النقب: قرية جديدة في خدمة المخطط!
يبدو قرار - مجلس التنظيم والتخطيط القطري في وزارة الداخلية، الصادر يوم الثلاثاء الماضي، والقاضي المصادقة على إقامة تجمع سكني ثابت جديد للبدو في النقب، وتحديدًا في منطقة رمات تسيبوريم (غرب سديه بوكير) - للوهلة الأولى إنجازًا مدنيًا يساهم في حلّ أزمة سكنية خانقة، لكن وضع هذا القرار في سياق مخططات المصادرة والتهجير في النقب، وعلى رأسها مخطط "برافر"، يظهر أنّ الأمر أولاً مُرتبط باقتلاع العربي الفلسطيني من أرضه التاريخية، بينما يرى البعض أنّ هذا الإقرار جزءٌ من دعاية انتخابية تبثها الحكومة بأذرعها، لكنها أبدًا لا تحلّ الأزمة الحقيقية لعشرات آلاف المواطنين العرب فحسب بل تعمّقها.
لقد أعلنت وزارة الداخلية أنّ هدف إقامة التجمع السكاني الجديد هو "تنظيم السكن للتجمعات البدوية وتوفير خدمات ملائمة للبدو، أضافة إلى تحويل التجمعات السكنية إلى أحياءٍ مدنية وسيكون بالإمكان الاعتماد على المشاريع الصناعية والسياحية أيضًا"، وأنّه في المرحلة الأولى من إقامة التجمع السكني البالغة مساحته 1000 دونم، سيتم استيعاب 1000 شخص، مع توقع زيادة السكان بنسبة 4% خلال سنة، ولهذا فقد تمّ بناء المنطقة لتستوعب 3300 نسمة – أي 700 عائلة، وعليه قامَ مجلس التنظيم والتخطيط القطري باستدعاء بعض المواطنين لإطلاعهم على المخطط المنوي إقامته في رمات تسيبوريم، كما أودع المخطط في مجلس التخطيط لتقديم اعتراضات الجمهور، خلال 60 يوم على الأكثر.
إلا أنّه وبخلاف اللهجة "التطويرية" و"التمدينية" السلطوية التي تخفي الأهداف الحقيقية للمخططات، فإنّه بالحقيقة يندرج هذا القرار في إطار مخطط برافر الذي يقضي بتجميع سكان ثلاث قُرى غير معترف بها هي: عبدة وسهل البقار والغرير، وهو يحُلُ مشكلة 1000 عائلة مُهددة بالترحيل مِن أصلِ 100000 نسمة تُقيم في القرى البدوية في النقب. ويسأل المهتمون: ماذا بشأن القرى الـ 35 غير المعترف بِها مِن أصل 45 قرية بدوية في النقب؟! وماذا عن أوامر الهدم التي تتوقف وآخرها حمل الرقم، 45، في عمليات الهدم في قرية العراقيب غير المعترف بها، هذا الأمرُ لا يعني، كما يبدو، سوى أصحاب الشأن.
د. أبو راس: قرار مرتبط بالدعاية الانتخابية
لا يبدو د. ثابت أبو راس متفاجئًا من إقامة تجمع سكني في رمات سيبوريم، فقد تقدّم سكان قرية عبدة منذ أكثر من أربع سنوات مطالبين بالاعتراف بقرية عبدة، وهي القرية الأكثر جنوبًا، لكنّ المفاجئ في الأمر أن تُعلن الدولة عن إقامة تجمع سكني، لكنها لا تعترف بقرية عبدة، وعليه سيتم ترحيل سكان القرية إضافة إلى سكان قريتي سهل البقار والغرير ليتم تجميع 1000 مواطن في منطقة واحدة، وما هذا القرار إلا لاستغلال الانتخابات القريبة، مِن أجل جمع الأصوات من بدو النقب، وإلا ماذا سيجري مع عشرات القرى البدوية غير المعترف بها، إلى أينَ سيتم ترحيلهم؟!
ويؤكِد د. أبو راس أنّ هذا القرار يجري ضمن مخطط برافر الذي تسعى الحكومة إلى إقراره عنوةً، من خلال تضييق الخناق على المواطنين العرب النقباويين يوميًا، سواء كان ذلك بهدم يومي لبيوتهم، كما جرى في قرى كاملة كالعراقيب التي هُدمت للمرة الـ 45، إضافة إلى جلب مئات البدو إلى المحاكم بحجة البناء غير المرخص حتى في البلدات العشر المعترف بها، وهم يُقادون للمحاكم وتفرض عليهم غرامات بآلاف عشرات الشواقل ويحملون وزر ملفاتٍ جنائية.
