جديدنا: وثيقة - مركز الوثائق الفلسطيني
«جسـر جـوي» مـن كاليفورنيا لخـلاص وادي فوكيـن الفلسطينية
يتحدث بشغف عن قرية وادي فوكين وتعدي الاحتلال الإسرائيلي المزمن عليها، وعن علاقته بيوسف مناصرة، الذي أصبح بالنسبة إليه، رمزاً لروايات فلسطينية تنتظر من يحملها إلى الضوء والحرية. القس الأميركي الياباني مايكل يوشي تحدث إلى «السفير» عن تجربته في النشاط المدني من كاليفورنيا إلى واشنطن لمحاولة لفت انتباه صناع القرار الأميركيين نحو بلدة فلسطينية صغيرة تعود تسميتها إلى اللغة الآرامية، وتعني «وادي الشوك». زار يوشي وادي فوكين للمرة الأولى في العام 2006 من خلال الكنيسة الميثودية، وأقام حينها في بيت يوسف مناصرة خلال مشاركته في مؤتمر في المنطقة. وبدأت منذ ذلك الوقت علاقة شخصية بينه وبين هذه العائلة. يقول يوشي «إنهم جزء من العائلة بالنسبة لنا، وتقوم بكل ما بوسعك حين تكون عائلتك في ضيق»، ويتابع «هناك من يسألنا دائماً لماذا تساعدون قرية كل سكانها مسلمون، نقول لهم إن هذا الأمر لا يهمنا، إنهم أصدقاؤنا ويحدث أن يكونوا مسلمين». تبنى يوشي رسمياً في العام 2009 ملف معاناة هذه القرية الفلسطينية الصغيرة في محافظة بيت لحم التي يبلغ عدد سكانها 1200 نسمة، لكن شاءت الصدف أن تقع على خط هدنة العام 1948 قرب قرى فلسطينية صادرها الاحتلال الإسرائيلي لبناء مستوطناته. ولم يتبقَ لأهالي وادي فوكين سوى حوالي ستة في المئة من مساحة القرية، في ظل توسع المستوطنات المجاورة وتهجير سكانها المنهجي، ويزداد الآن احتمال مصادرة ما تبقى من أراضيها لإنشاء جدار الفصل الإسرائيلي. يوشي هو القس في كنيسة «بوينا فيستا الميثودية المتحدة» في الاميدا في ولاية كاليفورنيا منذ أكثر من 20 عاماً. ولدى هذه الكنيسة جذور يابانية - أميركية مع أنها أصبحت متنوعة أكثر مع الوقت مع تغير الخريطة الديموغرافية على الساحل الغربي. ويقول يوشي إنه أجرى في أبرشيته مقارنة سردية بين التجربة اليابانية الأميركية والتجربة الفلسطينية، وما يربط بينهما هو «التاريخ الخاص الذي أخمد والقصص التي لم تروَ». وعن دوافع تجربته مع وادي فوكين، يعتبر يوشي أنها «رحلة إيمان، ربما من الصعب فهمها». خلال زيارته الى واشنطن، توقف يوشي في كنيسة ميثودية بطقوس عبادتها البروتستانتية من تراتيل وصلاة، وتناول وجبة مشتركة، من دون أي طابع رسمي أو هرمية دينية في إدارة هذا اللقاء للأبرشية في مكتبة محلية. وبعدما استمع المصلون إلى كلمة يوشي، بدأت دعوات الصلاة بشكل عفوي من كل شخص مشارك. القس في الأبرشية المحلية في واشنطن قال «نصلي ليبتعد الأعداء عن أبواب هذه القرية ويحل فيها السلام»، ومشارك آخر قال «نصلي لتعطينا الأمل مهما كان الكونغرس مجنونا». ودمجت سيدة أخرى التحليل السياسي في صلاتها كي يكون للرئيس الأميركي باراك أوباما «الشجاعة والرؤية لتأسيس حل الدولتين كخطوة أولى للسلام والعدالة، ونصلي لإنهاء الاحتلال وبدء الربيع الإسرائيلي». أما كارين مور، مغنية الجاز الأفريقية الأميركية، التي تدير المكتبة المحلية، فتشجعت أيضاً، وصلّت أن تتمكن هذه الحملة من زيادة الوعي وجمع التبرعات من اجل القضية الفلسطينية. ويتابع يوشي تواصله مع المشاركين ويدل على البطاقة التي تحمل صورة منفصلة لكل من يوسف مناصرة وحفيده، الذي يحمل اسمه أيضاً، وهما ينظران إلى البلدة التي يقضمها الاحتلال الإسرائيلي. ويشير القس إلى أن الجد والحفيد «لا يعلمان ماذا يحمل المستقبل لهما لكنهما مصممان على البقاء في منزلهما، ولأردنا الأمر ذاته لو كنا مكانهما». في لقاءاته العامة في واشنطن، وزع يوشي هذه البطاقات كي يوقعها الناخبون ويرسلوها إلى ممثليهم في الكونغرس. وتركز الحملة الآن على إرسال هذه البطاقات الموقعة إلى الدائرة العاشرة في فيرجينيا التي يمثلها النائب الجمهوري فرانك وولف، الذي يترأس لجنة توم لانتوس لحقوق الإنسان.