متى حصلت المجزرة؟
وقعت المجزرة فجر 9 أبريل/نيسان 1948 واستمرت حتى الواحدة بعد الظهر، وذلك بعد يوم واحد على استشهاد القائد العسكري الفلسطيني عبد القادر الحسيني في معركة القسطل، وتعرضت القرية لأبشع مذبحة على يد العصابات الصهيونية، حيث فوجئ أهلها بأصوات مكبرات تدعوهم لإخلائها بسرعة، فوجدوا أنفسهم محاطين من جميع الجهات، وقام القتلة بأعمال القتل والتمثيل بالجثث.
من هم منفذو المجزرة؟
شارك قرابة 150 من العناصر الصهيونية في تنفيذ المجزرة، قادهم مناحيم بيغن زعيم عصابة "الأرغون" رئيس الوزراء الإسرائيلي لاحقا الذي وقع اتفاق كامب ديفيد مع مصر في 1979 ونال جائزة نوبل للسلام مع السادات، وإسحق شامير زعيم عصابة "شتيرن" رئيس الحكومة الراحل، ورأيا في المجزرة أسلوبا لطرد الفلسطينيين وإبادتهم.
ما تفاصيل المجزرة؟
وضعت قيادة العصابتين خطة لمهاجمة القرية بالتحرك على 4 محاور، يتقدم أولها من مستوطنة "جفعات شاؤول"، والثاني تتقدمه مصفحة عليها مكبر للصوت من الشرق إلى قلب القرية، أما المحور الثالث فينطلق من مستعمرة "بيت هكيرم" للاقتحام من الناحيتين الشرقية الجنوبية عند جامع الشيخ ياسين، ويتوجه المحور الرابع من "بيت هكيرم" ويهاجم بحركة التفافية من الغرب.
بدأت المجزرة فجرا عندما اقتحم الصهاينة القرية وباغتوا أهلها النائمين، لكن شبابها واجهوهم بمقاومة لم تصمد طويلا أمام إمطارهم بقذائف الهاون، مما مهد الطريق لاقتحامها، ففجر الصهاينة بيوت الفلسطينيين وقتلوا كل متحرك، وأوقفوا الأطفال والشيوخ والشباب على الجدران وطافوا بهم شوارع القدس، ثم أعدموهم رميا بالرصاص.
ووصف مراسل صحفي تفاصيل المذبحة بقوله إنه "شيء تأنف الوحوش نفسها ارتكابه، لقد أتى القتلة بفتاة فلسطينية واغتصبوها بحضور أهلها، ثم بدؤوا تعذيبها وألقوا بها في النار، كما شوهوا جثث الشهداء وبتروا أعضاءهم، وبقروا بطون الحوامل".
كم بلغت حصيلة المجزرة من الشهداء والجرحى؟
تتداول الروايات التاريخية الأكثر رواجا أن الصهاينة ذبحوا بين 250 و300 فلسطيني في هذه المجزرة ومثلوا بأجسادهم، وقطعوا الأوصال، وبقروا بطون 25 امرأة حاملا، وذبحوا 25 طفلا، وجمعوا من بقوا على قيد الحياة وجردوهم من ملابسهم ووضعوهم في سيارات مفتوحة وطافوا بهم في الشوارع اليهودية من القدس، حيث تعرضوا لسخرية المستوطنين اليهود وإهانتهم.
فيما يرى مؤرخون فلسطينيون أن ضحايا المجزرة لم يزيدوا على الـ100، وأن الإحصائيات اليهودية تعمدت تضخيمها، لبث الرعب في نفوس باقي الفلسطينيين في القرى المجاورة لإجبارهم على الهروب من منازلهم.
ومن تفاصيل المذبحة المتداولة أن "سيدة فلسطينية كانت على وشك الولادة، دخلوا إليها، فشقوا بطنها على هيئة صليب، وأخرجوا أحشاءها وطفلها وذبحوه".
وقال كبير مندوبي الصليب الأحمر كريتش جونز إن "منفذي المجزرة ذبحوا 300 شخص بدون مبرر عسكري أو استفزاز من أي نوع، وكانوا رجالا متقدمين في السن، ونساء، وأطفالا رضعا".
هل اعترف الصهاينة بالمسؤولية عن المجزرة؟
اعترفت الوكالة اليهودية بأن منظمات يهودية "منشقة" مسؤولة عن المجزرة الوحشية التي كان لها الأثر الكافي لهجرة الكثير من الفلسطينيين من قراهم ومدنهم، واستغلتها الدعاية الصهيونية في حربها النفسية ضدهم بتهديدهم بملاقاة مصير دير ياسين، نظرا لما بثته من رعب في قلوبهم.
