينادي لتحضير القهوة. بدأنا الحديث مجددًا عن عمل منصة "هـويـة" وسبب حضورنا إلى مخيم النيرب في حلب بالذات.
عرّفت بنفسي وأني من مدينة حيفا أيضًا، وقدمت له كتاب التكليف من المنصة لأخذ الإذن بتسجيل اللقاء. فما كان منه إلا أن أبعد الورقة قائلاً مازحًا: "ألم تقولي إنك من حيفا؟" أجبته: نعم. فرد مبتسمًا: "أنا حاضر لكل ما تريدينه." ثم ابتدأنا التحضير للتسجيل.
امتد اللقاء لأكثر من ساعتين، بين حديث ونقاش وحوار في بعض المواضيع، تخللته القهوة التي قدمتها حفيدته مرحبة بنا.
ولم يقتصر تعاون الحاج فارس على الاستضافة وإجراء المقابلة، بل شمل كذلك المساهمة في بناء شجرة العائلة، وتزويدنا بأسماء الجد والأعمام والعمات والإخوة والأخوات وغير ذلك من المعلومات العائلية القيّمة.
اختتم الحاج فارس حديثه بكلمات شوق وحنين بالغين إلى أيام فلسطين: أيام العز والفخر، أيام الثورة والثوار. ولم تنتهِ الرحلة عند هذا الحد، إذ أصرّ وهو يجهزنا للمغادرة قائلاً: "إلى أين ستغادرون؟ يجب أن تتناولوا الغداء معنا اليوم. الطابق الثاني جاهز لاستقبالكم، والمنزل تحت تصرفكم. بإمكانكم البقاء واستكمال عملكم في مخيم النيرب كما تشاؤون." تمسك بنا إلى حدّ الخجل من فرط كرمه، ولم يرضَ بمغادرتنا إلا بعد إلحاح شديد.
لقد بقيت عادات وتقاليد أهل فلسطين متجددة رغم سنوات البعد والغربة؛ فالصدق ما زال متجذرًا، والإصرار على العودة والتحرير حاضرًا في قلبه حتى آخر لحظة من حياته. البوصلة لم ولن تتغير ما دام أمثاله من أبناء فلسطين متمسكين بحق العودة، وإن لم تكن لهم فلوصيتهم لأبنائهم وأحفادهم: لأنها أرض الأجداد التي لا تُباع ولا تُنسى.

|
| Preview Target CNT Web Content Id |
|