وتثني امرأة أخرى على هذا الجهد، وتقول إن الضغط الشعبي ينجح، وتروي كيف تمكنت صديقتها من إجبار مدير فرع لمتاجر «كوسكو» الشهيرة في ولاية فيرجينيا، على أن يزيل من مخزنه مبيعات «سودا ستريم»، وهي شركة إسرائيلية تصنع منتجاتها في مستوطنة إسرائيلية في الضفة الغربية، ووسيلتها كانت التعاون مع أصدقائها وجيرانها لإبلاغ المدير بمقاطعة المتجر في حال لم يتم إزالة هذا المنتج. عقد كل من يوشي وزميلته جين هارت، من كنيسة بيركلي الميثودية، اجتماعات في واشنطن مع نواب في الكونغرس وطاقم موظفي لجنة لانتوس وموظف في وزارة الخارجية الأميركية، والغاية الرئيسية هي الطلب من لجنة لانتوس عقد جلسة استماع حول ما يجري في وادي فوكين. وهناك تحرك مشابه لتقديم شكوى في نيويورك على خط مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. ويقول يوشي «نحن أبرشية صغيرة نفعل ما بوسعنا بموارد قليلة». الأجوبة تأتي متناقضة من الكونغرس، بحسب يوشي، الذي يرى أن القدماء في «الكابيتول هيل» متشائمون من إمكانية إدراج ملف وادي فوكين ضمن جلسات الاستماع للعام 2013، أما الجيل الشاب من موظفي الكونغرس فهم أكثر اهتماماً وحماساً لاستكشاف إمكانية ما يمكن تحقيقه. ويضيف «علينا أن نأمل باختراق. نحاول أن نكون واقعيين حول واقع السياسة لكن لا نريد أن يردعنا هذا الأمر».غادر يوشي واشنطن من دون معرفة الخطوات المقبلة في هذا الملف. لكن مصادر في الكونغرس أكدت لـ«السفير» أن الفكرة المطروحة الآن هي أن تقدم لجنة «أصدقاء وادي فوكين» اقتراحاً لعقد إيجاز صحافي في مبنى «الكابيتول هيل» لشرح ما يجري في البلدة وليس جلسة استماع، على أن يدرس الطلب رئيسا لجنة لانتوس الجمهوري فرانك وولف والديموقراطي جيمس مكغفرن. ويتطلب الاقتراح أيضاً موافقة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب حيث هناك أصوات نافذة كثيرة مؤيدة لنشاط اللوبي الإسرائيلي. ورداً على هذه الفكرة، يؤكد يوشي أن تركيز الحملة سيبقى على عقد جلسة استماع وليس ايجازاً صحافياً، مشيراً إلى مواصلة الجهود لتوسيع حملة الضغط على النواب المعنيين والتواصل مع المنظمات المدنية ومع الرأي العام الأميركي. ولكنه يوافق على انه من الصعب لفت الانتباه إلى قضية مثل وادي فوكين، نظراً لطبيعة الواقع في واشنطن، لا سيما أن الحملة تسلط الضوء على بلدة محددة «لكن هناك الصورة الأشمل للنزاع».وعن تقييمه لمقاربة إدارة أوباما لمجمل الملف الفلسطيني - الإسرائيلي، يروي يوشي انه حين كان في الأراضي الفلسطينية في العام 2009، كان هناك «لوحات إعلانية تصور أوباما وهو يدير ظهره إلى الناس»، مضيفاً «لم ندرك في البداية معنى هذه اللوحة، لكن سببها أنه أدار ظهره بعد خطاب القاهرة، فهو ألقى خطاباً جريئاً، إلا أن شيئاً لم يحدث. لم يكن يملك الدعم السياسي لفعل ذلك، إنه أمر أكبر من أوباما لكنه الرئيس وهذا يجب أن يحدث فارقاً». ويتابع يوشي أنه سمع أوباما يقول أكثر من مرة «اجعلوني أفعل ذلك»، معتبراً أن هذا يعني انه يلمح إلى الضغط الشعبي. ويرى في هذا السياق أنه يجب توعية الأميركيين حول هذه القضية لأنه «بمجرد معرفة الحق من الباطل سيكونون مستعدين للتحرك». ويرى يوشي أن «القضية الفلسطينية هي قضية الحقوق المدنية في زماننا. وحين يتعامل العالم مع هذه القضية فإنه سيتغير». ويشرح «علينا جميعاً أن يكون لنا رهان في تحرير الفلسطينيين بل أيضاً في التحرير الروحي للإسرائيليين»، موضحاً «طالما الإسرائيليون يقمعون الناس بهذه الطريقة فهم ضائعون وفي حالة إفلاس روحي». ويتابع قائلا «يزعجني رؤية ما يحدث. لا يمكنني الادّعاء إنني افهم معاناة الآخرين أو أعرف كيف يعيشون كل يوم، ولا يمكنني أن اقترح ما يحتاج الناس فعله». ويختم الحوار برسالة إلى أصدقائه في وادي فوكين: «إذا قرأتمونا من خلال هذه الوسيلة، آمل أن تعلموا أننا لا نزال نقوم بما وعدنا به».
المصدر: السفير