ويقول د. أبو راس: أتساءل كيف يجري إقرار إقامة تجمع سكني بشكلٍ مفاجئ، بينما ينتظر سكان القرى غير المعترف بِها اعترافًا بقراهم منذ أكثر من أربع سنوات، أليسَ ذلك دليلاً على أنّ في الأمرِ دعاية انتخابية؟! ودعا د. أبو راس الحكومة إن كانت فعلاً صادقة أن تفتح حوارًا سريعًا مع عرب النقب، وإيقاف هدم البيوت وإلغاء مخطط برافر الذي سيقتطع البقية الباقية من أراضي النقب.
وأضاف أبو راس: مخطط رمات تسيبوريم هذا، لا زال حبرًا على ورق، ولا نعلم إن كانت الحكومة جاهزة لتنفيذه على أرض الواقع، فقد سبق أن اعترفت ب10 قرى في أبو بسمة، لكنّ أوضاع هذه القرى المعيشية سيئة، لا تختلف بتاتًا عن القرى الـ 35 غير المعترف بها، ولم يتم توفير خدمات الكهرباء والماء ولم تعطَ للمواطنين تصاريح بالبناء، رغم أنّ المخطط مُقر منذ تسع سنوات، فعن أيِ قريةٍ حديثةٍ متطورة يتحدثون؟!
وأكدّ أبو راس أنّ مصطلح – التمدن- بمفهوم السلطات، لا يمكنه أن يُناسب بدو النقب، الذين يعيشون على الزراعة، وبهذه الطريقة يحيون ويحافظون على نمطهم الاجتماعي والمعيشي، مضيفًا: "كيف يكون التجمع السكني الجديد صناعي وسياحي في الوقت الذي تحيط المنطقة نحو 20 مزرعة فردية مالكيها مِن اليهود، ومساحة كل مزرعة تُقدر بـ 1000 دونم (تساوي مساحة رمات تسيبوريم المقترحة)؟
وختم د. أبو راس: "أنا متأكد أنّ عرب النقب لن يتجاوبوا مع هذا الاقتراح، ولن يحولوا حياتهم البدوية إلى مدنية، خاصةً في عمق الصحراء، حيثُ اعتاد البدو على تربية المواشي".
الزبارقة: إسقاط المخطط بالوحدة
ويقول جمعة الزبارقة، عضو المكتب السياسي للتجمع: "سمعتُ عن إقامة تجمع سكني جديد، لكنّ جميع المواطنين في النقب لا يعرفون تفاصيل عن هذا التجمع السكني، وهذا يدفعني الى التساؤل: هل سألوا أحدًا قبل إقرار هذا التجمع؟! مع مَن اتفقوا؟! هل سيتم نقل المواطنين وترحيلهم؟! وماذا مع البقية الباقية؟!"
وأضاف: "نحنُ لا نثق لا بالمخططات الإسرائيلية ولا بالمحاكم الإسرائيلية التي لم تنصفنا ولم تُعِد لنا أرضًا، حتى تلك المعترف بِها، لم نحصل على حقوقنا فيها، ولم يتبقَ لنا سوى تصعيد النضال".
ويعوّل الزبارقة على أبناء النقب برفض مخطط برافر وجميع تبعاته، بما في ذلك التجمع السكني الجديد، وهو يرى أنّ هناك تغييرًا ملموسًا بين البدو خاصةً بعد إقامة لجنة التوجيه العليا لعرب النقب المُشكلة من جميع الأجسام السياسية الفاعلة في النقب، وهؤلاء يدخلون كل بيتٍ ويقومون بتوعية ودعم المواطنين كي يتفقوا على مطالب واحدة هي الاعتراف بالقرى غير المعترف بِها والحصول على حقوقهم الأساسية الشرعية.
وناشد الزبارقة الأهل في الجليل والمثلث بدعم أهل النقب، ومؤازرتهم بنسبةٍ أكبر، خاصةً أنّ مواجهة المخططات السلطوية لا يمنعها الا الوحدة والنضال المشترك. وأكدّ الزبارقة أنّه قام وما زال هو وآخرين بالوصول إلى البلدات العربية في الجليل والمثلث وشرح أبعاد مخطط برافر، وضرورة مواجهته بمؤازرة الجميع وبالدعم الانساني والوقوف في وجه السلطة لمنعها مِن اغتصاب ما بقي من أراضٍ في النقب.
