«إلّي ببيع بيته وأرضه… هادا ما منّا»
رحلة لجوء الحاجة زياد حسين خليل (أم رشيد قشطة) من قرية النهر إلى مخيم النيرب
حلب – الاثنين 15/12/2025
مؤسسة هويّة – أ. زياد غضبان
منذ أشهر، يترقّب فريق مؤسسة هويّة تحسّن الحالة الصحية للحاجة زياد حسين خليل (أم رشيد قشطة)، بعد تعرّضها لجلطة دماغية أثّرت على ذاكرتها. وبعد انتظار، حدّد لنا ابنها موعدًا لإجراء مقابلة معها في منزلها الواقع خلف سكة القطار، جانب فرن ليمار في مدينة حلب.
استقبلنا أبناؤها وبناتها استقبالًا يليق بأهل بلدٍ نشأ على أن إكرام الضيف فريضة لا مجرّد واجب. وبعد التعريف بمؤسسة هويّة ورسالتها في توثيق شهادات شهود النكبة، بدأ الفريق بتدوين شجرة العائلة، والتي تضمّنت إخوتها، ومنهم شقيقها محمد الذي خرج معها من قرية النهر.
ورغم صعوبة الحديث نتيجة وضعها الصحي، كانت الحاجة مستلقية وقد زُيّنت كتفاها بشال فلسطيني مطرّز، لتستجمع ذاكرتها وتعرّف بنفسها بشموخ واعتزاز قائلة:
«أنا الحاجة زياد حسين خليل من قرية النهر، مواليد 1939».
روت الحاجة تفاصيل قريتها، ووصفت بيوتها الجميلة المحاطة بالبساتين، والنهر العذب الذي كان يمرّ في وسطها ويشرب منه جميع السكان، ما أكسبها اسمها «قرية النهر»، إضافة إلى دوره في ريّ المزروعات. وأشارت إلى أن والدها كان يزرع الخيار والبامية والخضار والملوخية، ويمتلك جمالًا ينقل عبرها المحاصيل لبيعها في المدن المجاورة.
وبصعوبة بالغة، استعادت ذاكرتها مشاهد من معالم القرية، من جامع النهر وبساتينها إلى المدرسة التي درست فيها، كما تحدّثت عن أجواء الأعياد وفرحة الأطفال وألعابهم في تلك المرحلة. إلا أن ذاكرتها لم تسعفها في استكمال الحديث عن جميع عادات القرية الجميلة.
وعند الانتقال للحديث عن مسيرة الهجرة، بدت ذاكرتها أكثر حضورًا، لتروي بحزنٍ بالغ قصة السلب والاقتلاع، وبداية رحلة لجوء قاسية امتدّت لأكثر من ستة وثمانين عامًا بعيدًا عن الوطن. تحدّثت عن قصف الطيران، وهروب العائلات في ليالٍ مظلمة وباردة، ورعب الأطفال أثناء النزوح من القرية إلى لبنان، ثم إلى سورية، حيث استقرّت العائلة في محافظة حلب، في مخيم النيرب، أحد أبعد المخيمات عن فلسطين.
وأضافت بحرقة:
«أسكنونا في بركس طويل فيه 16 عائلة، يفصل بين كل عائلة وأخرى بطانيات فقط، وقتها والدي بكى من هول ما جرى وما آل إليه الحال».
وأشارت إلى أنها كانت أكبر إخوتها، وتولّت مساعدة والدتها في رعاية إخوتها وخدمة والدها خلال تلك المرحلة الصعبة.
وعند سؤالها عن إمكانية التنازل عن مسقط رأسها، جاء جوابها حاسمًا:
«لا، ما بتنازل… فلسطين قلبي من جوّا. حدا بيتنازل عن بيتو وعرضو؟ الأرض عرض».
وأضافت بإيمان راسخ:
«إن شاء الله منرجع، الله كريم… فلسطين ولا متلها، فلسطين جنّة».
ورغم سنوات الشتات الطويلة، ما زال الوطن يسكن وجدانها، وتؤمن بأن العودة قادمة لا محالة، موصية أبناءها وأحفادها بالقول:
«إلّي ببيع بيتو هادا ما منّا… بوصّيكو تمسّكوا بأراضيكو وديروا بالكو عليها».
تبقى فلسطين حاضرة في ذاكرة الحاجة بتاريخها العريق، غير أن وعكتها الصحية لم تترك لها مجالًا للحديث أكثر. ومع ذلك، ما زالت تأمل أن ترى يوم العودة إلى أرضها، لتختتم حديثها بابتسامة وإيمان:
«الله ينصر أهلنا بغزّ..ة ويحميهم».