وزعم مناحيم بيغن أن "المجزرة ساعدت في فتح الطريق للمزيد من التقدم على أرض المعركة، وصولا إلى طبريا وحيفا، حتى أن جميع المدن التي صدت هجمات "الهاغاناه" أخليت ليلا وسقطت دون قتال، وساعد سقوطها مع الاستيلاء على القسطل في فتح الطريق إلى القدس، وفي بقية نواحي الإقليم بدأ العرب يفرون خوفا قبل الاصطدام بالقوات اليهودية خشية مواجهة مصير دير ياسين".
وأضاف أن "لهذه العملية نتائج كبيرة غير متوقعة، فقد أصيب العرب بعد أخبار دير ياسين بهلع قوي، فأخذوا يفرون مذعورين، لقد خلقنا الرعب بينهم وفي جميع القرى بالجوار، وبضربة واحدة غيرنا الوضع الإستراتيجي".
بعد عام من ارتكاب المجزرة "احتفل" الصهاينة بذكرى احتلال القرية بحضور وزرائهم وحاخاماتهم، وفي 1980 أعادوا البناء في القرية فوق أنقاض المباني الأصلية، وأطلقوا على شوارعها أسماء منفذي المجزرة.
كيف تسعى الاحتلال لإخفاء وثائق المجزرة؟
تواصل المؤسسة الأمنية والعسكرية للاحتلال إخفاء تفاصيل المجزرة رغم مطالبات منظمات حقوقية بنشر وثائقها وصورها الموجودة في أرشيف الجيش الصهيوني بزعم أن نشرها قد يضر بعلاقات الاحتلال الخارجية مع أن العرف الإسرائيلي المتبع يتضمن الكشف عن مثل تلك الوثائق بعد مرور 70 عاما على وقوع أحداثها.
لكن مائير باعيل -وهو أحد رجال الاستخبارات الصهيونية المكلفة بمراقبة المجزرة- اعترف بأن "عناصر الأرغون وشتيرن نفذوا مجزرة طالت جميع الفلسطينيين رجالا ونساء وشيوخا وأطفالا، واقتادوا 25 رجلا وضعوا في شاحنة طافت بهم شوارع القدس "احتفالا بالنصر"، وبعد انتهاء العرض أطلقت عليهم النيران بأعصاب باردة".
أما ممثل الصليب الأحمر الدولي في القدس جاك دو رينييه -وهو الشاهد الأبرز على المجزرة والأجنبي الوحيد الذي دخل القرية ووثق مشاهداته- فوصف ما رآه قائلا إن "جل أفراد العصابتين مدججون بالسلاح، حملوا المسدسات والرشاشات والقنابل اليدوية والسكاكين الطويلة ومعظمها ملطخة بالدماء، وبدا واضحا أنه "فريق التطهير" المكلف بالإجهاز على الجرحى، واتضح ذلك من خلال الجثث المكدسة خارج المنازل وداخلها".
مع العلم أن رواية المؤرخين الصهاينة الجدد حول المجزرة تؤكد الروايات الفلسطينية والعربية كما جاء في كتابات آفي شلايم، وتوم سيغف، وإيلان بابيه، وبيني موريس، وموتي غولان، وغيرهم.
لماذا اعتبرت دير ياسين نقطة في بحر المجازر الصهيونية؟
يتوافق الفلسطينيون والإسرائيليون على أن مجزرة دير ياسين لم تكن الأولى وليست الأخيرة، لكنها الأكثر ذيوعا وتناولا من قبل وسائل الإعلام وكتابات الباحثين بمختلف اللغات.
أحصى المؤرخون الفلسطينيون تنفيذ العصابات الصهيونية 80 مجزرة ومذبحة خلال احتلالها 400 قرية وبلدة فلسطينية عام 1948، أي أنهم نفذوا مجزرة في واحدة من كل 5 قرى احتلوها، ولم تكن دير ياسين حدثا استثنائيا، لكنها الأخطر من بين عشرات المجازر، ومن أهمها بلدة الشيخ، وسعسع، والخصاص، والرامة، وعين زيتون، وأبو شوشة، ودهمش، وطيرة حيفا، والدوايمة، وعيلبون، والصفصاف.
وتمثلت جميع المجازر التي نفذتها مختلف العصابات الصهيونية -ومنها البالماخ والهاغاناه وإيتسيل- بإلقاء المتفجرات على الفلسطينيين وفتح النار في جميع الاتجاهات، فضلا عن استخدام الأسلحة البيضاء الحادة دون تمييز بين شباب أو مسنين أو أطفال ونساء، وتخلل بعضها شق رؤوس أطفال بالعصي، ولم يخل منزل من الجثث، ثم اقتادوا النساء والرجال وأبقوهم دون ماء أو طعام، وفجروا المنازل بمن فيها.