"ام الحيران" !
يُذكر أنّ إقرار هذه القرية الجديدة يأتي بعد شهرٍ ونصف من إقرار مخطط إقامة مستوطنة حيران مكان قرية أم الحيران والتي يسكنها أهلُ النقب منذ عشرات السنين، ولم تعترف بها السلطات الإسرائيلية.
ففي حينه رفضت اللجنة الفرعية للاستئناف في المجلس القطري للتخطيط والبناء، الاستئناف الذي قدمه مركز عدالة وجمعية بمكوم باسم أهالي قرية أم الحيران ضد قرار اللجنة اللوائية للتخطيط والبناء في بئر السبع المصادقة على الخارطة الهيكلية لإقامة بلدة يهودية باسم حيران على أراضي القرية العربية البدوية أم الحيران، الأمر الذي سيؤدي إلى هدم جميع بيوت القرية وتهجير أهلها.
في قرارها الذي اتخذ بالإجماع أشارت الهيئة المركبة من أعضاء اللجنة إلى قرار آخر كانت قد اتخذته اللجنة الفرعية لأمور التخطيط المبدئية في المجلس القطري للتخطيط والبناء في إطار مناقشة المخطط الهيكلي لمتروبولين بئر السبع وجاء فيه أن "بلدة حورة توفر الحل الإسكاني لأبناء عشيرة أبو اللقيعان(...)".
مخطط برافر
يقضي مخطط "برافر" الذي جاء لتنفيذ توصيات لجنة "غولدبرغ" بمصادرة 800 ألف دونم تعود ملكايتها لسكان النقب العرب الأصلانيين، وهدم 35 قرية من أصل 45 قرية لا تعترف بها إسرائيل، مع تشريد عشرات الآلاف منهم، وهو بمثابة "النّكبة الجديدة"، لأنه يهدف إلى السيطرة على أكبر مخزون واحتياط أراضي بقي بملكية الفلسطينيين في البلاد، وتشريد وتهجير البدو البالغ تعدادهم مائتي ألف نسمة، لتركيزهم وتجميعهم على أقل بقعة أرض، ضمن سبع تجمعات سكنية خصصت لتوطينهم.
وتُعتبر المنطقة التي يتمركز عليها البدو ومسطحات الأراضي التي بملكيتهم، عمقًا استراتيجيًا للتواصل الجغرافي لربط قطاع غزة بالضفة الغربية.
لمواجهة المخطط، قام أهالي النقب مؤخرًا، بتشكيل لجنة التوجيه العليا لعرب النقب بمركباتها السياسية والاجتماعية، والتي ضمت ممثلين عن الأحزاب والحركات العربية في الداخل الفلسطيني، بالإضافة إلى السلطات المحلية وعدد من مؤسسات المجتمع المدني، وهيئات حقوقية عربيّة ويهودية. وساهمت جهود اللجنة، بالتعاون مع لجنة المتابعة، بتوعية الأهالي في النقب والتعبئة والتحشيد لقيادة نضال جماهيري واسع، فنظمت مظاهرات عدة وفعاليات احتجاجية واسعة.
ويرى الاستاذ حسن النصاصرة، أحد مواطني النقب وناشط في لجنة التوجيه أنّ النتيجة الحتمية لبرافر: "تهجير وترحيل ما لا يقل عن 15 قرية غير معترف بها، وستصبح جميع قرى النقب العربية خلال سنوات قليلة مدنًا يستحيل العيش فيها بسبب الاكتظاظ وغياب أي بنية تحتية طبيعية، كما أن تطبيق الخطة لن يراعي ولن يعترف بتنويع أشكال الاستيطان حسب احتياجات الناس ومتطلباتهم، إن كان منقرى زراعية، أو رعوية، أو موشاف، أو كيبوتس، كما هو الحال عند اليهود، كما يتوقع أن يسيطر الفقر، والبطالة، والعنف على جميع القرى العربية، كما هو حاصل الآن في التجمعات السكانية المعترف بها في النقب، فرهط مثلا وغيرها فاشلة بكل المقاييس، إذ لا بنى تحتية صالحة تتوفر فيها، ولا اقتصاد محلي، وهي عبارة عن فنادق للنوم فقط، وهذا كله يؤدي إلى تشويه الانسان العربي في النقب".
المصدر: عرب 48