الحاج بكر يحيى خالد (أبو إبراهيم):
من عين غزال إلى درعا... رحلة الذاكرة والصبر
مخيم اليرموك – 25/10/2025
هــويـــة – فدوى برية
في منزلٍ دافئٍ في مخيم اليرموك – شارع الجاعونة، وبين وجوهٍ حملت ملامح الحنين إلى فلسطين، استقبل الحاج بكر يحيى خالد (أبو إبراهيم) وفدَ "هوية" بحفاوةٍ بالغة، في لقاءٍ جمع العائلة بعد عقودٍ من الغياب.
الحاج بكر، من مواليد عام 1933 في قرية عين غزال – قضاء حيفا، هو كبير عائلة خالد، ومن القلائل الذين عايشوا نكبة 1948 وهم في سنّ الوعي، إذ كان يبلغ من العمر نحو خمس عشرة سنة عند التهجير، ما جعله شاهداً حقيقياً على تفاصيل الحياة في قريته قبل النكبة وأثناءها.
يستعيد بذاكرته الحيّة مشاهد القرية الزراعية التي نشأ فيها، والتي اشتهرت بزراعة القمح والعدس والشعير والكوسا واللوز والبطيخ والسمسم، إلى جانب تربية الأغنام والأبقار والجمال.
يصف عين غزال كأنها ما زالت أمام ناظريه: البئر النقية في وسط القرية التي كانت تروي الأهالي والقرى المجاورة، وشارع خط حيفا – يافا الذي كانت تصعد عليه الحافلات، والبحرة التي كان يسبح فيها مع أترابه، والسفن التي تغدو وتروح أمامه على الساحل.
يتحدث بعفوية عن طفولته التي قضاها بين الحقول والطرقات، وعن الأيام التي كان يُرسل فيها لشراء حاجيات البيت، وعن روح القرية العامرة بالعمل والتعاون.
لم يكمل تعليمه بعد الصف الأول، إذ انقلبت حياة أهل القرية رأساً على عقب مع اشتداد الهجمات الصهيونية. شارك مع عائلته وأبناء قريته في الصمود حتى نفدت الذخيرة وسقط الشهداء في الشوارع، فكان الخروج قسراً بعد أن غلبهم السلاح.
ومن عين غزال إلى عارة وعرعرة وجنين ثم إلى درعا في سوريا، بدأت رحلة اللجوء التي امتدت لعقودٍ طويلة، وظلّت العودة حلماً لا يفارقه.
في درعا، عمل الحاج بكر منذ شبابه ليعيل أسرته بعد أن فقدوا كل ما يملكون، لكنه ظلّ يحمل في قلبه حبّ قريته وإيماناً لا يتزعزع بحقّ العودة. كان يحدث أبناءه وأحفاده دوماً عن عين غزال، عن بيوتها وبئرها وناسها وطرقاتها، ليورّثهم ذاكرة المكان كما ورث هو حبّه من آبائه.
خلال اللقاء، أصرّ الحاج بكر على أن يتناول وفد "هوية" الغداء مع العائلة، فكانت المائدة فلسطينية بامتياز: الملوخية الناعمة مع الخبز الكماج الذي تشتهر بإعداده سيدات فلسطين.
تجلّى في تلك الجلسة عبق الوطن رغم البعد، فحضرت العادات والكرم والروح الطيبة التي حملها اللاجئون معهم من القرى المهدّمة إلى المنافي.
واختُتم اللقاء بكلماتٍ مؤثرة من الحاج بكر عبّر فيها عن أمنيته الأخيرة: أن يرى عين غزال قبل أن يرحل، وأن يُدفن في ترابها الذي أحبّه.
هكذا تبقى عين غزال ساكنة في قلبه وقلب أولاده وأحفاده، شاهدةً على جيلٍ غادر الوطن قسراً، لكنه لم يتخلَّ يوماً عن حلم العودة.
