جديدنا: وثيقة - مركز الوثائق الفلسطيني
قرية عابود تجسّد معاناة فلسطين: الأهالي محاصرون بين الاستيطان والجدار
مفارقات كثيرة يعيشها الفلسطينيون في ظل الاحتلال، فهم الشعب المحتــَل، ولكن إسرائيل تتعامل معهم أحياناً على أنهم مستوطنون. مفارقة غريبة عاشها ويعيشها على سبيل المثال أهالي قرية عابود في شمالي غربي رام الله. هذه القرية التي يتعايش فيها المسلمون والمسيحيون منذ عقود، لا تستطيع تقبّل فكرة أن إسرائيل حوّلت صراعهم على الأرض مع المستوطنين إلى «صراع بين مدنيين». الحكاية بدأت منذ سنوات حين باشرت إسرائيل بإقامة جدار الفصل العنصري على أراضي القرية، حيث انتفض الأهالي سلمياً. وكانت عابود من أوائل القرى الفلسطينية التي تنتفض ضد الجدار، حيث توجّه الأهالي إلى المحاكم الإسرائيلية مطالبين بوقف البناء. ولكن في المقابل، توجّه المستوطنون أيضاً إلى هذه المحاكم رافعين قضية ضد «الدولة» احتجاجاً على مصادرة الجدار لأراضي مستوطنتهم «بيت أرييه». وفي النهاية قضت المحكمة أن «لا صلاحية لها» في الأمر، وبأن النزاع مجرد «نزاع بين مدنيين». ويقول نائب رئيس بلدية عابود فيصل البرغوثي لـ«السفير»، «إنها قمة المهزلة. كيف يمكن لأي إنسان أن يتخيّل بأن المحكمة الإسرائيلية حوّلت مطلبنا باستعادة أرضنا التي هي حق لنا، إلى صراع مع المستوطن، وساوت تماماً بين الظالم والمظلوم، هذه مهزلة». وصادرت إسرائيل حوالي 40 في المئة من أراضي عابود، حيث تحوّلت القرية «الرحبة» إلى «جحر» يضيق على أهله يوماً بعد يوم. ولم يعُد بإمكان أهالي القرية الوصول إلى أهم قطعة أرض فيها، حيث تُقام مستوطنة «بيت أرييه»، كما بُني الجدار على حدودها. ويوضح البرغوثي «لقد صادرت إسرائيل خزان الغذاء الاستراتيجي للقرية، حيث استولت مستوطنة بيت أرييه والجدار على أهم قطعة أرض لنا، وهي كانت مليئة بالمياه والشعير وأشجار الزيتون». وتنقسم أراضي قرية عابود إلى قسمين، قسم مصنف بحسب اتفاق أوسلو «ب» وهو خاضع إدارياً للفلسطينيين وأمنياً لإسرائيل، وآخر «ج» وهو الأكبر مساحة، ويخضع أمنياً وإدارياً لإسرائيل. وتشكل المناطق المصنفة «ج» 60 في المئة من مساحة الضفة الغربية، وهي عملياً المخزون الاستراتيجي للماء والكلأ والأرض والموارد بالنسبة للفلسطينيين. على بعد أمتار من مستوطنة «بيت أرييه»، وتماماً في قلب منطقة مصنفة «ج» كان خليل عيد مع عائلته يقطفون ثمار زيتونه. ليسوا خائفين بالرغم من أن أي مستوطن قد يهاجمهم في أي لحظة كما حصل في فترات سابقة. بهدوء وحسرة يمرر خليل يديه فوق أغصان الزيتون لتنفرط حباته ناصعة الخضار بين يديه. ويقول في حديث إلى «السفير»، «لا أتحمّل فكرة أن هذه الحبات يوماً ما قد تصادر مني مثلما صودرت أراضينا من قبل هذه المستوطنة. سأظل هنا لأقطفها برغم ما في ذلك من معاناة. وبرغم الصعوبة. مهما فعلوا فأنا هنا حتى النهاية». معاناة عيد وحسرته لها أسباب كثيرة. فالمستوطنون قبل فترة قطعوا أشجار زيتون في القرية، وقبلها صادروا أشجاراً أخرى. ولا يعلم ماذا يخبئ لهم الغد. وخسرت قرية عابود حوالي ثمانية آلاف شجرة زيتون بسبب تجريفها أو حرقها أو إتلافها من قبل الاحتلال والمستوطنين. ويحيط بالقرية جزء من الجدار العنصري الذي عزلها عن محيطها. وشق في أرضها أيضاً طريق التفافي يستخدمه المستوطنون. ويبذل الفلسطينيون جهوداً لإعادة الحياة للأرض الفلسطينية والتجمعات الفلسطينية الواقعة كلها أو بعضها في المناطق المصنفة «ج». وقالت الحكومة الفلسطينية في الضفة الغربية إنها أنفقت ملايين الدولارات، وحاولت رفع الوعي الدولي للاستثمار في هذه المناطق، من أجل أن تدعم صمود الفلسطينيين فيها، لكن إسرائيل بدورها تمنع الاستثمار في المناطق «ج» وتكثف عمليات الاستيطان والمصادرة فيها. وبحسب تقرير للأمم المتحدة، يوجد في المناطق «ج» حوالي 190 تجمعاً فلسطينياً يعيش فيها قرابة 200 ألف نسمة، فيما تقام فيها حوالي 200 مستوطنة يسكنها أكثر من 300 ألف مستوطن. كما يظهر التقرير أنه يسمح في تلك المناطق بالاستيطان وللمستوطنات بالتمدد من دون رقابة، فيما يحظر على الفلسطينيين أي عمليات بناء، بل تهدم مساكنهم على الفور، حتى الجدران أو الآبار، أو أي منشآت فلسطينية. وتهدّد إسرائيل حالياً بهدم ثلاثة آلاف منزل ومنشأة فلسطينية واقعة في المناطق «ج» بدعوى أنها غير مرخصة. وووفقاً للتقرير، فإن المساحة التي يسمح للمستوطنات والاستيطان بالتمدّد فيها داخل مناطق «ج» تساوي عشرة أضعاف المساحة التي تعيش فيها التجمّعات الفلسطينية ومنها عابود. ويقول رئيس المجلس القروي أبو صالح لـ«السفير»، «نحن في عابود مسلمون ومسيحيون، نتعايش هنا منذ عقود، لكننا لا نستطيع التعايش مع هؤلاء المستوطنين الذين سرقوا أرضنا». وتقع في القرية مقدسات مسيحية عدة، ويتناقل سكانها رواية قديمة تفيد بأن المسيح كان يمكث فيها حين كان يسلك طريقاً قديماً يمر بها باتجاه مدينة الناصرة. ويشرح أبو صالح «لقد جاء أحد المؤرخين الأميركيين إلى هنا، وأكد أن المسيح كان يسلك طريقاً يمر من عابود إلى الناصرة، وأشار إلى أن الجدار الذي تبنيه إسرائيل على أرض قريتنا قطع هذا الطريق».
المصدر: جريدة السفير